السبت 2020/08/08

آخر تحديث: 20:46 (بيروت)

"يوم الحساب": تحرير مؤسسات الدولة بانتظار سقوط منظومة القتلة

السبت 2020/08/08
"يوم الحساب": تحرير مؤسسات الدولة بانتظار سقوط منظومة القتلة
ما بدأ في 17 تشرين، يُستكمل اليوم في ثورة 8 آب (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
يوم جديد، يوم آخر، تثبت فيه السلطة أنها سلطة قتلة. قبل أيام كان تفجير مرفأ بيروت، واليوم السبت محاولة القتل العمد وبالمباشر، باستخدام الرصاص المطّاطي المرّكز على الوجوه والرصاص الحربي الحيّ و"البمب أكشن". حتى ساعات المساء الأولى، سجّل سقوط ما لا يقلّ 55 جريحاً برصاص قوى الأمن، التي لا تزال عاجزة عن كسر عزيمة الناس في الشارع وإجبارهم على الخروج منه. "يوم الحساب"، "التشييع الشعبي"، "إسقاط المنظومة القاتلة"، عناوين كثيرة لتحرّك اليوم الذي حمل ثلاث رسائل أساسية: المشانق للقتلة، تحرير مؤسسات الدولة، ولا تراجع حتى سقوط منظومة القتلة.

المشانق للقتلة
بعد أكثر من مئة عام، عادت المشانق إلى ساحة الشهداء، بأيدي الشعب هذه المرة لا السلطان ولا سلطة الفساد. على مقربة من تمثال الشهداء، بالقرب من جامع محمد الأمين، في العازرية، شنق اللبنانيون زعماءهم. استبدل الناس مكانس رفع الأنقاض من الشوارع المتضررة بالمشانق. علّقوا على حبالها مجسّمات 5 من الزعماء، الرئيس ميشال عون والرئيس السابق سعد الحريري والرئيس نبيه برّي وأمين عام حزب الله حسن نصر الله ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وبالطبع، حسان دياب. وبقيت حبال مربوطة أخرى حرّة جاهزة لتعليق المزيد منهم. مشهد يؤكد أنّ هيبة هؤلاء التي انكسرت في 17 تشرين وثورتها، باتت تحت التراب في 4 آب وما بعده. وكذلك رمزية السلطة المتحكّمة بمؤسسات الدولة، التي أظهرت مجدداً أنها تقتل الناس بدل أن تحميهم، تجوّعهم بدل أن تؤمن لهم الغذاء، تذلّهم بدل أن تصون كراماتهم. الدولة اللبنانية، المتمثّلة بالعصابة الحاكمة سقطت، إن لم تكرّس كل المأساة اللبنانية سقوطها بعد، فإنّ احتلال الوزارات أكد هذا سقوط.

تحرير المؤسسات
وزارة الخارجية والمغتربين، وزارة البيئة ووزارة الاقتصاد، كانت صيداً سهلاً لمجموعات من المحتجّين، الذين تمكّنوا من دخولها واحتلالها "من دون ضربة كف". كما سجّلت محاولات اقتحام وزارات أخرى، منها وزارة الطاقة، إضافة إلى اقتحام جمعية المصارف. في الوزارات "المحرّرة" رفع المحتجّون قبضات الثورة وشعاراتها. أكدوا أنّ هذا الاحتلال "إن كان رمزياً الآن، فهو واقعي وقابل للاستمرار إن لم تفهم السلطة بضرورة رحيلها". حطّموا صور رئيس الجمهورية ميشال عون، وأشعلوا النيران في بعضها الآخر. أمسكوها ببراويزها وألقوها أرضاً، وداسوا عليها. الرمز الأول للسلطة الشرعية المفترضة، غير الشرعية بطبيعة الحال، سقط. أكد هؤلاء من داخل الوزارات التي تمّ احتلالها أنّ السلطة باتت للناس. سقطت المؤسسات بيد الناس، يعني بشكل تلقائي إعلان مقاومة شعبية لسلطة احتلال أمعنت ولا تزال في تدمير كل ما في البلاد من شؤون ونفوس.

قمع وحشي
بدأت قوى مكافحة الشغب قمعها مبكراً اليوم السبت في ساحة الشهداء. عند قرابة الثانية ظهراً كان الغاز المسيل للدموع قد غطّى الجزء السفلي منها بالقرب من مبنى جريدة النهار. محاولات الترهيب هذه، لم تنفع. فكانت الجموع تتوافد إلى الساحة التي يحاوطها الدمار من كل ميل. جريمة السلطة في 4 آب في الذاكرة القريبة، وجرائمها السابقة عالقة فيها أيضاً. من أوتوستراد شارل حلو، من الجميّزة، من التباريس، من مونو، من نزلة بشارة الخوري، من جهة الرينغ، جيوش مدنية تتهافت إلى الساحة. صغاراً وكباراً، طلاب وتلامذة، وصل الناس إلى الساحة وقنابل الغاز المسيل للدموع تتساقط أمامهم. لا همّ، طالما أنّ الثأر لأكثر من 155 من ضحايا السلطة يجب أن يتمّ. ومع اشتداد المواجهات، عمدت العناصر الأمنية إلى استخدام الرصاص المطاطي ومن ثم الحي، ولو أنّ قياداتها تنفي. فما سُمع وشوهد في ساحة الشهداء ليس نتيجة مخيّلة جماعية، بل واقع.

العناصر الحزبية
ولم يخيّب أنصار حزب الله وحركة أمل الآمال بقمع حزبي أيضاً. هؤلاء، كما دائماً، جاهزون للتصدّي لأي كلمة تهتف لكرامة الناس. فخرج عدد من مناصري الثنائي من منطقة الخندق الغميق باتجاه بشارة الخوري وقاموا بالاعتداء على متظاهرين متوجّهين إلى ساحة الشهداء. ضربوهم في سياراتهم وهم يسيرون باتجاه الساحة. حملوا العصي وفائض القوة وسجّلوا اعتداءً جديداً على الناس، من دون أن يفهم أحد ماهية فعلتهم إلا كونها بلطجة فقط. ولدى تصدّي أعداد من المتظاهرين لهم، تدخّل الجيش وعمد إلى إطلاق النار في الهواء لتفريق الجموع، في حين كان المدنيون يتعرّضون للضرب من دون أي تدخّل. يوضح هذا أنه مسموح الاعتداء على الناس، لكن دفاع هؤلاء عن أنفسهم يستوجب الفصل الأمني.

شهداء الثورة
أسماء شهداء تفجير مرفأ بيروت، حضرت مع عدد من المحتّجين. في هذه الساحة التي فيها أساساً صور وأسماء شهداء 17 تشرين، انضمّت إليها أسماء شهداء 4 آب. فوصلت مسيرة انطلقت من شركة كهرباء لبنان في الجميّزة، شارك فيها المئات رفعوا خلالها أسماء شهداء التفجير ومشوا فيها إلى ساحة الشهداء. ضحايا القتل الفردي والجماعي معروفون بالأسماء والصور. هم ضحايا سلطة واحدة، يسعى الشارع إلى إسقاطها من دون تلكؤ ولا مساومة. ويؤكد استمرار عشرات الآلاف في الاعتصام والاحتجاج، على الرغم من كل القمع الحاصل، أن لا تراجع قبل تحقيق المطالب.

ما بدأ في 17 تشرين، يُستكمل اليوم في ثورة 8 آب انتقاماً لضحايا 4 آب. ارتفع عدد الضحايا وفرغت حلول السلطة بعدما قتلت الناس فعلياً، بالتفجير والجوع والتهجير. بدأت مؤسسات الدولة بالسقوط، بانتظار سقوط منظومة القتلة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها