السبت 2021/04/10

آخر تحديث: 12:33 (بيروت)

الغذاء لشراء الذمم: حالة الثنائي الشيعي في الجنوب

السبت 2021/04/10
الغذاء لشراء الذمم: حالة الثنائي الشيعي في الجنوب
مستودع تمويني تابع لحزب الله (Getty)
increase حجم الخط decrease
عانت الأحزاب السياسية بعد ثورة 17 تشرين من ترهّل واسع على مستوى قواعدها الشعبية. وباتت الأصوات ترتفع في كل مكان رافضةً سياسة الأحزاب في إدارة البلاد والأزمات السياسية والاقتصادية. وحتى داخل أكثر التنظيمات تشددًا وانضباطًا، بدأت الأصوات الاعتراضية تتصاعد، بعد موجة البرامج الإعلامية على معظم شاشات التلفزة التي تطرح قضية الفساد وتفضح بالأسماء المرتكبين من الجهات كلها.

صراع على القواعد الجماهيرية
ففي أحزاب وحركات بلغ عمرها السياسي مديداً، صرنا نسمع أصواتاً معترضة من قادتها. وبعضهم جمَّد عمله التنظيمي أو ذهب إلى المعارضة عبر منصّات إعلامية أو حتى بالتظاهر مع الثوّار في الساحات والشوارع. ولم تفلح الأوامر التنظيمية الصارمة في لجم المعترضين أو كتم أصواتهم. ولم يعد الكلام حول نظرية المؤامرة مقبولًا في القواعد الشعبية. وفي مثل هذه الحال، ومع تنامي المعارضات الداخلية، وجدت الأحزاب نفسها أمام تحدّ كبير لاسترداد قواعدها والحفاظ عليها، ككتل انتخابية في الاستحقاقات المقبلة.

ولا شكّ في أن الجوع كافر. والمواطن اللبناني اليوم عاجز أمام متطلبّات الحياة والغلاء الفاحش والصعود المستمر لسعر صرف الدولار. وفي ظلّ انهيار تام لرواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص، وتدنّي أجور العمال وارتفاع نسبة البطالة، سعت الأحزاب إلى استغلال فقر الناس وحاجتهم وجوعهم ومصادرة حريتهم بطرق غير مباشرة، بحجة خدمة الجماهير و"التقرّب من الله". ولا يستطيع أحد أن يلقي باللوم على المواطن إذا لجأ إلى التعيّش على الأحزاب، في ظل الأزمة الضاغطة وانعدام الحلول.

بطاقات تموينية
منذ زمن بعيد وضمن الحاضنة الشيعية، اشتهر ما يسمّى "بطاقة النور"، التي تمنح لأفراد وعناصر من حزب الله ولمناصرين مؤكد ولاؤهم للحزب إياه. بموجب هذه البطاقة المعتمدة لدى كثرة من تعاونيات الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، يشتري حاملها بضاعة تموينية مخفضَّة السعر بنسبة تتراوح بين 3 و10 في المئة، حسب نوعية البضاعة وهوية الشاري: متفرّغ للعمل الحزبي، مؤيد أو مناصر.

لكن بعدما أرخت الأزمة الاقتصادية الراهنة بظلالها على لبنان، اشتعلت حرب ضروس بين الأحزاب والمتمولين الأغنياء وكبار المقاولين، عنوانها مساعدة الناس في الظاهر، واستقطابهم في الباطن. وتنقسم حاضنة الثنائي الشيعي في أغلبيتها بين تنظيمين كبيرين: حركة أمل وحزب الله. لكن حزب الله يتميّز عن حركة أمل بالدعم الإيراني، بالرغم من خطابه الاتهامي لانتفاضة 17 تشرين بتمويلها من السفارات. ويصل تمويله من 700 مليون إلى مليار دولار في السنة، (حسب  وكالة بلومبيرغ، 27 نيسان 2020)، عدا المساعدات العينية من محروقات ومواد غذائية ومعدات تمر جميعها من غير جمارك فتصبح سلعًا منافسة.

وقد سمح الرخاء النقدي لحزب الله بأن يوسع نشاطه. فأخرج إلى العلن ما يعرف بـ"بطاقة ساجد" التموينية، والتي أحدثت توسعًا هائلًا في استقطاب القاعدة التي تئن تحت وطأة الجوع والفقر. ويقوم حزب الله بتوزيع هذه البطاقة على مناصريه ومؤيديه من دون سواهم. وهي بطاقة ممغنطة تصل لصاحبها عبر عناصر حزب الله في القرى والبلدات. وقد أعدّت البطاقة بعد دراسات ميدانية واسعة شملت جميع مناطق نفوذ الحزب إياه. ومعظم البضائع التي يتّم شراؤها بالبطاقة هي بضاعة إيرانية منافسة من حيث الأسعار، وتباع في تعاونيات ساجد العائدة إلى حزب الله.

منافسة بين الحزب والحركة
وفي اتصال مع المدعو (م.ج) وهو من الخبراء في تجارة الموّاد الغذائية والناشطين في استيرادها من إيران، أكّد لنا أن تعاونية ساجد تحقق أرباحًا كبيرة في هذه العملية، لأن البضائع رخيصة في منشئها ومعفاة من الجمارك وجزء منها هبات.

وتبدو المنافسة من حركة أمل محدودة وضيقة في هذا المجال. وذلك لضعف ما تملك الحركة من إمكانات مالية لسّد حاجات الناس. وتعتمد أمل على دعم من بعض المتمولين في الداخل وفي الخارج. فهي تقوم بتعبئة الحصص التموينية وتوزيعهاعلى المناصرين والمنتسبين وبعض المحتاجين. وتقوم بعض الجماعات المتمولة والأغنياء كالمدعو محمد غدّار (وهو مستقلّ بحسب ما علمنا)، ومحمد دنش (وهو مقرّب من زوجة رئيس مجلس النواب رندة بري، في بلدة الغازية) بتوزيع بطاقات مالية تغطي 300 ألف إلى 750 ألف ل.ل، توزّع حسب رؤيتهم واختيارهم للناس. وتكاد لا تخلو بلدة من متمولين وأغنياء يقومون بهذا العمل لدعم الناس ومساعدتهم ظاهراً، وفي الباطن يبدو للعيان أن العملية استقطابية لأحزابهم السياسية واستدراجاً للناس من خلال عوزهم.

الدواء: دعم مضاعف
وعلى الرغم من أنّ الدواء لا يزال مدعومًا في معظمه، لكن الضائقة باتت تحاصر كثيرين، فلا يتمكنون من  شراء أدويتهم. ويؤكد (م.ج) -صاحب صيدلية في منطقة النبطية- أن حزب الله يغطي الجزء الأكبر من فاتورة طبابة الأدوية في كثرة من الصيدليات، ويقوم بدفع ثمن الدواء لمناصريه ومؤيديه شهرياً.

وأكّد لنا (م.ش) صيدلاني آخر، أن حركة أمل تقوم بتغطية الكثير من الأدوية لمناصريها وعناصرها. وتدفع الحركة أحياناً فرق الضمان أيضًا. وقد حُدّدت في كل بلدة أكثر من 3 أرقام هاتفية للأحزاب والمتمولين لتغطية مثل هذه الخدمات وغيرها.

إزدواجية الغذاء
والمضحك المبكي ما أفادنا به المدعو (ح.ف): كثيرون من الناس يتصلون بأرقام لحزب الله وحركة أمل، للحصول معونات من الطرفين. وتفيد حاجة أرملة لديها بنت وحيدة، أن بيتها قد امتلأ بالحبوب والمعلبّات والزيوت. وهي تحصل عليها من الطرفين. وأبلغتنا أنها صارت ترفض الحصص التموينية التي حولّت منزلها إلى دكّان، وهي تطلب من الذين يساعدونها النقود بدل التموين.

ويدور في القرى والبلدات صراع هائل حول استقطاب الناس من جديد حول بطاقات التموين و"كراتين الإعاشة". ويقارن القرويون بين حصص التنظيمين ويقومون بحساب أسعارها. حتى أن البعض يبيع بعضها قبل انتهاء مدّة  صلاحيتها.

دولارات إلى الخارج
ولا ينحصر ما تقوم به الأحزاب في مسألة واحدة. فهي في الغذاء والدواء، وتأمين الدولار إلى الخارج. وكشف لنا الحاج سمير عن جهة سياسية كبيرة في البلد أمنّت له نقل مبلغ من المال إلى ولده الذي يتابع دراسته في الطب خارج لبنان. وهو ليس الوحيد، حسب إفادته. ورفض الكشف عن الجهة الحزبية التي ساعدته بتحويل المال، ناهيك عن تأمين الدولار للعاملات الأجنبيات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها