الجمعة 2021/02/05

آخر تحديث: 14:42 (بيروت)

تجار بعلبك يكسرون الإقفال: رصاص طائش وفقر وموت وبائي

الجمعة 2021/02/05
تجار بعلبك يكسرون الإقفال: رصاص طائش وفقر وموت وبائي
خرق الإقفال إما خلسة وراء الأبواب الحديد أو جهاراً نهاراً (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease
"حظه كبير" أحد عملاء فرنسبنك في بعلبك. لقد تمكن صباح يوم الخميس 4 شباط الجاري، من سحب المال من آلة الصراف الآلي. فمصرف فرنسبنك -الذي أطلق على صرافه الآلي النار مودعٌ سئم من عدم توفر رصيد فيه في اليوم السابق-  رأى في ذلك أفضل ذريعة لتوقيف خدمة صرّافاته الآلية الثلاثة كلياً في اليوم التالي.

قصاص مصرفي
هكذا قرر المصرف معاقبة المودعين جميعًا، بحجز أموالهم خلف أبوابه الحديد المركبة سابقاً، كتدبير لمواجه تحركات "ثوار المدينة" (بعلبك) ضد المصارف "التي نهبت الأموال". وفيما سُمح إستثنائيا لمودع المدعوم باستخدام أحد الصرافات التي نجت من القذائف، قيل لآخرين أن لا صرافات شغالة في المصرف حتى يوم الإثنين المقبل.

ويتعاطف البعلبكيون مع المواطن الذي صب غضبه الناري على الصراف. واستغربوا أن تقابل فعلته بالشجب والمطالبة بالمعاقبة، فيما "لم نر لا من يشجب ولا من يعاقب"، يقولون في بيانات مشابهة تصدر لدى تعرض المدينة وأهلها لخضات اجتماعية واقتصادية وأمنية متتالية.

وعليه، لا يشكل التوقيف السريع لـ"المعتدي"، الذي برأيهم حاول بفعلته فك أسر أمواله من المصرف، سوى دليل إضافي على إزدواجية معايير في دولة لا تقوى إلا على الضعفاء، فـ"تتعنتر" بوجههم، لتتحول حيث يجب أن تفرض هيبتها "هرّاً" فاقداً حتى لسلطة المكافحة وفرض القرارات.

كسر الإقفال
ومنذ أيام يتداول البعلبكيون منشورات على صفحات التواصل الاجتماعي، تكشف تزايد وتيرة الاعتداءات، من عمليات سلب وسرقة، وصل بعضها إلى القتل. وفيما لوحظ تزامن تزايد وتيرة الفلتان مع إجراءات أمنية يفترض أن تواكب قرار الإقفال التام وحظر التجول، يرى البعلبكيون أن هذا الحظر لم يشمل مرتكبي الجرائم على أنواعها في مدينتهم. وبعضهم يتنقلون على الحواجز بسيارات زجاجها داكن. وهذا مستمر بعد أن نفذ  الجيش في الساعات الماضية عمليات أمنية داهمة، أسفرت عن بضعة توقيفات، ولا يبدو أنها كافية لاستعادة "الأمن" المفقود في المدينة.

لذا قرر البعلبكيون أن يكونوا المبادرين إلى فرض قراراهم على الدولة: كسر الإقفال. وقرارهم بدأ تنفيذه صباح يوم أمس الخميس 4 شباط، على ما بينت جولة ميدانية لـ"المدن". والخرق يشمل "حظر التجول" المفروض، وكسر قرار "الإقفال التام"، الذي يؤكد تجار المدينة أنهم ما عادوا قادرين على تحمله اقتصادياً.

فالتجار - يقولون- يريدون استعادة مواردهم، تمامًا كما أراد مودع فرنسبنك سحب راتبه من الصراف الآلي. والفعلان محركهما لقمة العيش التي جعلت المواطنين يكفرون بالدولة وقراراتها.

تجارة الذهب المعاكسة
وتفاوت خرق قرار الإقفال بين تجار ارتكبوا فعلتهم خفية، فعمدوا إلى استقبال الزبائن في المحلات خلسة، وتحت جناح الظلام الذي يفرضه إبقاء أبواب الحديد مقفلة، وبين من قرر المخالفة جهاراً نهاراً، ففتح متجره وباشر في استقبال الزبائن بلا قلق. ومعظم هؤلاء من تجار الذهب في المدينة.

وتبدو لافتة أيضاً حركة المواطنين الذين قصدوا محلات الصاغة في عز الإقفال التام. ولدى استطلاع الأمر، يتبين أن معظمهم حضروا ليبيعوا مجوهراتهم وليس للتزود بمجوهرات جديدة. وهذه تجارة معاكسة يبدو أنها نشطت كثيرا منذ بداية جائحة كورونا. وهذا ما دفع تجار الذهب في المدينة إلى لصق إعلانات على أبواب متاجرهم تؤكد شراؤهم الذهب، وليس بيعه فقط.

وتقول إحدى السيدات التي جاءت مع كنتها ليبيع الذهب: "الناس جاعت في بيوتها، والرواتب ما عادت تكفي لأسبوع واحد، ولم يعد أمامنا سوى بيع الذهب لنطعم الأولاد".

ذهب ودولار وعدل
لكن أحد تجار الذهب ينفي أن تكون التجارة في اتجاه واحد، مؤكدا أنه لا يزال في المدينة رأسماليون يتهافتون على الشراء، حفاظا على قيمة أموالهم المكدسة بالليرة اللبنانية.

وفي المقابل لا يعرف ما إذا كان لازدهار حركة تجارة الذهب في مرحلة الإقفال إرتباط بالزحمة التي تشهدها أيضا محلات الصرافة المستثناة من قرار الإقفال. فلكلاهما (الذهب والدولار) إرتباط بأزمة الليرة اللبنانية وسعرها المتدهور، الذي جعل الكثيرين يتهافتون على القطاعين، إما كشارين للذهب والدولار أو كبائعين.  

أما مكاتب كتاب العدل فيبدو كأنها في سباق مع عطلة نهاية الأسبوع لإنجاز معاملات المواطنين. فهي شغالة في بعلبك خلافاً لمعظم مكاتب كتاب العدل في زحلة وقضائها..

لا إقفال ولا كورونا
وتأتي هذه الخروقات في بعلبك، فيما تتكثف اجتماعات اللجان على المستوى المركزي لاتخاذ قرار جديد في شأن تمديد فترة الإقفال. وهذا ما استبقته جمعية تجار بعلبك باجتماعها الأسبوعي، معلنة أن تجار المدينة لم يعد في إمكانهم تحمل أي إقفال، وأنهم سيلتزمون بالمقابل بالمعايير الصحية والوقائية التي يفرضها قانون التعبئة العامة.

ولكن إذا كان الحديث عن الالتزام بالمعايير الوقائية يبقى محفوفا بالشكوك في معظم المناطق اللبنانية، فإن هذه الشكوك تتزايد في منطقة بعلبك تحديداً. فهنا يحول كل من الصعوبة والإهمال دون تطبيق أي قرار تتخذه الدولة. فيما لا يزال كثيرون لا يعترفون بوجود كورونا وخطرها عليهم، وصولا إلى عدم اكتراثٍ كاف للتسجيل في منصة الحصول على لقاح ضد فيروس كورونا.

وهذا ما كشفه تحديداً محافظ بعلبك بشير خضر في تعميم وجهه إلى كافة بلديات محافظة بعلبك الهرمل، يشير فيه إلى أن أعداد الذين تسجلوا في المنصة من كافة بلديات المحافظة ضئيل جداً، مقارنة مع العدد المتوقع تسجيله. لذا طلب من البلديات والمخاتير حث المواطنين على التسجيل للحصول على اللقاح، حفظاً لحقهم فيه للاتقاء من فيروس كورونا.

ويقول بعلبكيون كثيرون إن "البلد ينقصه لقاح آخر غير لقاح كورونا". وهم يعتقدون أن اللقاح ليس سوى صفقة أخرى يراد تمريرها بعد الانتهاء من صفقات الـ"التعقيم والكمامات وفحوص الـPCR". وبرأيهم أن الناس جاعت وأفتقرت. وهذا خطره أشد على اللبنانيين من خطر كورونا الذي يفتك بالعالم. وهناك آخرون يقولون إن أقسى أمنيات البعلبكيين حاليا هي أن لا يموتوا بالرصاص الطائش، قبل أن يصل لقاح كورونا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها