الأحد 2021/03/21

آخر تحديث: 11:22 (بيروت)

عيد الأم.. لنتذكر كابوس المحاكم الدينية

الأحد 2021/03/21
increase حجم الخط decrease
الفيديو لعلي علّوش

15 قانوناً للأحوال الشخصية في لبنان، كلها تحكمها أعراف وقوانين ذكورية مجحفة بحق المرأة اللبنانية والأم خصوصاً. مطالب وصرخات نسوية تعلو في أروقة هذه المحاكم. تكاد لا تكسب الأم تحديداً أي قضية إلا بعد تنازلها عن حق من حقوقها. وكثيراً ما تجد الأم نفسها مرغمة على التنازل عن نفقة أولادها مقابل كسب حضانتهم.

في الحضانة والنفقة
سهام (اسم مستعار، 43 عاماً) حصلت على الطلاق بعد زواج دام 20 سنة. ووجدت نفسها المعيلة الوحيدة لأولادها الثلاثة منذ 4 أشهر، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان. وهي تتحمل كافة المصاريف من دون مساعدة الأب.

دعوى الطلاق بقيت مستمرة سنة ونصف السنة في المحكمة الدرزية في عاليه، لأن الزوج لم يكن يريد الطلاق. ووفقاً لقانون المحكمة الدرزية، كانت حضانة اثنين من أولاد سهام الفتاة الكبرى والولد من حق الأب. أما بالنسبة للطفلة الأصغر فكانت الحضانة من حق الأم على أن يدفع الأب نفقتها. ولكن بعد ضغط كبير مورس على سهام، ومقابل حصولها على الطلاق رسمياً من المحكمة، اتفقت أن تكون حضانة الصغيرة مشتركة بينها وبين الوالد، على أن يدفع نفقة قيمتها فقط 200 ألف ليرة لبنانية.

وبعد صدور حكم الطلاق في المحكمة، بناء على رغبة الأب، انتقل الأولاد الثلاثة للعيش مع أمهم، فباتت الحضانة كاملة مع سهام ولكن ليس رسمياً. وعند مطالبتها الأب بمصاريف ونفقة الأولاد، رفض الأمر معتبراً أنه أبرم معها اتفاقاً سابقاً بنفقة قيمتها 200 ألف ليرة فقط شهرياً.

وبين سندان الحضانة والنفقة والأعباء المالية، وقفت الأم ولم تجدد دعوى النفقة في المحكمة الدرزية، خوفاً من أن يتراجع الأب ويأخذ حضانة الأطفال منها، فضلاً عن الأعباء المالية التي ستتكبدها في المحكمة وقد تكون من دون نتيجة.

تعمل سهام منذ 4 أشهر تقريباً في التدبير المنزلي، في محاولة لتأمين مصاريف أولادها الثلاثة وأقساط مدارسهم. وفي حديثها لـ"المدن"، أوضحت أن راتبها الشهري لا يتعدى 400 ألف ليرة، إضافة إلى النفقة التي تحصل عليها وقيمتها 200 ألف ليرة، وعلى عاتقها دفع إيجار منزلها الذي يبلغ 425 ألفاً، عدا المصاريف الأخرى من كهرباء ومياه و.. وفي عودة إلى الوراء وكيف كان أولادها يحتفلون بعيد الأم تقول: "كانوا يجلبون لي الكيك، زجاجة عطر، ومستحضرات تجميل. ولكن اليوم قلت لابني أن يكتب على رغيف خبز "كل عام وانت بخير"، الأولاد طبعاً مقهورون لعدم قدرتهم على الاحتفال ككل عام. ولكن رؤيتهم وعيشهم معي في المنزل نفسه هو أعظم ما كسبته هذه السنة".

وتضيف سهام: "قرار الطلاق ليس قراراً سهلاً على الأم تحديداً. ولكن في ظل هذه القوانين ووجود هذه المحاكم الدينية، لا وجود لحل جذري قد يمنحنا حقوقنا ويؤمن العدالة. كل ما علينا فعله هو البقاء قويات، والعمل على تأمين مصاريف أولادنا والحفاظ على حضانتهم معنا. رؤية أولادي وبقائهم معي هو همي الأول".

ليس لسهام اطلاع واسع على مطلب قانون الأحوال الشخصية الموحد أو قانون الزواج المدني. ولكنها على حد قولها تقف إلى جانب كل ما يؤمن العدالة للأمهات قائلة: "مشايخ الطائفة الدرزية حرّموا الزواج المدني. ولكن إن كان هذا الزواج يؤمن العدالة للأم والزوجة فيجب تطبيقه، لأن الأم في المحاكم الدينية هي من تدفع الثمن دائماً".

المحكمة الجعفرية.. والحظ
من المحكمة الدرزية إلى المحكمة الجعفرية، المعاناة نفسها تخوضها النساء فيما يخص قضايا النفقة والحضانة. هناء، ومنذ 17 تشرين الأول 2019، حصلت على الطلاق رسمياً من المحكمة الجعفرية. وهو طلاق الحاكم (غيابي). وذلك، لأن الانفصال حصل منذ سبع سنوات تقريباً، ويتواجد طليقها خارج لبنان.

كانت ابنة هناء تبلغ من العمر 4 سنوات عند الانفصال. وهي تعيش معها منذ سبع سنوات. حصلت على نفقة من والدها قيمتها مليون ليرة تقريباً، بقرار من المحكمة الجعفرية، بعد رفع دعوى نفقة من الأم قبل دعوى الطلاق حتى. ولكن الزوج وبعد سنة واحدة امتنع عن دفعها. كما أن المحكمة الجعفرية لا تملك أي آلية رقابية لمراقبة دفع الأب لهذه النفقة. عندها فضلت الأم عدم الدخول مجدداً في دعاوى جديدة طالما أن حضانة طفلتها معها.

تعمل هناء كممرضة في إحدى مستشفيات العاصمة. تحاول من راتبها أن تؤمن كافة مصاريف ابنتها. كما أنها تعيش في منزل عائلتها، موفرة بذلك إيجار منزل. وتقول في حديثها للمدن: "المسعى الأول كان الحفاظ على حضانة ابنتي وألا يحرمني منها. هناك بعض الصعوبات المادية ولكن حضانة ابنتي معي تكفيني".

وحسب هناء، المسؤولية والهاجس الأكبر هو تأمين التكاليف الدراسية لابنتها في ظل غياب كلي لدور الأب. ومع بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان كان هناك صعوبة في تأمين الأقساط، وتأخرت في دفعها. ولكن على حد قولها "الحظ لعب معي، ابنتي متفوقة في المدرسة. ونظرت الإدارة في وضعي كوني المسؤولة الوحيدة عن ابنتي في ظل غياب الأب، وحسموا جزءاً كبيراً من القسط".

صفقة في المحكمة السنّية
في أروقة المحكمة السنية خاضت ليلى (اسم مستعار) صراعاً طويلاً مع أب أولادها الاثنين، بعد حصولها على الطلاق عام 2008. عندما رفعت ليلى دعوى الطلاق في المحكمة تنازلت عن كافة حقوقها المادية، مقابل حصولها على الطلاق رسمياً، وأيضاً حضانة ولديها (فتاة وصبي). كما حكمت لها المحكمة بنفقة مالية قيمتها 450 دولاراً على الولدين. وهي أعلى نفقة ممكن أن يحصل عليها الأولاد.

في حديثها لـ"المدن"، قالت ليلى إن قيمة هذه النفقة لم تكن تكفي مصاريف الولدين كلها. وبعد فترة قصيرة من الحكم امتنع الاب عن دفع هذه النفقة، بحجة توقفه عن العمل. وامتنع الأب أيضاً عن دفع الأقساط المدرسية لأولاده. وكانت المسؤولية تقع على كاهلها فقط، إضافة إلى كلفة التأمين الصحي للأولاد التي كانت تدفعها الأم أيضاً من راتبها كموظفة.

تابعت ليلى قضية النفقة في المحكمة السنّية، خصوصاً فيما يتعلق بالأقساط المدرسية، وربحت الدعوى بعد أن جلبت فواتير الأقساط، إلا أن الأب لا يزال يماطل في تسديد هذه الأقساط شهرياً. كما أنه عندما قررت أن ترسل أولادها إلى كندا السنة الماضية لإكمال دراستهما في الخارج، كانت نفقات السفر ودراستهم ومصاريفهم لا تزال تقع على عاتق الأم فقط، من دون أي مساعدة ولو صغيرة من الأب، رغم أن حاله المادية ميسورة.

قد تكون هذه النماذج أفضل بكثير من حالات مأسوية لأمهات محرومات لا من النفقة ولا من حقوقهن المادية فقط، وهن الأغلبية، إنما أيضاً من الحضانة، بل ومن رؤية أطفالهن. أولئك الأمهات يأتي عيدهن تذكاراً للألم والكوابيس.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها