وكانت الباخرة قد وصلت إلى صور من ليبيا، لصالح جيش لبنان العربي المنشق عن الجيش اللبناني بأمرة الملازم أحمد الخطيب. وأشرف آنذاك ما كان يسمى المجلس السياسي للحركة الوطنية في صور (يتكون من مجموعة أحزاب يسارية) على توزيع البنزين على المحطات المحدودة العدد في ذلك الوقت. وكذلك أشرف مقاتلو الأحزاب اليسارية على تنظيم تزود السيارات بالبنزين، من دون أن يخلو الأمر من مشاحنات ومشاجرات، تؤدي أحياناً إلى سقوط جرحى وقتلى.
وباخرة صور وسواها من البواخر صارت تصل بالتزامن مع انحلال الدولة ومؤسساتها وتقسيم المناطق اللبنانية والمرافيء البحرية فيها.
ويتذكر نزيه النقوزي -أحد أقدم المراسلين الصحافيين في الجنوب، لتلفزيون لبنان وصحيفة الأنوار- أن بواخر ثلاث محملة بالنفط على الأقل، أفرغت حمولتها في خزانات مصفاة الزهراني، لصالح جيش لبنان العربي، بأمرة الضابط المنشق، أحمد البوتاري. وكانت الطرق المتجهة إلى الجنوب مقطوعة، بسبب الأحداث والمعارك الحربية.
وكان النقوزي وقلة قليلة من المراسلين، يتنقلون على دراجاتهم النارية والهوائية، لتغطية القصف الذي طاول محيط مصفاة الزهراني، وأطلقت قنابله قوات الردع العربية، أي السورية، التي كانت تهاجم صيدا آتية من جزين. ويؤكد أن مسؤولي الأحزاب اليسارية اللبنانية والمنظمات الفلسطينية، كانوا يؤمنون مادة البنزين للمراسلين الصحافيين، في حال عدم توافرها في الاسواق.
لا يغيب عن باله رسو الباخرة المحملة بالنفط في مرفأ صور لصالح جيش لبنان العربي، وكان قائده المنشق في الجنوب الضابط أحمد البوتاري.
إيران بديلأ عن ليبيا؟
يوضح مسؤول المجلس السياسي في صور آنذاك، محمد فران (كان قيادياً في منظمة العمل الشيوعي) لـ"المدن"، أن المجلس السياسي في المدينة كان على رأسه المحامي منير مغنيه. وهو من واكب عملية تنظيم توزيع وتعبئة البنزين على محطات الوقود. وكذلك الكاز الذي وزع في المخيمات الفلسطينية والبلدات والقرى، تفادياً لحصول تجاوزات ومشاكل واحتكار. وقد دفع ثمن حمولة الباخرة جيش لبنان العربي الذي كانت تموله فتح وليبيا.
ولربما تجوز المقارنة هنا بين ليبيا الحركة الوطنية اليسارية في حرب السنتين (1975 – 1976)، وإيران حزب الله اليوم سنة 2021.
ويؤكد قيادي سابق في الحركة الوطنية لـ"المدن" أن تجربة الأحزاب اليسارية الفوضوية كانت فاشلة جداً في مواكبة الحاجات والخدمات الأساسية لجمهورها في لبنان المنقسم آنذاك، وفي ظل غياب سلطات الدولة ومؤسساتها عن رعاية حاجات اللبنانيين، ومتطلباتهم. لأن أي خطوة جهوية تبقى ناقصة وغير قادرة على حل شامل للأزمات الاجتماعية المستفحلة.
وتابع القيادي السابق قائلاً: إن استيراد البنزين والمازوت اليوم من إيران أو سواها، حزبياً وجهوياً، قد يخفف من الأزمة مؤقتاً -في حال سلوكه طريقه إلى التنفيذ- لكنه لن يكون بديلاً عن تحمل الدولة مسؤولياتها عن شعبها كله بلا تمييز.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها