الإثنين 2021/06/21

آخر تحديث: 14:35 (بيروت)

بكتيريا الموت تجتاح القرعون والليطاني: كارثة بيئية غير مسبوقة

الإثنين 2021/06/21
increase حجم الخط decrease
الفيديو لعلي علّوش

لم يصمد فريق "المدن" الذي قصد منطقة القرعون ومحيطها، مستقصياً ما نشرته وسائل التواصل عن "نكبة بيئية" جديدة لاحظها مواطنون في مجرى نهر الليطاني، تحت الجسر الذي يربط منطقة صغبين بسحمر. واقتصر  عمل الفريق الصحافي على دقائق قليلة سمحت بالتقاط المشاهد المعروضة في الفيديو الذي ستشاهدونه، قبل أن يهرب من الروائح السامة التي لا تطاق.

ما هي "السيانوبكتيريا"؟
فمهمة توثيق التلوث بعدسة الكاميرا، جاءت مصحوبة بروائح نتنة، عكست كارثة بيئية غير مسبوقة في هذا الجزء من الليطاني، نتيجة تراكمية لإهمال الحلول الجذرية على طول مجراه، رغم أنه "شريان حياة" أساسي لأهالي البقاع عموماً.

إنها "السيانوبكتيريا" التي يبدو أنها تمددت هذا العام من بحيرة القرعون نحو المجرى الذي يرفدها بالمياه، فتلونت مياهه "السوداء" بالأخضر والأزرق مع رغوة بيضاء وروائح نتنة، فاقمت صعوبة استمرار الحياة  في البحيرة وروافدها، وطردت كل ما فيها من تنوع بيولوجي.

و"السيانوباكتيريا" ليست دخيلة على بحيرة القرعون، بل تستوطنها منذ سنوات، وتتسبب بفرز مواد سامة، شكلت تهديداً للأحياء المائية، ومنعت استخدام مياهها لري المزروعات منذ مدة. لكن المفاجئ هو تمدد هذه البكتيريا إلى مجرى الليطاني القريب من البحيرة، لتظهر جلية تحت الجسر الذي يربط صغبين ببلدة سحمر. وهذه ظاهرة قلما تحصل في مياه جارية، كونها كائنات تسبح على سطح المياه، وبالتالي من الصعب وجودها في مياه جارية، وفقاً للخبير المائي كمال سليم.

ومنذ سنوات تجند الدكتور سليم مع مجموعة من الناشطين لمتابعة حالة تطور السيانوبكتيريا في النهر، بالتزامن مع تجارب أجريت على منصات لمقاومة هذه البكتيريا، بالتعاون بين المصلحة الوطنية لنهر الليطاني وجهات هولندية مانحة، فلم تصل إلى النتائج المرجوة.

وراقب سليم بقلق ظروف تطور السيانوبكتيريا في غياب أي معالجة لنوعية المياه من المصدر. وهذا ما جعله مرجعاً في متابعة تطور هذه البكتيريا. ويشرح سليم لـ"المدن" أنه لم يسبق أن شاهدنا السيانوبكتيريا في أي  من مجاري الأنهار في لبنان. وهي كانت بكتيريا مستوطنة في بحيرة القرعون، وتبلغ ذروتها سنوياً خلال فصلي الصيف والخريف، مع تراجع كميات المياه الرافدة لها. ويعتبر سليم أن هذه البكتيريا تشكل واحدة من تداعيات الجرائم المقترفة بحق الليطاني، ومجاريه التي تحولت منذ مدة مصبات لمياه آسنة يحملها النهر من مختلف نواحي البقاع. وتتغذى خصوصاً من مادة الفوسفات التي تحملها "مجارير" وفضلات المصانع والمنازل، إضافة الى مبيدات الحشرات التي تشكل أحد عوامل تلويث النهر.

وانتقال عدوى البكتيريا من البحيرة إلى جزء النهر القريب منه، يترافق مع عوامل مناخية ربما تكون قد حملت حبيبات ميكروسكوبية من البحيرة إلى المجرى قبلها. وهذا ما يخلف قلقاً من تمدد رقعة هذه البكتيريا في الحوض الأعلى لليطاني، مع تزايد العوامل التي تغذيها، ومن بينها تراجع جريان مياهه وعدم تجددها، وارتفاع الحرارة، ونور أشعة الشمس.

نفوق الأسماك
أما خطورة هذه البكتيريا -يشرح سليم- فهي في السموم التي تفرزها، وتؤدي إلى روائح كريهة شكا منها المواطنون. وهذه السموم مضرة بصحة الإنسان، وتؤدي إلى ضيق في التنفس وحساسية جلدية. ولكن ضررها الأكبر يبقى على  البيئة المائية، كونها تقضي على التنوع البيولوجي في بحيرة القرعون.

فما الرابط بين السيانوبكتيريا ونفوق كميات السمك في بحيرة القرعون قبل أسابيع قليلة؟ يشرح سليم نفوق الأسماك في شهر نيسان، سببه تزاوج أسماك الكارب التي تكاثرت في القرعون، نتيجة قدرتها على مقاومة الظروف الصعبة. وفي مرحلة نموها لا تتغذى الأسماك بشكل جيد، وبالتالي تضعف مناعتها، وتصبح أكثر تأثراً بالملوثات. وهناك احتمال لتعرضها للبكتيريا. علماً أنه ظهر في هذه الفترة نوع جديد من السيانوباكتيريا الذي يضرب الجهاز العصبي للكائنات الحية. وبالتالي -يقول سليم- هناك احتمال كبير بأن يكون هذا سبب من أسباب نفوق السمك بالكميات التي شاهدناها، في انتظار المزيد من الإثباتات العلمية لذلك.

وهناك -وفقا لسليم- احتمال أن تكون كثافة تشكل السيانوباكتيريا قد تسببت بانقطاع الأوكسيجين عن قعر بحيرة القرعون. فتحولت مستنقعاً لكائنات متحللة تولد غازات. موضحاً أن نفوق الكارب ليس سوى وجه من وجوه تراجع التنوع البيولوجي بشكل كبير في البحيرة.

دور الناشطين
يشدد سليم على أن الحل الجذري لمشكلة هذه البكتيريا تبدأ من روافد القرعون التي يحملها مجرى نهر الليطاني. وهو، بالتالي، لا يبدي تفاؤلاً بحلول فورية في ظل الظروف الحالية للبلد. لكنه يرفض أن يكون ذلك سبباً لانكفاء العلم عن القيام بواجباته في متابعة تطور الواقع البيئي للبحيرة، متخوفاً من أن تؤدي هجرة الأدمغة العلمية المختصة إلى فجوة علمية تمنع اقتراح الحلول متى توفرت الظروف والإمكانيات.

لذا، يشدد سليم على أهمية دور الناشطين في المجتمع المحلي والصحافة، في رفد الخبراء بأي تطور يلاحظونه، سواء في مجرى النهر أو في مصبه ببحيرة القرعون، بما يسمح بتحرك الخبراء لتوثيق واقعه علمياً. وهذا تحديداً ما فعله الخبير المائي الدكتور سمير زعاطيطي بإحالته إلى سليم صوراً تلقاها من ناشطين بقاعيين حول ما شاهدوه في مجرى النهر بصغبين، مع وصف حالة الإعياء التي تتسبب بها الروائح النتنة في هذه المنطقة.

الوزارات وسمسراتها
وبالنسبة لزعاطيطي، فإن البحث في أسباب "المصيبة الكبيرة" التي حلت بـ"شريان الليطاني المائي" في البقاع، لا يمكن حلها من دون "خبراء". بينما الوزارات المعنية تتعمد إبعادهم عن الحلول المقترحة، في سعيها لإتمام سمسراتها على حساب صحة الناس. وبرأيه، فإن تلوث الليطاني هو وجه من أوجه الفساد المستشري في لبنان عموماً، والذي أمات بحيرة القرعون بسبب إهمال الدولة. ولذلك يرى بأن الخبراء وحدهم بإمكانهم تحديد المصيبة ومسبباتها، واقتراح الحلول العلمية، من دون خطابات طنانة. وهو تحدث عن حل ثلاثي بإحالتها إلى الدوائر القانونية لصياغة البنود التي تحدد المسؤوليات، تمهيداً للانتقال إلى المرحلة التنفيذية التي يجب إيكالها إلى الجهات الصالحة.

ووفقاً لزعاطيطي، لا يمكن أن يتحقق حل لمشكلة الليطاني مركزياً. إنما يجب العمل على "ميكرو حلول لمشكلة المجارير"، تؤمن رفد مجرى نهر الليطاني بالمياه النظيفة من كل بلدة تقع على ضفافه. وهذا تعني إشراك المجتمعات المحلية وبلدياتها في مسؤولية الحفاظ على نظافة النهر. ولكن هذه الصيغة في العمل -وفقاً لزعاطيطي- لا تؤمن للممسكين بملف التلزيمات السرقات التي يحققونها بصفقات التلزيم التي تجري حالياً، بينما نحن اليوم أشد ما نحتاج إليه هو الحل العلمي الذي وحده يمكن أن يؤمن الشفافية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها