لم تحتلّ محطات الوقود مساحة في يوميات المواطنين، ولم تشغل بالهم آلية تعبئة البنزين وكيفية إدارة العمل هناك. حتى أن الوقوف قرب آلة تعبئة البنزين يكاد لا يُذكَر، لا لناحية الوقت المخصص للتعبئة ولا لناحية الجهد الفكري الذي يبذله صاحب السيارة لمعرفة مواقيت التعبئة والكمية.. أو أي شيء آخر. فيما اليوم، أصبحت المحطات مزارًا يوميًا، وتشغل الحيّز الأهم في يوميات اللبنانيين. فأبدَعَ بعضهم بابتكار أساليب للتعبير عمّا يعيشونه.
صلاة وزفّة وإشكالات
شهدت محطّة كورال في منطقة الجية، يوم الجمعة 3 أيلول، إقامة صلاة الظهر من قِبَل عشرات الأشخاص، بينهم عمال المحطة، وأمَّهُم الشيخ علي الحسين الذي بادر للدعوة إلى الصلاة، اعتراضًا على انقطاع المحروقات وما يعانيه الناس على المحطات. وفي خطبته، رأى أن "لبنان لم يعد لديه قدرة على التحمل"، داعيًا السياسيين إلى "التنازل، وتسيير ملف الحكومة وتشكيلها". وعرّج الحسين على أزمة انقطاع السلع الأساسية فيما اللبنانيون لا يجدون ما يحتاجونه.
هذه الخطوة ليست يتيمة، إذ سبقها إقامة "زّفة" عرسٍ لعروسين آثرا المرور بإحدى المحطات تعبيرًا عن المأساة التي يعيشها اللبنانيون، وتحديدًا على محطات المحروقات. فيما ارتأى شبّان في عدد من المناطق، إقامة زفّة مستعينين بفرقة طبل ومزمار، ترحيبًا بالصهاريج بعد أيام من شح المحروقات وإقفال المحطات.
أما الحدث الأبرز والمشترك بين جميع المحطات، هو الإشكالات اليومية التي تتطوّر من التلاسن إلى التضارب بالأيدي، وصولًا إلى إطلاق النار وسقوط جرحى أو قتلى، ناهيك بحوادث السير التي تسببها طوابير السيارات المركونة لمئات الأمتار بعيدًا من المحطات.
الاعتراض الخجول
تختلف طرق التعبير عن الأزمة، لكن أغلبها يبقى ضمن نطاق الامتعاض غير الموجّه ضد مسبّبي الأزمة الحقيقيين. "فشّة الخلق" التي يريدها المصلّون والمتزوّجون وأصحاب العضلات، تنفجر في وجه أقرانهم من ضحايا الأزمة، فيما يبتعدون كثيرًا من أحزاب وزعامات السلطة الذين أوصلوا البلاد إلى ما هي عليه، والذين يهرّبون أو يحمون المهرّبين والمحتكرين. وتثبت مقاطع الفيديو التي يصوّرها المواطنون أو الإعلام حين تداهم الوزارات المعنية مستودعات التخزين، استمرار الاحتكار والتخزين من دون محاسبة. فجلُّ ما يحصل، مداهمات فلكلورية للمخازن والمحطات، يُفرّج بعدها عن كميات ضئيلة من المواد المخزّنة، ويُترّك المحتكر في حال سبيله، ليعاود الاحتكار. وعليه، لا الصلاة ولا الاحتفال ولا المآتم على المحطات تفيد، بل الانتفاضات والعصيان المدني الموجّهان ضد السلطة بأزلامها وأحزابها ومحتكريها.

التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها