الأربعاء 2021/12/22

آخر تحديث: 12:51 (بيروت)

الأزمة الاقتصادية تُضعِف الجنس وتقلل الولادات في لبنان

الأربعاء 2021/12/22
الأزمة الاقتصادية تُضعِف الجنس وتقلل الولادات في لبنان
تراجع عدد الولادات في لبنان بسنة واحدة بنسبة 15.5 في المئة (Getty)
increase حجم الخط decrease
ألغت الأزمة الماليّة كل مقومات الحياة الأساسيّة لتكوين أسرة. ولم يعد لبنان بلداً آمناً لإنجاب الأطفال. إذ يترتّب على الأهل تكاليف ماليّة باهظة خلال فترة الحمل وبعدها. وحيال الصعوبات المعيشيّة التي يواجهها اللبنانيون، عزف كثيرون من الآباء القدامى والجدد عن إنجاب الأطفال واتجهوا نحو العقم الطوعي. وهناك عدد كبير من النساء اللواتي يعانين من ضعفٍ في الخصوبة، أوقفن علاجهن بعد عجزهن عن تأمين التكاليف اللازمة. ومن التداعيات الاجتماعيّة لهذا الوضع تراجع عدد الولادات في لبنان بنسبة 15.5 في المئة، فمن 86.584 عام 2019 إلى 74.049 عام 2020، حسب أرقام المديريّة العامة للأحوال الشخصيّة. وتشهد هذه الأرقام تراجعاً كبيراً في أواخر العام الحالي، تماشياً مع ارتفاع معدلات الفقر المدقع في لبنان التي تشكّل عائقاً لقرار الإنجاب، خوفاً من أي خطوة يمكن أن تزيد من صعوبات الحياة اليوميّة.

إحباط جنسي
وفي حديث "المدن" مع أخصائية علم النفس، شيرين قعباز، تؤكّد أن الصعوبات المعيشيّة جعلت من الأمومة والأبوة حلماً بعيد المنال. ويؤدّي قرار العقم الطوعي إلى آثار نفسيّة خطيرة تؤثر على كليهما: الاكتئاب، القلق، والخوف من عدم القدرة على تكوين أسرة مدى الحياة في ظل هذه الظروف الاقتصادية. ويسبب القرار إحباطاً جنسياً يؤدي إلى نفور الزوجين من بعضهما وتراجع رغبتهما الجنسية، وتولد لدى الرجل حال من ضعف الانتصاب، وفقدان النشوة الجنسية عند المرأة. فتتضاعف المشاكل الزوجية وقد تؤدّي إلى الانفصال وحدوث الطلاق.

أما النساء العقيمات اللواتي يوقفن علاجهن بسبب الضائقة المادية، فيعانين من الدونية والإحباط النفسي الذي يصل أحياناً إلى الانتحار. فالمرأة تتأمل خيراً في العلاج لزيادة فرصة إنجابها، ولكنها تجبر على إيقافه بسبب تكاليفه الباهظة. فيتغير سلوكها وتتحول إلى إمرأة عدائية، غاضبة، شديدة الانفعال. وتدخل في صراعات كثيرة مع من حولها. وبعضهن تتجهن لتلقي العلاج النفسي اللازم عبر متابعة الجلسات مع المعالج المختص لتخفيف الضغوط النفسية.

تخلٍ عن الأمومة
وتشير الدكتورة جمال علامة، وهي طبيبة نسائية، إلى أنّ الصحة الإنجابية في خطرٍ كبير. فيومياً تقصدها المتزوجات لتركيب اللولب لتجنّب الحمل. وتكلفة اللولب 70$، أي مليون و890 ألف ليرة. وهو يدوم لمدة سنوات خمس. والإقبال الكبير على اللولب يعود لفقدان حبوب منع الحمل لأكثر من 6 أشهر من السوق، وارتفاع أسعار سواها من الوسائط ارتفاعاً جنونياً، بعد رفع الدعم عنها. فوصل سعر الواقي الذكري إلى 500 ألف ليرة، وحبوب منع الحمل إلى 250 ألفاً. ولم يبق أمام المرأة سوى اعتماد الواسطة المنظمة مع زوجها، والتي نعني بها القذف خارج الرحم، أو اللجوء لـ"اللولب". أما زيارة الحوامل الشهرية للأطباء للتأكد من صحة الجنين، فتحوّلت إلى زيارة كل ثلاثة أشهر. فتكاليف فترة الحمل مرتفعة: صورة الإيكو الشهرية بين 300 و 400 ألف ليرة، وسعر أدوية تثبيت الحمل ومنع التشوهات يصل إلى 500 ألف ليرة للدواء الواحد، إضافة إلى الفيتامينات وغيرها.

هذه التكاليف دفعت بكثرة من الحوامل إلى اتخاذ قرار الإجهاض واللجوء إلى عيادات غير شرعية، للتخلّي عن الجنين. وتقول علامة أنّ كثرة من مريضاتها أوقفن علاجهن بعدما اجتزن مرحلة متقدمة منه، إذ يحتجن خلال هذه الفترة إلى أكثر من 4 ملايين ليرة للمواظبة على إجراء التحاليل الطبيّة الشهرية وإلى ما يفوق 6 ملايين ليرة لشراء أبر التلقيح، وأبر تفجير البويضات سعر الواحدة 500 ألف، بينما تكلفة العملية الجراحية 1500$. أما تكاليف الولادة فتتراوح بين 15 و20 مليوناً، لتأتي بعدها رحلة شراء حليب الأطفال والحفاضات والأدوية وغيرها.

تلقيح صناعي للأغنياء
السيدة سمر، متزوجة منذ 4 سنوات، وفي بداية العقد الثالث. عانت من ضعفٍ في الخصوبة وقررت البدء بمراحل العلاج. لجأت لعدة أطباء، لكنها لم تجد أي نتيجة. فنصحتها صديقتها بطبيب "قبضاي"، سمعته الطبية ممتازة، ونساء أصبحن بفضله أمهات. وروت سمر: زرت عيادته للمرة الأولى عام 2018 وكانت فحصيته 100$ أي 150 ألف ليرة، و100 ألف للمراجعة. وتبيّن أني أعاني من ورم ليفي في الرحم، فطلب مني شراء أدوية معينة وإجراء فحوصات مخبرية في بداية كل شهر. ومن ثمّ لجأنا إلى عملية جراحيّة لسحب الورم وتنظيف الرحم. وكانت كلفة العملية مع فروقات الضمان حوالى 300$. وتابعنا هذه الرحلة شهرياً. زوجي سائق أجرة ويعمل في بيع بعض البضائع أون لاين. أما أنا فأعدّ الحلويات المنزلية وأبيعها لصديقاتي من أجل مساعدته. والدي وشقيق زوجي يقدّمون لنا بعض المبالغ المالية لتلقي العلاج. ورغم وعود الطبيب بازدياد فرص حملي، إلا أنّ اليأس أحاط بي. الشهر الماضي وصلنا إلى الأمل الأخير: التلقيح الصناعي. وبعدما رفع طبيبي تكلفة معاينته من 100$ (على السعر القديم: 150 ألف ليرة) إلى مليون ليرة للزيارة الأولى، و600 ألف للمراجعة، اشتريت مجموعة من أبر التلقيح وسعرها 7 مليون ليرة. استطعنا تأمين هذا المبلغ بمساعدة عائلاتنا. وعلمت بأننا بحاجة لمبلغٍ يتعدى 1500$، أي أكثر من 41 مليوناً لإجراء العملية ولا يغطّيها الضمان.

أمام هذه الأرقام، قررت وزوجي إيقاف العلاج، وعرضت هذه الأبر للبيع، فأنا عاجزة عن إجراء العملية. وخلال 3 سنوات، كنت أحلم بأمومتي التي ستبصر النور يوماً، ولكني اليوم أفكر كيف نؤمن تكاليف معيشتنا اليومية في هذه الأزمة، ولم أعد أفكر في الإنجاب حتى وقتٍ آخر.

زواج مشروط
وهذه سارة، في السادسة والعشرين، وتروي لـ"المدن" عن قرارها وزوجها بتركيب "اللولب" تجنباً لحدوث الحمل: بعد عامين من ارتباطنا قررنا الزواج في بداية عام 2020، وأمام انهيار الليرة اللبنانية وارتفاع الأسعار وخاصةً اسعار الشقق السكنية، قررنا استئجار بيت صغير بمليون ليرة في منطقة الضاحية الجنوبيّة، وبزفّة صغيرة بين الأهل والأصحاب. وانتقلنا إلى منزلنا المتواضع. تخلينا عن مراسيم الزواج كلها بسبب الاوضاع المعيشيّة. وقرّر زوجي تأجيل الحمل، فلم أعترض. لذا، قصدت طبيبة والدتي النسائية واعتمدت على اللولب. زوجي موظف في مصرف ويتقاضى مليوناً وسبعمائة ألف ليرة، وأنا معلمة مدرسية وأتقاضى مليوناً ونصف المليون. وراتبانا نقسمه بين تسديد إيجار البيت والكهرباء والطعام والشراب. لا نزور الطبيب إلاّ عند الضرورة. قمنا بحساب تكاليف الطفل قبل أن نؤكد قرارنا بعدم الإنجاب. فرأينا أن تكاليف العناية بالطفل وتأمين حاجياته (إذا توفرت طبعاً) حوالى 3 ملايين ليرة لبنانية شهرياً، تُقسم على الحفاضات والحليب والتطعيمات الأساسية، ناهيك عن تكاليف حاجياته وأغراضه. حالنا كحال شريحة كبيرة من المتزوجين الجدد الذين قرروا تأجيل الإنجاب ريثما يثبت الدولار، أي إلى أجلٍ غير واضح. ولكننا نخاف أن ننجب طفلاً ونحرمه أبسط حقوقه في حياةً كريمةً في لبنان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها