الثلاثاء 2021/06/08

آخر تحديث: 15:37 (بيروت)

فراس أبيض "قائد" المواجهة: أسبوع حاسم قبل الكارثة الصحية

الثلاثاء 2021/06/08
فراس أبيض "قائد" المواجهة: أسبوع حاسم قبل الكارثة الصحية
جلب المزيد من القروض والمساعدات لتغطية الهدر والفساد لم يعد يصلح أبداً (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
هذا الأسبوع سيكون حاسماً في كيفية اتجاه الأمور الصحية في لبنان. فنحن نواجه خطراً كبيراً على الرعاية الصحية، وعواقبها ستكون وخيمة. المستشفيات الخاصة ستؤقلم نفسها على أساس عدم وجود دعم للمستلزمات الطبية، وحينها لن يكون لفاتورة الاستشفاء على المرضى حدود. أما مستشفى الحريري، الذي يستقبل كل المرضى غير القادرين على تحمل أعباء المستشفيات الخاصة، فسيبقى واقفاً ويعمل طالما يوجد مستلزمات طبية. بعدها لا أحد يعرف ماذا سيحصل. والحديث هو عن أيام معدودة. فلا يوجد مستشفى لديه مستلزمات تكفي لشهر. هذه خلاصة حديث مطول مع مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي، الدكتور فراس أبيض، الذي حذر من الكارثة الصحية الحاصلة.

نعيش أزمة غير مسبوقة على كل الصعد. والمستشفيات بدأت ترفض استقبال مرضى الجهات الضامنة. وهناك نقص في المستلزمات الطبية. كيف أثرت الأزمة على مستشفى الحريري؟ وهل هو مهدد بالإقفال؟ 

الأزمة الحالية لم تعد تقتصر على مستشفى دون غيره. هي عامة وكبيرة جداً. عندما كان الدعم الذي يقدمه مصرف لبنان بـ85 في المئة، رفعت المستشفيات الخاصة أسعارها بما يوازي الـ15 في المئة على أساس سعر الصرف في السوق، وزادت الأعباء على المريض. لكن حالياً الشركات تطالب بدفع ثمن المستلزمات مئة في المئة. بالتالي، لا يوجد أي مستشفى قادر على العمل، خصوصاً أن التعرفة ما زالت على حالها. طبعاً بعض المستشفيات تحمِّل المريض الأعباء بطريقة لا منطقية ولا أخلاقية، وتستغل الفوضى الحاصلة. وهناك مستشفيات تحاول تحصيل الفرق الذي تتكبده كي لا تفلس وتقفل أبوابها. لكن المريض لا يستطع تحمل هذه الأعباء في ظل الظروف الصعبة. 

القطاع الاستشفائي في أزمة كبيرة. والأسبوع الحالي سيكون حاسماً. إذا لم توضع حلول للمستلزمات الطبية سنكون أمام كارثة كبرى. فالمستشفيات لا تستطيع تخزين المستلزمات، والشركات لن تسلم من دون دعم إلا على سعر السوق. وفي حال لم توضع حلول للمستلزمات ستصل المستشفيات إلى خلاصة عدم وجود أي دعم، وسترفع أسعارها حسب كلفة السوق. وسيكون المريض أمام حل من إثنين، إما عدم التطبب أو دفع التكاليف كلها.

في ما يتعلق بمستشفى الحريري، أسوة بغيرنا، سنعمل بالمخزون الحالي. وعلى الجميع إدراك خطورة الوضع، فلا يوجد مستشفى لديه يكفي لشهر.  

ذاع صيت مستشفى الحريري بعد اندلاع أزمة كورونا، وتلقى مساعدات وتجهيزات كثيرة. كيف تطور هذا المستشفى وأين كان وأين أصبح؟ 

أزمة كورونا أظهرت العمل الذي كان المستشفى بدأه منذ العام 2015، عندما بدأت خطة الإصلاحات وإعادة التأهيل، ليس على مستوى التجهيزات وحسب، بل إدارياً ومالياً لكفاية العاملين والموردين وتأمين دخل انتشله من العجز المالي. فالمؤسسات الدولية دعمت المستشفى مع أزمة النزوح السوري بمشاريع صغيرة، راحت تتوسع بسبب الثقة الكبيرة في العمل والإدارة. وكان العجز السنوي حينها نحو 18 مليون دولار لمؤسسة ميزانيتها السنوية نحو 28 مليار ليرة. وانخفض العجز إلى مليون دولار، مع بداية الأزمة الاقتصادية واندلاع انتفاضة 17 تشرين. وعندما اندلعت أزمة كورونا أبدى المستشفى عن استعداده، فيما المستشفيات الخاصة رفضت لأسباب عدة، معتبرة أن المواجهة من مسؤوليات الدولة. وعندما اكتشفت أول حالة في لبنان استقبلها المستشفى، وأبلغنا المعنيين أن المستشفى يستطيع المواجهة والتجهز بثلاث أسابيع، افتتحنا خلالها قسماً لاستقبال المرضى وغرفاً للعناية الفائقة. وخلال الشهرين الأولين كنا الوحيدين الذين يستقبلون المرضى. الثقة والعمل جعل المؤسسات المانحة ترفع دعمها والشعب اللبناني أيضاً، عبر التبرعات التي ما زالت تأتي يومياً.. ومن الفقراء. 

تعاملنا مع كورونا بمهنية عالية جداً، حتى أن أول إصابة كورونا بين العاملين حصلت بعد نحو ثلاثة أشهر، في وقت كانت الإصابات بين الأطقم الطبية والتمريضية تحصل في كل المستشفيات. 

واستخدمنا المساعدات الدولية لتخفيف العبء عن المرضى. واتحدى أي مستشفى آخر حتى حكومي، تلقّى أتعاباً من مريض أقل من الحريري. فبينما بدأت المستشفيات الخاصة تطالب المرضى بعشرات الملايين بدل أتعاب، كان المعدل الذي يتحمله المريض في الحريري نحو 70 ألف ليرة عن كل مدة الإقامة.

عملياً، يوجد مستشفيين بواحد حالياً. هل من نوايا لإقفال قسم كورونا في ظل تراجع الإصابات وعدد المرضى؟
حالياً لدينا مستشفيين بواحد فعلاً. مبنى كامل وله مدخله الخاص مخصص لكورونا، مجهز بشكل تام بكل المستلزمات، وغرفة عناية وغرف عمليات وأشعة وغسيل كلى وقسم للأطفال والولادة وحديثي الولادة. وصحيح أنه لدينا أقل من عشرة مرضى كورونا حالياً، لكننا حافظنا على القدرة الاستيعابية على حالها. فكورونا لم ينته بعد، وعلينا البقاء على جهوزيتنا. ففي بريطانيا مثلاً، حيث نسب التلقيح بجرعتين تزيد عن خمس وأربعين بالمئة، عادت الإصابات لترتفع من جديد. أما نسبة التلقيح في لبنان بجرعتين فما زالت خمسة في المئة، وهذا يستدعي الإسراع بتوزيع اللقاحات، ورفع عددها للمراكز والاستفادة من قدرتها تلافياً لانتشار المتحور الهندي وغيره. بالتالي سنبقي قسم كورونا في المستشفى كما هو، حتى لو بات خالياً من المرضى في الأيام المقبلة.      

أما القسم الآخر من المستشفى، ففيه كل التجهيزات. ويُلقى على عاتقه مسؤوليات كبيرة في الرعاية الصحية للمرضى غير القادرين على تحمل أعباء المستشفيات الخاصة. وكان قد طرح علينا أن نحول كل المستشفى لكورونا في بداية الأزمة، ورفضنا. لأن هكذا قرار سيحرم مرضى المستشفى من الطبابة. وتبين لنا بشكل مباشر صوابية القرار، لأن الفئات التي تقصد المستشفى توسعت بشكل كبير، وقسم الطوارئ العادي يشهد على هذا الأمر، لأن المستشفيات الخاصة تطلب أرقاماً مهولة لا يستطيع المواطن تحملها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. 

تحدثت عن الإصلاحات التي أقدمت عليها، وثقة المؤسسات الدولية بالإدارة والمستشفى. ولديك خبرة بتفاصيل ما يدور بكواليس المستشفيات. وطرح اسمك لتولي وزارة الصحة. هل لديك تصور لطبيعة حل الأزمة الصحية الحالية التي تحذر منها؟  

هذا سؤال كبير جداً. لا يستطيع أي شخص حل الأزمة الحالية بشكل فردي. ويجب ألا نضع أي أمل بشخص، بل بالبرامج الإصلاحية ومدى واقعيتها. المشكلة الحالية ليس في وزارة الصحة، بل نعاني من أزمة وطنية شاملة.

مشكلة الهدر والفساد موجودة في المستلزمات الطبية، وفي الأدوية التي تهرب إلى الخارج، وفي المستشفيات التي تستغل الظروف لتحقيق أرباح غير مشروعة، وعلى حساب الأمن الصحي لكل المواطنين. فعلى مستوى وزارة الصحة يجب مقاربة الأزمة الحالية والتوصل إلى حلول معقولة، وعدم ترك المستشفيات تدبر أمورها بنفسها أو على هواها.

على المستوى الأزمة الصحية الحالية على الجميع أن يعملوا كفريق للخروج منها، المستشفيات والموردين والجهات الضامنة وحتى المرضى. ومحاولة أي طرف استغلال الآخر والكسب على حسابه يؤدي إلى الفوضى الحالية. بمعنى آخر يجب أن يكون هناك تحمل للمسؤولية الجماعية. وهذا ينطبق على عمل مؤسسات الدولة. ويجب مصارحة المواطنين بكل شيء. فنحن نعاني من عدم وضوح: مصرف لبنان يدعم المستلزمات أو لا يدعمها؟ عليه مصارحة اللبنانيين بنواياه.

وعلى اللبنانيين التوقف عن التفكير أن الجهات المانحة تنتظرنا كي تدعمنا. الأخيرة تراقب عن كثب وتريد معرفة كل التفاصيل، وعندما نعمل بشكل جيد ونكون محل ثقة تدعمنا. وهذا ما استخلصته في تجربة المستشفى من خلال دعم الجهات المانحة. وقبل طلب المساعدات يجب إدارة الوقت والطاقات والموارد ووفق الهدر والفساد. أما جلب المزيد من القروض والمساعدات لتغطية الهدر والفساد فلم يعد يصلح أبداً. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها