الأحد 2021/10/17

آخر تحديث: 11:37 (بيروت)

حكايات عن المقتلة في فرن الشباك وبدارو وعين الرمانة

الأحد 2021/10/17
حكايات عن المقتلة في فرن الشباك وبدارو وعين الرمانة
الرصاصات الأولى أطلقها سائق سيارة دفع رباعي مجهولة في اتجاه المتظاهرين (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
كان من المفترض أن يكون يوماً عادياً لسكان عين الرمانة وبدارو وفرن الشباك. أرسل جو ابنته إلى مدرسة الليسيه. جلس إيلي أمام محله للحلاقة، قرب مدرسة الفرير. ينتظر أول الزبائن، وبالقرب منه بدأ موظفو شركة توك توك للدليفري يتجمعون أمام مكتبها.

بعض من أصابته الريبة من سكان المنطقة فضل ملازمة بيته. بدؤوا يسمعون جلبة المتظاهرين وهتافاتهم قبل الحادية عشرة بقليل. ووصل المتظاهرون إلى الطيونة. انعطفوا إلى شارع سامي الصلح. وكان يفترض أن يتابعوا سيرهم في اتجاه قصر العدل. عند المفرق المؤدي من شارع سامي الصلح إلى مدرسة الفرير فرن الشباك، ومن ثم إلى عين الرمانة، وقف جنود ثلاثة من الجيش اللبناني. حراسة ضعيفة استغلها المتظاهرون، فدخلوا منها إلى فرن الشباك وعين الرمانة على وقع هتافات "شيعة شيعة".

الرصاصات الأولى
يقول سكان المنطقة أنهم بدؤوا بتحطيم السيارات. اعتدوا على أحد عمال التوصيل في شركة توك توك، ضربوه وأحراقو دراجته النارية. ويقول إيلي: "خرج رجل عجوز من منزله يحمل بندقية صيد، وأطلق النار في الهواء. وركضت لأمسك صديقي الذي هرع في اتجاه المتظاهرين لردعهم. وصلت سيارة دفع رباعي وتوقفت. نزل منها رجل وأطلق النار في اتجاه المتظاهرين. أفرع المشط الأول من الرصاص، ثم المشط الثاني. صعد في سيارته وغادر. الانطباع الأول عندي أنه لا بد قتل العشرات".

وتتضارب شهادات سكان المنطقة عن نوع ولون السيارة التي أطلق سائقها النار. يقول بعضهم أنها من نوع جيب رانغلر سوداء. آخرون يقولون أنها باثفندر ذهبية. لكن الثابت والأكيد هو أنه منها بدأ كل شيء.

بعد ذلك انهمر الرصاص ولم يتوقف. ويضيف إيلي: "دبّت الفوضى. الطلاب في مدرسة الفرير يصرخون. نزلت بعض الأمهات بثياب النوم، لاصطحاب أبنائهن إلى البيوت. سمعت صوت معلمة تصرخ: لماذا أرسلتم أولادكم إلى المدرسة في هذا اليوم". أما القناصة فلم يرهم أحد من السكان. يقولون أنهم لا بد موجودون. لا بد أن كل شيء كان محضراً سلفاً، لكنهم لم يبصروا شيئاً. يروي أحد السكان أن جندياً في الجيش اللبناني صعد إلى إحدى البنايات للبحث عن قناص، لكنه لم يجد شيئاً. وتعرض لإطلاق نار من متظاهرين ظنوا أنه أحد القناصين.

الأغاني وقتيل الآر بي جي
ذهب جو إلى مدرسة الليسيه لإحضار ابنته. كانت المدرسة قد شغلت الموسيقى صادحة عالية، وطلبت من الأطفال إنشاد الأغاني. "كان تصرفاً حكيماً"، يقول. ويضيف: "عندما انفجرت قذيفة آر بي جي لم أسمعها. سألتني المعلمة إن كنت قد سمعت شيئاً، فأجبتها بالنفي"، ويضحك جو.

سقط العدد الأكبر من الضحايا أثناء إطلاق سائق السيارة النار. ضحيتان أو ثلاث، حسب تقدير السكان. لاحقاً قتلت مريم. أصابتها رصاصة في منزلها. وسقط شاب مسلح أثناء إطلاقه قذيفة آر بي جي، بحسب المعلومات، أصابه الجيش اللبناني. وتظهر الفيديوهات أن المسلح حاول إطلاق قذيفته في المرة الأولى، فتلقى طلقات تحذيرية أجبرته على الانسحاب. وعندما كرر محاولته أصابته رصاصة قاتلة.

حكايات ما بعد المقتلة
يرى سكان عين الرمانة إن ما بدأ مناوشات وشجارات بين السكان والمتظاهرين، تحول فجأة إلى حرب أهلية صغيرة، تصدرها كل من القوات اللبنانية وحركة أمل وحزب الله. لم يكن يجدر بما حصل أن يصل إلى حد القتل. عند سؤال أحد القواتيين القدماء: :هل أنت سعيد بما حصل؟"، يجيب: "الأولاد فقط يحتفلون. أما من ذاق اللوعة سابقاً يعرف أن هذه كارثة. البلد لا يحتمل فتنة في الوقت الحالي، وعلينا جميعاً أن نسعى لتطويقها".

يشعر سكان بدارو للمرة الأولى منذ عامين، أنهم في قلب المشكلة اللبنانية. ينتشر الجيش على كل المفارق. يفتش الدراجات النارية ويدقق في السيارات. كأن المنطقة التي كانت مليئة بالحياة منذ يومين، أصابها الموت.

اليوم يمتلئ صالون إيلي بالزبائن، والموضوع الوحيد الذي يطغى على أحاديثهم هي الحرب الأهلية الصغيرة التي حصلت في منطقتهم. يتحدثون عن ساعات الخوف التي عاشوها. يسخرون من المراهقين الذين ينسجون حكايات بطولية عن تدخل قوات "الصدم"، وأربعة آلاف مقاتل أتوا من معراب، وقناصي القوات اللبنانية. لكنها حكايات من نسج خيال مراهقين متعطيشين للحرب.

وفي شارع بدارو بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها. عادت المقاهي لتمتلئ بالرواد. هنا الأحاديث تختلف تماماً. أحاديث عن العمل ومشاريع السفر وأعياد الميلاد. كأن الحرب لم تمر من هنا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها