الأحد 2021/10/17

آخر تحديث: 18:46 (بيروت)

جثّة 17 تشرين: سياديون غير جائعين و"ثوار" على الفساد

الأحد 2021/10/17
جثّة 17 تشرين: سياديون غير جائعين و"ثوار" على الفساد
وصلت هذه المجموعات إلى قناعة أن لا تغيير في لبنان بوجود هذا الحزب بسلاحه (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
قبل أحداث الشياح-عين الرمانة (استعادة للغة الحرب الدقيقة) بيومين، التقيت إحدى السيدات، وهي كانت على رأس كل أو معظم تظاهرات 17 تشرين، في جل ديب وساحة الشهداء، وفي الأشرفية-جسر الرينغ. وكانت من اللواتي يواظبن على حضور كل "اجتماعات الثورة" (اجتماعات التنسيق بين المجموعات للتحرك في الشارع، وضمت ذات اليمين وذات اليسار). كان هدف الحديث هو 17 تشرين: كيف انطلق في مناطق جل الديب والذوق، وأين وصلت الانتفاضة، لغرض بحثي.  

إيران وسوريا
وكان حديث السيدة يتمحور حول سلاح حزب الله وترويع المتظاهرين، وانسداد أفق التغيير أمامهم، جراء سطوة الحزب إياه على البلد وعلى انتفاضة 17 تشرين. وكذلك عن الامتعاض المسيحي من الحزب عينه ومن سلاحه واستتباع لبنان لإيران. وهذا ما دفعها والمجموعات التي تشبه توجهات مجموعتها السيادية، إلى الانتقال للمطالبة بخروج إيران من لبنان. وشبهت الأمر بالمطالبة بخروج "السوري" من البلد. 

ودانت تلك السيدة مجموعات تشرين اليسارية، معتبرة أنها ألحقت الانتفاضة بمحور حزب الله. وهذا ما دفعها والمجموعات التي تطلق على نفسها "المجموعات السيادية"، إلى عدم التنسيق مع تلك المجموعات "التشرينية" الرافضة لفكرة نزع سلاح الحزب واستتباع لبنان لإيران.

"لم ننزل إلى الشارع في 17 تشرين، ولا خرجنا منه لأننا جائعون. خرجنا ضد السلطة الفاسدة وطالبنا برحيلها. فخرج حزب الله على المتظاهرين مدافعاً عن السلطة. اعتصمنا أمام المؤسسات أوكار الفساد، فإذا بنا نصطدم بجدار حزب الله المرتفع حول/وفي كل المؤسسات. ووصلنا إلى قناعة أن لا تغيير في لبنان في ظل وجود هذا الحزب بسلاحه. فانتقلنا إلى تشكيل المقاومة اللبنانية لتحرير لبنان من الاحتلال الإيراني. وبتنا نرفع شعارات: إيران برا برا".

بدا لي كلامها اختزالاً مجتزأً لأسباب اندلاع انتفاضة 17 تشرين ولمسارها وكيفية انتهائها. كلامها صادم أو مبالغ فيه، كما تهيأ لي.

خميس الطيونة
لكن لحظة اندلاع الاشتباكات قرب مستديرة الطيونة يوم الخميس الفائت، عادت كلمات تلك السيدة لتدور في رأسي من جديد. وكان اللقاء بها مجرد صدفة قبل يومين من اندلاع تلك الاشتباكات. وكان الحديث معها قد تطرق إلى الاعتداءات المتكررة لـ"شيعة، شيعة" على المتظاهرين، ووصول طلائعها إلى شارع مونو في الأشرفية.

وتراءى لي أن من دخل ذاك الشارع المتفرع من جادة سامي الصلح للوصول إلى فرن الشباك، كان يعتقد أن "غزوة شيعة شعية" تنتهي كما انتهت "غزوة مونو" بتحطيم السيارات والمحال، من دون أن تلقى أي رد يذكر (أو ربما تقصّد فعلته لحصول ذاك الرد). فإذا بلبنان يشهد معركة صغرى في المسار الصحيح للدخول في حرب أهلية عندما تصبح الظروف الدولية مؤهلة لها.

أستعيد كلام السيدة في الذكرى الثانية لانتفاضة 17 تشرين للدلالة على أين أصبحت تلك الانتفاضة اليوم. وليس رأي تلك السيدة يعبر بالضرورة عن مزاج شعبي في "الشارع المسيحي" الذي خرج في 17 تشرين، ضد سلاح حزب الله. وربما يقتصر رأيها على المجموعات الناشطة "السيادية"، التي ضاقت ذرعاً بالشيوعيين، الذين أدخلوا حزب الله إلى ساحة الانتفاضة، على حد زعمها. وذلك رغم وجود تباين عام بين "المسيحيين" في لبنان تجاه الدولة ومستقبلها، بين الداعي للتقسيم أو التعايش تحت سقف دولة واحدة بعد نزع سلاح حزب الله.

وبعد الاعتداءات المتكررة التي حصلت على المتظاهرين من مناصري الثنائي الشيعي واصطدام مجموعات تشرين بجدار حزب الله المانع لأي تغيير، رفضت المجموعات اليسارية إدانة الحزب إياه والمطالبة بنزع سلاحه. وهذا ما أدى إلى انفصال المجموعات السيادية عن مجموعات تشرين الأخرى، كما قالت السيدة.

سفارات وبيادق
وأتت جائحة كورونا وخرج جميع الناشطين من الشارع. وكانت الجائحة بمثابة حبل خلاص للمجموعات التي لم تتوصل إلى تشكيل جبهة سياسية نابعة من انتفاضة تشرين. الخلافات السياسية كانت كبيرة بين من يريد "القضاء على القطاع المصرفي" ولا يرى مشكلة لبنان بسلاح حزب الله واستعداء العالم العربي والدولي للبنان، وبين من يعتقد أن لا خلاص للبنان من دون نزع سلاح حزب الله، كما تعتقد.

بطبيعة الحال "المجموعات السيادية" ليست كلها في صف واحد. قد يكون المشترك بينها أنها تعتبر أن مشكلة لبنان في سلاح حزب الله. لكنها منقسمة في كيفية تظهير هذا الموقف بين من يريد "المقاومة" ضد الاحتلال الإيراني، وبين من يريد الاكتفاء بتسليم الحزب سلاحه إلى الدولة. لكن الأكيد أيضاً أن المجموعات الأخرى لم تتقدم أي خطوة في اتجاه المجموعات السيادية بموضوع سلاح حزب الله. ووصل الجميع إلى مفصل الاتهامات المتبادلة: المجموعات السيادية حزبية تحركها القوات اللبنانية وممولة من السفارات ضد "المقاومة"، والمجموعات السيادية تعتبر باقي المجموعات تابعة لحزب الله أو بيادق له.

اصطفافات انتخابية
انتهت 17 تشرين جثة تتصارع عليها أكثر من جهة. وهذا ما ظهر في تحركات اليوم الأحد، في ذكرى الثانية لـ 17 تشرين في ساحة الشهداء. الجهة "السيادية" تعتبر أن الثورة ليست ضد الجوع، بل لنزع سلاح حزب الله واستعادة قراره من الاحتلال الإيراني. وجهة تعتبر أن الثورة ضد الفساد، وما الشعارات السيادية إلا محاولة ركوب بعض الأحزاب والسفارات على الثورة.

بعض المجموعات في 17 تشرين ميزت نفسها بخطاب نقدي ضد سلاح حزب الله. لكنها هامشية في الدوامة اللبنانية. والانقسام اللبناني حول حزب الله وسلاحه، الذي غاب عن تحركات 17 تشرين في الأشهر الأولى، لم يدم طويلاً. عاد وتكثف بعد انفجار مرفأ بيروت وبات واضحاً اليوم. واستعادت الأحزاب سطوتها على شوارعها، من خلال شعاراتها الممجوجة، وذلك في انتظار استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها