الجمعة 2021/07/16

آخر تحديث: 13:02 (بيروت)

الجنوب: من "أمل النصر والشرع" إلى الانهيار والفوضى

الجمعة 2021/07/16
الجنوب: من "أمل النصر والشرع" إلى الانهيار والفوضى
شاطئ صور في زمن الحرب (Getty)
increase حجم الخط decrease
هل أعادت الأزمات المعيشية المتشابكة الجماعات اللبنانية إلى التشرنق مجدداً في مناطقهم، وتدبر احتياجاتهم الضرورية باللجوء إلى قواهم وعلاقاتهم المحلية، كما في يوميات حروبهم الأهلية؟

مع مضي كل يوم يطحن اللبنانيين بأزماتهم، تسجل مؤسسات الدولة انحلالاً إضافياً، يقابله تيه إضافي لدى اللبنانيين في بحثهم عن وسائل موقتة لسد حاجاتهم الأساسية. فبين انتظاراتهم مبالغ مالية زهيدة بالعملة الصعبة، يرسلها لهم ذووهم وأقاربهم المهاجرون من وراء البحار، وبين المبادرات المحلية لتدبر حياة الكفاف، لا يجد اللبنانيون سوى قوى الأمر الواقع التي تسببت عميقاً بأزماتهم، فيلجأون إليها لتساعدهم. والبعض يتحدث عن  الكانتونات الأمنية والاقتصادية والإدارية التي فرضتها الحرب الاهلية (1975-1990) من الشمال إلى الجبل فالجنوب. وهناك من ينادي بها تحت شعار"الفيدرالية "، عند اشتداد الأزمات السياسية والاقتصادية الجارفة.

جنوب الإدارات الذاتية
ولا تنفك فئة من الجنوبيين -وهي خارج اصطفاف حركة أمل وحزب الله- عن تحميل الطرفين ما تؤول إليه المأساة الاجتماعية وطوابير البنزين وفقدان المازوت وسواهما. وهذه الفئة مقتنعة إلى حد كبير بأن من يدير الأمور هما الفريقان الموازيان لـ"الدولة" المنحلة، سواء من خلال الأطقم الصحية الإسعافية أو البلديات التي يسيطر عليهما الطرفان إياهما، وتتدخل بشؤونهم وشجونهم كلها، مؤكدة انها (البلديات) تعمل تحت سقف الدولة وأجهزتها.

وكان الجنوب قد مر بحقبتين من الأمن الذاتي والخدمات الذاتية: الأولى امتدت من 1975-1982، وكانت تسيطر على المجتمع الجنوبي المحلي فصائل المقاومة الفلسطينية وأحزاب الحركة الوطنية اللبنانية. والحقبة الثانية امتدت من العام 1985 إلى نهاية الثمانينات. وكانت حركة أمل هي المسيطرة على المجتمع الأهلي الجنوبي وتدير حاجاته المعيشية الأساسية، فيما كان جيش الاحتلال الإسرائيل ينسحب على نحو متدرج من الجنوب، لينشئ الشريط الحدودي المحتل.

أمل النصر والشرع الإسلامي
وكانت سلطة حركة امل في تلك الفترة شبه مطلقة في الجنوب. إذ كان حزب الله في طور النشوء بعد. وكان الأمن ومرافق الخدمات والمرافيء، وحتى القضاء، في يد أمل آنذاك. فهي التي تحدد أسعار المحروقات وأنواعها والخبز، وسوى ذلك من المواد الأساسية.

ومن أرشيف تلك المرحلة، بيان شهير أصدرته حركة أمل باسم "إقليم الجنوب"، قبل أن يتفرع إلى أقاليم تنظيمية عدة لاحقاً. وقد اختتمت الحركة بيانها بعبارة تتمنى من الله النصر القريب.

وللمصادفة فإن الإجراءات الواردة في البيان بدأ تطبيقها في أوائل تموز من العام 1985. أي في مثل هذه الأيام التي تشهد أزمات مهولة.

وبعد مقدمة قالت فيها الحركة: "انطلاقاً من الواجب الإسلامي وحرصاً على مصلحة جماهيرنا، لا بد من التأكيد على نقاط مهمة يجب الانتباه اليها: عدم الوقوع في شرك الجشع والكفر والخلاعة التي تقع في خانة الحرام والمنافية للشرع والتراث الإسلاميين".

وبعد إقرار يوم الجمعة عطلة أسبوعية بدل الأحد، ومنع بيع الخمور وشراؤها وشربها، ومنع سباحة بالمايو إلا في مسابح مسورة وتخلو إلا منهن، ومنع تجول النساء والرجال بثياب السباحة في الأماكن العامة؛ بعد هذا كله حدد البيان الأملي أسعار المحروقات والخبز في فقرته السادسة على النحو التالي :

- بنزين 45 ليرة لبنانية للتنكة، كاز 41 ليرة، مازوت 38 ليرة، غاز 22 ليرة للقارورة زنة 12 كلغ.

- تحديد سعر ربطة الخبز وزن 2 كلغ بستة ليرات، على أن توضع التسعيرة على باب كل فرن.

وأشار البيان إلى أن "كل من يخالف يتحمل نتائج مخالفته". وقبل الختام بتمني النصر، شددت الحركة المسيطرة على الجنوب، على امتناع الجنوبيين عن دفع أي مبلغ لعناصرها لقاء خدمات توصيلهم هذه المواد للناس.



حصاد تلك الأيام
هل نقول ما أشبه اليوم بالأمس؟ أم أن زمن المآسي يعيد نفسه؟

لكن مهلاً: اليوم يحمّل الجميع الدولة وسدنتها من الزعماء والأحزاب مسؤولية ما وصلنا إليه. لكن الزعماء والأحزاب جميعاً يتنصلون من المسؤولية، ويحمّلونها إن لم يكن لبعضهم البعض، فللطليان.

فهل يترحم الجنوبيون اليوم على أيام كانت فيها حركة أمل هي التي تنظم شؤونهم واحتياجاتهم اليومية؟ أم أنهم وصلوا إلى حصاد ما زرعته الحركة إياها وحزب الله وسواهما من الميليشيات الأحزاب منذ تلك الأيام؟ وربما منذ ما قبل تلك الأيام، عندما كان لبنان في رعاية "المارونية السياسية"، وربما قبلها أيضاً: حقبة الانتداب الفرنسي، ونشوء دولة لبنان الكبير.

وهذا لا يقول سوى أن هذه البلاد لا تزال تعيش في متاهة التاريخ.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها