السبت 2021/10/02

آخر تحديث: 15:59 (بيروت)

..وزحلة أيضاً خسرت مهرجاناتها: صيف بلا ورود

السبت 2021/10/02
..وزحلة أيضاً خسرت مهرجاناتها: صيف بلا ورود
لا أحد من الزحليين تنبّه لغياب نشاطات "مهرجانات الكرمة" هذا العام (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

أيام قليلة، وتغلق مقاهي البردوني مجدداً في زحلة، لتتراجع حركة زوار المدينة، المحدودة جداً بالأساس في هذا الصيف، إلى ما خلف منطقتها السياحية التقليدية، نحو المقاهي والحانات والمطاعم، التي كتب على معظمها أن تواجه في "عمرها الصغير" نسبياً "أعباء دهر". من اندلاع ثورة 17 تشرين، إلى جائحة كورونا، فتدهور قيمة الليرة اللبنانية، وعدم استقرار سعر صرف الدولار، وتراجع قدرة الصمود الاقتصادي للبنانيين عموماً، وأزمة البنزين وانقطاع الكهرباء، وما خلفته كل هذه المشاكل من تداعيات على قدرات الإنفاق السياحي عموماً، وعلى الطموحات الشابة بخلق مشاريع تجذب استثمارات جديدة.

تواريخ ومواعيد
يعد البردوني ومقاهيه بالنسبة لزحلة، البوصلة التي تحدد مدى حيوية النشاط السياحي في المدينة. وقد زاد من وهجه سابقاً "مهرجان بعلبك الدولي" و"مهرجانات الكرمة السياحية" بما تضمنته من نشاطات ينتهي أغلبها إما في مطاعم البردوني أو مقاهيها التي تشتهر خصوصاً بتقديم البوظة.

ولمهرجانات زحلة السياحية أهمية خاصة منذ ولادتها. وقد حافظت عليها المدينة تقليداً سنوياً، على رغم العراقيل التي منعت إحياءها أحياناً. فبعد توقف قسري بإحيائها لمدة 17 سنة بسبب الحروب الأهلية التي مرت على لبنان، عادت هذه المهرجانات بزخم في عهد رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي، الذي أولاها إهتماماً خاصاً، من ضمن رعايته لأول مجلس بلدي كلفه لرئاسة بلدية زحلة التي يتحدر منها. وبالتالي، لم تتوقف هذه المهرجانات مجدداً إلا في حرب تموز 2006، ومن ثم في صيف 2017 الذي انتهى بمعارك "فجر الجرود".

ولكن سنتي 2020 و2021 انضمّا مجدداً إلى سجل التواريخ التي تعطلت فيها مهرجانات الكرمة السياحية في زحلة. وهذه المرة ليس لأسباب أمنية بل صحية واقتصادية. غاب ذكر هذه المهرجانات خلال العامين الماضيين، بعد أن كانت قد تحولت إلى حدث مفعم بالحيوية خلال سنة 2019، حين اقترنت احتفالياته بيوم التذوق العالمي الذي أطلقته البلدية، بالتزامن مع يوم العرق الوطني الذي نظم بالتعاون مع وزارة الزراعة، وبمؤتمر الانتشار الأول الذي جمعت خلاله زحلة مغتربيها على أرض المدينة، بمبادرة من جامعة الإنتشار الزحلي...

فمر الموسم هذه السنة من دون ألوان الورد التي كانت تزين شوارع المدينة في مواكب عربات الزهور. هذا الاحتفال التقليدي الذي كانت تختتم من خلاله مهرجانات الكرمة السياحية في زحلة، بعد يومين من إختيار "فتاة الكرمة"، بفعالية سنوية أدرجت كتقليد زحلي أيضاً منذ سنة 1934.

كما اختفى الشعر ومعه الأبيات المنظومة بمدينة زحلة، وغابت أيضاً نكهتا العرق والنبيذ اللذين كانا يتسللان من المنازل والحانات إلى الساحات العامة في احتفالية زحلة السنوية بأهم صناعاتها التقليدية. وضاع صدى النشاطات الثقافية والموسيقية والرياضية، وحتى تلك المخصصة للأطفال التي كانت تدرج من ضمن برنامج سنوي يمتد على مدى أسبوعين وأكثر، تشرك من خلاله بلدية زحلة "جمعيات" المدينة بإحياء فرحة صيف زحلة وحيويته.

بلدية والأزمات الكثير
إنما المفارقة تكمن، في أن أحداً من الزحليين لم يتنبّه لغياب نشاطات "مهرجانات الكرمة" في هذا الموسم. فالشهر المخصص تقليدياً لهذه المهرجانات منذ إعادة إحيائها بعد توقفها قسرياً لأسباب مختلفة، سنة 1995، أمضاه الزحليون كما اللبنانيين هذا العام على محطات الوقود، في أسوأ أزمة محروقات عرفها لبنان منذ سنوات. ووجدت بلدية زحلة نفسها ملزمة بأن تبحث في حلول للأزمة كما لأزمات الدواء وتزايد الفقر والحاجة لدى أبناء المدينة، بعد أن كانت اجتماعاتها ومحور حركتها السنوية خلال الأعوام الماضية يدوران حول إنجاح مهرجانات الكرمة السياحية واستقطاب أكبر عدد من المشاركين فيها.

إلا أن السبب الرئيسي لعدم إحياء المهرجانات كما يؤكد رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب، بقي متمحوراً حول جائحة كورونا. مشيراً إلى البحث بإجرائها أدرج جدياً من ضمن مناقشات المجلس البلدي، وبدأ التحضير لإحياء عدد من المناسبات التي تخرج الناس من حالة البؤس التي يمرون بها، ولكن ارتفاع أرقام كورونا فرمل التحضيرات، وتم غض النظر عنها مجدداً هذا العام.

وكذلك تعرقلت المحاولات التي جرت لخرق جدار الأزمة ولو من خلال نشاط واحد، يذكر بخصوصية المدينة المتميزة بالطعام وصناعة العرق. واصطدمت بالخسارات التي يتكبدها القيمون على "المطعم الزحلي" وقطاع صناعة الخمور بسبب الأزمة. فوجد القيمون على هذين القطاعين، صعوبة في تخصيص ولو يومين للعرق والنبيذ والمأكولات، بعدما صارت "الضيافة" التي كانت ترافق "متعة التذوق" المتاحة في مثل هذه الأيام المنظمة سابقاً، مكلفة جداً.

في المقابل تبدلت الأولويات في مفهوم الإنفاق البلدي بزحلة، كما سائر المدن منذ ثورة تشرين 2019، وخصوصاً بعد أن تدهورت قيمة موارد البلديات المالية ومدخراتها بالعملة الوطنية، فلم تعد توازي قيمة الموازنات التي تحتاجها المشاريع الإنمائية. وكبلت نفقات البلديات على الجمعيات الأهلية، وسمح لها فقط بالنفقات التي تدخل من ضمن إطار تعزيز متطلبات التعبئة العامة التي فرضتها جائحة كورونا.

المغتربون وإعانة المدينة
وفي زحلة، التي عرفت هبّة خارجية لإعانة أهلها، اتخذت محاولات إشراك المغتربين في تفاصيل حياة أهلها، منحى تعاضدياً ترجم في مساعدات اجتماعية وتربوية لأبناء المدينة. ووجد المغتربون أنفسهم بعد مؤتمر الإنتشار معنيون بتقديم المساعدات لأهلهم في المدينة، من خلال جمعيات ومؤسسات رعائية، ومن خلال بلدية زحلة أيضاً واللجان التي تأسست بسعي من رئيسها، لتقديم لمساعدات الاجتماعية والمدرسية. وكل ذلك في سعي للحفاظ على صمود المدينة وأهلها في المحنة الصعبة التي يعبرها لبنان عموماً.

إلا أنه على رغم كل هذا السواد الذي غيب مواسم المهرجانات، يبدي رئيس بلدية زحلة تفاؤلاً بإمكانية استعادة هذا التقليد في السنوات المقبلة. فلبنان بحسبه مر بظروف صعبة عديدة، أدت إلى توقف المهرجانات لسنوات طويلة، ولكنها لم تقض على التقاليد، التي يؤكد زغيب الحاجة للحفاظ عليها، مع السعي دائماً لتطويرها، آملاً أن يتسنى للزحليين ذلك في أقرب وقت ممكن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها