الخميس 2021/12/09

آخر تحديث: 14:42 (بيروت)

علاج اللبنانيين المفلسين: دِينٌ وأعشاب وثوم.. بديلاً للأطباء والأدوية

الخميس 2021/12/09
علاج اللبنانيين المفلسين: دِينٌ وأعشاب وثوم.. بديلاً للأطباء والأدوية
تكتظ عيادة الطب بالأعشاب بالذين يبحثون عن علاج رخيص (المدن)
increase حجم الخط decrease
يئنّ لبنانيون كثيرون يومياً من الصعوبات المعيشيّة. فصارت زيارتهم الأطباء أمراً صعباً، وحتى للضرورة القصوى، بسبب العجز عن تأمين تكاليف الطبابة. ومعاينة الطبيب ورحلة البحث عن الدواء أو بديله صارت أكثر إيلاماً من المرض.

وفي جولة قصيرة لـ"المدن"على العيادات الطبية الخاصة، تتكرر المشاهد نفسها: أروقة خالية، مقاعد فارغة، إضاءة خافتة، وطبيب يقدّم الإرشادات والنصائح الطبيّة لمريضه عبر الهاتف. تلك هي حال عيادات الأطباء، بعدما رفعوا تعرفة معايناتهم، وصارعلى المريض البحث عن سبل أخرى أقل كلفة لمعالجة أوجاعه البدنيّة، كاللجوء إلى الطب البديل أو استعمال الأعشاب في علاجات منزلية.

هاتف وأعشاب
يؤكّد الطبيب حسن شكر، وهو أخصائي صحة عامة في حارة حريك، بأن عدد المرضى انخفض كثيراً بسبب الضائقة الماديّة. فالمريض اليوم غير قادر على دفع تكلفة المعاينة والأدوية معاً. لذا يتصل به هاتفياً شاكياً أوجاعه وطالباً منه وصف دواء بميزتين: "متوفر في السوق ورخيص". وبهذه الطريقة يهرب من دفع المعاينة ليشتري الدواء.

ولأن الطب مهنة إنسانيّة في الدرجة الأولى، ولأنه على علم بحالة مرضاه الماديّة، فتح لهم عيادته ولم يحدّد أي تعرفة، تاركاً لمرضاه وضع ما تيسّر لهم في علبة بلاستيكيّة على مكتبه تعقّم يومياً. مرضى كثيرون يتصلون به يومياً شاكين عدم قدرتهم على شراء الأدوية. ويشعر بالأسى عندما يجبر على طلب بعض الفحوص المخبرية للمريض، الذي يقول له إن كلفتها الباهظة تمنعه من إجرائها. ولا تنته المأساة هنا. فتجنباً لشراء الأدوية، يلجأ مرضى كثيرون إلى الأعشاب. ورغم احتوائها على بعض الفعالية -حسب الطبيب- لكنها غير كافية، والمريض يحتاج لمتابعة مستمرة وتلقي العلاج اللازم.

ويعتبر شكر أن الطبيب والمريض من ضحايا هذه الأزمة. فالطبيب تكاليفه شهرية كبيرة: إيجار عيادة، اشتراك مولد، ومواصلات وغيرها.. وهناك عدد كبير من الأطباء المختصين لا يراعون الوضع المادي للمواطن.

أما موجة انتقال المرضى إلى الطب البديل والعلاج بالأعشاب، فتعود أسبابها إلى توفرها في كل بيت، وإلى الحالة المادية الصعبة. وينهي شكر حديثه ممازحاً: "ليتني تعلمت طب الأعشاب".

دين وحطب
وفي زيارة قامت بها "المدن" لعيادة طبيب الأعشاب هنري الشيبان في الحدت، كانت المفاجأة باكتظاظ المرضى: لبنانيون وسوريون وسواهم من جنسيات أخرى، ينتظرون موعدهم في صالة انتظار تفوح منها رائحة الأعشاب. يحدقون في تفاصيل غرفة مصنوعة من الخشب وفي صورة منظر طبيعي به أنهار وجبال. وإلى هذه جانب الصورة صور طبية للعين وللجهاز العصبي في جسم الإنسان. وتتوزع أيضاً صور السيد المسيح. وفي واجهة خزانة خشبية تتوزع أدوية أعشاب على رفوفها، وعلى كل دواء طرق استخدامه. وفي الجهة المقابلة غرفة مخصصة لجلسات المساج، تخفيفاً لآلام الظهر والديسك، تجنباً لإجراء العمليات الجراحية. وتصل مدة الجلسة الواحدة إلى ساعتين تقريباً مقابل مئة ألف ليرة.

أما غرفة معاينة المرضى فمضاءة في جنباتها قناديل قديمة. وهناك إبريق ماء فخاري، إلى جانبه أكواب مصنوعة من النحاس. ولا يمكنك إلا أن تلتفت إلى مدونات من أقوال السيد المسيح معلقة إلى جانب الصليب الخشبي الكبير المعلق أمام عيني المريض. والدين في العيادة من عدة الشغل ولمساعدة الناس في الشفاء. أما عيدان الحطب فلسحب الطاقة السلبية من المرضى وإضفاء أجواء من السكون والراحة. ويعتمد التشخيص على تصوير قزحية العين بكاميرا ديجيتال. وطرق العلاج بالأعشاب الطبيعيّة فقط. وتتلقى العيادة هذه يومياً عشرات الاتصالات من مرضى  لزيارتها وتلقي العلاج اللازم.

ثوم وبقدونس وزعتر
ولا ينكر هنري الشيبان أن أسباب اكتظاظ عيادته بالمرضى يعود لسببين: إيمان البعض منهم بالطب القديم والأعشاب. والعجز عن زيارة المرضى العيادات الطبية العادية وشراء الأدوية. وهو يشرح أن لكل مريض أوجاعه وسبل علاجها بأبسط الأعشاب المتوفرة في كل بيت. وعلى حاسوبه يضع ملفاتهم التفصيلية وتاريخ المعاينات، ويتابعهم يومياً عبر الهاتف. وأكثر ما يجذبهم إليه، أن الزيارة الأولى تتراوح كلفتها بين 100 أو 150 ألف ليرة. أما المراجعات فمجانيّة. والحالات التي تصادفه يومياً صعبة، وسئم مصابوها من علاجها بالأدوية بلا نتيجة. ومنهم من يتصلون هاتفياً لعدم قدرتهم على دفع مئة ألف ليرة، فيصف علاجهم الذي يتضمن الثوم والبقدونس وبعض الأعشاب المتوفرة في بيوتهم. وشرب مغلي الزعتر أو الزهورات بديلاً عن أدوية السعال. وتناول الثوم لخفض الضغط. والبقدونس لعلاج الرمل.

أما أوجاع المعدة فيمكن تخفيفها بالبطاطا النيئة. ومرضى الجهاز العصبي غير القادرين على شراء أدوية الأعصاب، يستعملون أعشاباً تهدئ الجهاز العصبي، كالبابونج. ويطلب من مريضة الالتهابات النسائية شراء مضخة صغيرة من الصيدلية وغلي قشر اليقطين مع قليل من الملح الخشن في 5 ليترات من الماء، لتعقيم الرحم والتخلص من الالتهابات التي تسبب آلاماً شديدة.

مريض يطبب نفسه
السيدة مهى الحاج ربة منزل أربعينية وأم لأربعة أولاد، تقطن في منطقة شعبية في الضاحية الجنوبيّة، وتعتمد على زوجها العامل في مصنع حلويات ويتقاضى مليوني ليرة، وعلى ابنتيها اللتين تعلمان التلامذة دروساً خصوصية مقابل 800 ألف ليرة شهرياً. ومنذ بداية الأزمة تزور مهى طبيبتها النسائية كل 6 أشهر للفحوص النسائية اللازمة وصورة الإيكو. وهي تتابع حالتها باستمرار لأن شقيقتها توفيت بسرطان الرحم. لكنها علمت أخيراً أن كلفة الزيارة الطبية صارت 800 ألف ليرة، فألغت موعدها إلى وقت آخر.

وهي تأخرت عن موعد فحصها 7 أشهر لعدم قدرتها المادية. فهي تدفع شهرياً 900 ألف إيجار البيت و400 ألف اشتراك مولد الكهرباء، إضافة إلى أقساط أطفالها المدرسية والوقود للسيارة وغيرها الكثير. وتقول: "عانيت الأسبوع الفائت من وجع في أسفل بطني وحريق في البول، واستمر الوجع عدة أيام قوياً لا يحتمل، واتصلت بطبيبتي، فأخبرتني أنني بحاجة لزيارة أخصائي المسالك البولية وإجراء صورة الإيكو النسائية، ولكنني لا أملك تكاليف هذه الفحوص والأدوية الباهظة الثمن. بحثت قليلاً على موقع غوغل وسألت صديقاتي، فطلبن مني شراء الخبيزة وغليها لفوائدها للرحم وللقضاء على البكتيريا والجراثيم. وشربت الكثير من الماء، إضافة إلى ماء الشعير المتوفر في الدكاكين. ولم أتحسن بل تقلّص الوجع وبات محمولاً".

ثوم للعقم بـ50 ألف ليرة
وأحمد -تمنّع عن ذكرعائلته لشعوره ببعض الخجل- في منتصف العقد الثالث، ويعمل في دائرة حكومية، متزوج منذ 4 سنوات ولم يرزق بطفل حتى اليوم. يعاني من ضعف في الخصوبة، وبدأ علاجه منذ العام 2018. أجرى عملية للفاريس (الدوالي)، وقام بالتحاليل الطبية اللازمة. وفي بدايات ارتفاع سعر الدولار لم يعد يستطيع إكمال العلاج. فكلفة طبيبه مرتفعة جداً والأدوية بعضها غير متوفر، والمتوفر لا يقل سعره عن 600 ألف وما فوق. وإلى جانب علاجه الطبي يعتمد على بعض المأكولات التي تساعده، كالسمك والجوز واللوز والأفوكا. وهذه أيضاً باتت صعبة المنال.

ويروي أنه تزوج بعد قصة حب دامت سنوات، وزوجته لا تعترض على حكم الله في هذه المشكلة. وهو يسعى لحلها، ويواجهه دائماً بأسئلة عن أسباب تأخرهم في الإنجاب. وعجزه عن متابعة العلاج أرغمه على زيارة عيادة الطب البديل. فقدّم له علاجاً بالثوم فقط: سلق كمية منه في ليتر ونصف الليتر من الماء، ووضعها بعبوات ثلاث في الثلاجة. وعلى مدى 21 يوماً عليه أن يضع خليط الثوم المجمد على أعضائه التناسلية لمدة 15 دقيقة. وكلفة هذا العلاج لا تتعدى 50 ألف ليرة، بينما علاجه الطبي بالأدوية كلفه الملايين في سنوات. ولا يعلم مدى فاعلية العلاج بالأعشاب، ولكنها الطريقة الوحيدة حيال عجزه المادي في خضم هذه الأزمة.

وهكذا، بعد عقود مديدة من التقدم الصحي، والطب الحديث الذي توفر للبنانيين، نعود ربماً قرناً إلى الوراء.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها