الخميس 2020/08/27

آخر تحديث: 17:14 (بيروت)

حوادث سوداء: الحسينيّة ومسجد الأحباش في زقاق البلاط

الخميس 2020/08/27
حوادث سوداء: الحسينيّة ومسجد الأحباش في زقاق البلاط
سلاح شبان الدراجات النارية في زقاق البلاط وبيروت، أحدث نسخة لترويع المدنيين وإذلالهم (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
صدم شاب من سلاح فرسان دراجات "الثنائي الشيعي" النارية في زقاق البلاط، مقدم سيارتي، فرمته قوة الصدمة أرضاً عن مقعد دراجته التي كان يقودها بسرعة هائلة مطوِّحاً بها وسط الشارع الخالي تقريباً في تلك الأمسية.

شاب الصدم والأوشام
وها أنا خلف مقود سيارتي المبقور مقدمها، أجلس صامتًا وعلى قلق يمازجه شيء من ريبةٍ وخوف، ومهانة من ريبتي وخوفي، بعدما أحاطت بي عصبةٌ من شبان الدراجات النارية وفتيانها في الحي. وها هم يتنقلون من جهة إلى أخرى، محدقين بي وفي موضع الصدمة من السيارة، وفي الدراجة النارية المنطرحة على الإسفلت وسط الشارع.

كثرتُهم ووقفة شاب الصدم والأوشام على صدره وكتفيه وساعديه، ونظرتُه، صرفتاني عدائيّتُهما عما قد يكون أصابه من أذىً جسماني جراء الاصطدام. وقد تكون قوة الصدمة التي اخترقت سمعي وجسمي، أغشت بصري أو أذهلته عن مشهد انتزاعها الشاب عن مقعد دراجته ورميه أرضًا على مسافة مترين أو أكثر منها. ولا أذكر الآن، وربما لم أبصر في اللحظات التي تلت الاصطدام، الشابَ يقوم عن الأرض واقفًا ويقترب من نافذة سيارتي اليمنى.

منين أنت، شو اسمك؟ بادرني شاب الصدم والأوشام سائلًا إياي بصوته الخشن الثخين، كأنه يطلع من جوف معبأ بعتمة بئر. لكنني بآلية دفاعية لاواعية تقريبًا، لم أجبه، ثم فتحت باب سيارتي وترجلت منها، متجهًا نحو مقدمها المحطم، فلمحتُ مقدمَ دراجته النارية المنطرحة أرضًا محطمًا أيضًا. وبعدما دار نصف دورةٍ حول سيارتي، واقترب مني متحسسًا ساعد يده الذي بدا لي محمرًا قليلًا، وقد يكون مرضوضًا، سألته عن إصابته.

أصوات شبان الزمرة وفتيانها المتحلقين حولي، لاغطة، خلّفت ضغطًا في رأسي، فسمعتُها آتية من بعيد، من خارج المشهد، ولم أميز منها سوى صوت شاب الصدم والأوشام يسألني ثانية عن اسمي ومن أين أنا. وثانيةً عزفتُ عن إجابته، وسألته لماذا يقود دراجته بتلك السرعة الجنونية؟ ففاجأني بقوله إنه لم يكن مسرعًا فحسب، بل يُجري مكالمة من هاتفه المحمول الذي مدّ يده نحوي ليريني أنه يمسكه في كفه، كإنما ليؤكد لي ما قاله، ويُظهر قوته وعدم اكتراثه بالمعايير المتهافتة التافهة التي يفترضها سؤالي، ويعلن سخريته من الملامة الضمنية التي ينطوي عليها السؤال.

أفكار كثيرة تدافعت سريعًا مزدحمةً في ذهني: ألا تشبه قوة هذا الشاب وعدم اكتراثه وسخريته ما يبديه الخطيب التلفزيوني في خطبه المتكررة التي لا يني يتوعد فيها اللبنانيين من غير جمهوره وأهله الذين سماهم "أشرف الناس"؟ وتلك القوة التي امتلكها "أشرف  الناس"، هل هي ما أبقت قبضة يد شاب الأوشام والصدم، متشبثةً بهاتفه أثناء الصدمة، أم أن الهاتف أفلت منها لحظة وقوعه أرضًا، وعثرَ عليه سريعًا في مكانٍ ما من الشارع، بعدما قام ثم اقترب من سيارتي؟ لكنني صرفتُ هذه الأفكار من ذهني وسألت الشاب ثانيةً عن ساعده، فتصرف كأنه لم يسمع سؤالي، واقترب من دراجته التي كان أوقفها جانبًا، وأخذ يعاين مقدمها المحطم فوق عجلتها الأمامية، ثم يتحسسها مستطلعًا ما قد يكون تعطّلَ فيها.

مساومة وضيعة
وسمعت من بين الشبان الكثيرين المحيطين بي صوتًا لم أتبين صاحبه، فيما هو يقول مرددًا: خبير، لازم تجيبوا خبير. ظني أو ترجيحي أن صاحب الصوت شخص "عاقل"، وقد يكون رجلٌ مسنٌّ من أصحاب محال السمانة في الشارع، سرعان ما أكدته صرخة شاب الأوشام والصدم قائلًا: خبير؟! خبير شو؟ ما في خبرا هون بزقاق البلاط! لازم يدفع حق الموتسيكل.

أيقنتُ أن ورطتي تكبر وتتعقد، وسوف تستنزف طاقتي وأعصابي، بإرغامي على خوض مساومة مقيتة، وضيعةٍ ومنحطة، وأجهل الخوض في متاهتها ولغتها. أعلم فيما أخوض مثل هذه المساومة أنني سأترجّح بين كتمان نفوري وغضبي ووجلي منها ومن زمرة شبان سلاح الدراجات النارية وفتيانها، وبين نفوري من نفسي وملامتها ومقتها لأنني مرغم على التورط في مثل هذه المساومة. وعليَّ مقاومة شعوري الممضّ بالإهانة والصغار، والتعالي عليه، كأنني استحضرُ شخصًا سواي ليساوم زمرة هؤلاء الشبان والفتيان. بل عليَّ أن أكون ذاك الشخص في الوقت الذي تستغرقه المساومة، فتستنزفني عصبيًا ومعنويًا وأخلاقيًا، لأسارع في أنهائها واستعادة نفسي من ربقتها ودفع الوضاعة عني، فأقبَل بأن أكون المذنب والضحية، موقنًا أن هذا كله يمرضني يومًا أو يومين، وغالبًا ما يلح عليّ فيهما نومٌ كابوسي ثقيل.

كان شاب الأوشام والصدم يدور حول دراجته النارية، وينكب على تحسّس مواضع عطبها وتحطم الدفاع البلاستيكي فوق دولابها الأمامي، ثم فاجأني قوله إن إصلاحها يكلف مئتي الف ليرة، وعلي أن أدفعها له الآن. وفي مزيج من غضب وتهكم مكتومين قلت له: مئتا ألف ليرة فقط؟! خذ مئتا دولار، بل خمسئة! ثم أدخلت يدي في جيب الشورت الرياضي الذي أرتديه، وأخرجت ما فيها من أراق نقدية، فإذا هي 75 ألف ليرة فقط. فقال الشاب إياه: مئتان، خمسمئة دولار، عال، هات، إدفع، أحسن بكثير. لكن نبرة صوته لم تشِ بأنه جادٌ في ما يقول وغير مصر عليه، بل قاله مجاريًا إياي، مدركًا أن ما قلته ينطوي على مبالغةٍ فاجأته ولم يكن يتوقعها. لذا قلتُ له إنني لا أحمل مئتي ألف ليرة، لكن يمكنني سحبها من صراف آلي لفرع مصرف فوق نفق سليم سلام القريب. لذا سارع شاب الأوشام والصدم في القول لفتىً من فتيانه أن يقود دراجته النارية خلف سيارتي، إلى فرع المصرف القريب، لأعطيه مئتي ألف ليرة.

حسينيّة "حجابُكِ يا أختي أغلى من دمي"
أعلم أن جيلاً سبق هؤلاء الشبان والفتيان المنتمين إلى "الثنائي الشيعي"، قد نشأ وشب هنا في زقاق البلاط طوال ثمانينات القرن العشرين، وعمل بالتخويف والترويع الميليشيوي على تحريرها من بقايا خليطها السكاني السني والمسيحي والأرمني المديني المسالم. وكنت قد شهدت وتتبعت الفصل الأعنف والمشهود من ذلك التحرير الحربي الميليشياوي الذي ضرب - إضافة إلى زقاق البلاط - أحياء رأس بيروت والقنطاري والصنائع وفردان والمزرعة وبربور ورأس النبع، فروّع سكانها المدينيين، وهجّر شطراً  كبيراً منهم، ومزّق اختلاطهم الطائفي الكثيف بين فئاتهم المدينية العليا والوسطى.
وكان ذلك تحت ستار أو شعار ما سُمي انتفاضة 6 شباط 1984 الميليشياوية المسعورة على عهد أمين الجميل الرئاسي، وعلى عقده اتفاق 17 أيار 1983 مع إسرائيل لجلاء جيشها عن لبنان. وكان يقود تلك الميليشيات المنتفضة كلٌّ من نبيه بري ووليد جنلاط المقيمين بدمشق آنذاك، ويأتمران بأمرة نظامها السوري الأسدي، الذي كان يقصف بمدفعيته الثقيلة من الشوف والمتن الأعلى المناطقَ المسيحية قصفاً مدمراً، لإسقاط ذلك الاتفاق، وعودة جيش الأسد المظفّرة إلى بيروت سنة 1987، بذريعة انقاذها من عسف الميليشيات الشيعية والدرزية وترويعها واقتتالها اليومي للسيطرة على الأحياء والشوارع في بيروت الغربية.

وكانت حسينية زقاق البلاط - تلك المشيدة حديثاً وعلى دفعات في طرف المنطقة الغربي، والمتعملق مبناها الإسمنتي العاري الجديد، والشبيه بالقلاع، وسط مباني عثمانية وقصور أريستوقراطية مهجورة ومدارس إرسالية كبرى يفوق عددها السبع، وهي الأشهر في بيروت، وتعود كلها إلى القرن التاسع عشر وبدايات العشرين - المركز الأساسي للشبان الميليشياويين والأهالي الشيعة المنتفضين في المنطقة، وللمِّ شملهم وتأطيرهم تأطيراً عضوياً و"تثقيفهم" الديني الطائفي، الذي كان من شعائره وشعاراته: "حجابك يا أختي أغلى من دمي". وكان الشاعر والكاتب فادي الطفيلي الذي عاش فتوته وشبابه في زقاق البلاط، قد شهد طوال الثمانينات والتسعينات حملات ترويع بقايا خليطها السكاني الطائفي المديني (الأرمني خصوصاً) واقتلاعم، وتطهيرها من "الاستعمار الثقافي الغربي" (مدارس الإرساليات والبعثات الغربية)، فكتب في عنوان "اقتفاء أثر"  كتاباً - شهادة دقيقة عن ذلك الاقتلاع والتطهير والترويع.

بابل الصرخات الولاءات
وعلى الطرف السفلي الآخر لزقاق البلاط، في نهاية الشارع المؤدي إلى السرايا الحكومية، فوق نفق فؤاد شهاب في اتجاه "الرينغ"، هناك معلم ديني آخر، غير بعيد من الحسينية الشيعية - القلعة. إنه جامع زقاق البلاط السنّي القديم نسبيًا. وهو متواضع ومتقشف في عمارته فوق النفق. وكان لا يزال في الثمانينات ملتقى صلوات شبان "جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" السنّية ورجالها (الأحباش)، ولاجتماعات هذرهم "الديني" الشعبي المتفاصح فصاحة أمّيّة خشبية ودوغمائية، ردًا على هذر أمثالهم من "الجماعة الإسلامية" السنية، و"الإخوانية" العقيدة والمذهب، وعلى ما يسمونه "الوهابية".

ومنذ الستينات كان قد اجتمع شمل الأحباش من سقط العائلات السنية البيروتية العاميّة وتذررها في الطريق الجديدة والبسطا الفوقا وزقاق البلاط، حول شيخهم ورائدهم الوافد إلى لبنان من هراة في الحبشة. وهم والوا منظمة فتح الفلسطينية التي سلحتهم وأمدتهم بمساعدات مالية وعينية في حرب السنتين (1975 - 1976)، ثم ورثتهم عنها وأدارتهم مخابرات الأسد. فأقاموا على ولائهم لها في الثمانينات. وتمهيداً لانتفاضة 6 شباط 1983 برعاية الأسد وقيادة نبيه بري ووليد جنبلاط، راحوا يوزعون لافتاتهم الصفراء وعباراتهم الدينية الساذجة عليها في أحياء بيروتية كثيرة. هذا فيما كان الشيخ المدعو عبد الحفيظ قاسم يتقاضى مرتباً شهرياً من فتح بعد تهجير الجيش الإسرائيلي مقاتليها وزعيمها ياسر عرفات من بيروت صيف 1982، لقاء خطبه التحريضية الملعلعة من مسجد الجامعة العربية في الطريق الجديدة، والتي كانت تبثّها إذاعة "صوت لبنان العربي".

وفي عشايا تلك الانتفاضة الميمونة وبعدها، كانت أحياء بيروت كلها تشبه بابل الميليشيات والجماعات والمجموعات المسلحة اللاغطة بألف صوت وصرخة وولاء واشتباك في ليالي شوارعها ونهاراتها، تمهيداً لعودة جيش الأسد إليها في العام 1987.

الأحباش ومخابرات الأسد
أما في بدايات زمن السلم اللبناني "الحريري" في التسعينات، فوجدت المخابرات الأسدية في شبان "الأحباش" وفتيانهم من الفئات الشعبية والعائلية البيروتية الدنيا والمتساقطة إلى حضيض إجتماعي، جماعة عارية وضعيفة المكانة، جاهزة ومطواعة، فاستعملتها في مآربها وفي اختراق الأحياء، والشوارع البيروتية، ونشر الشقاق والنكايات والعداوات فيها، بتأليبها هذه الجماعة على تلك، ورعايتها الصدامات في ما بينها. ثم ما لبثت أن ألفت بين قلوب "الحبشيين" وجماعاتهم، وبين قلوب جماعات "أمل" و"حزب الله" الشيعية، درّة التاج الإيراني وصنائعه في لبنان، فجمعتها في بوتقةٍ واحدة، متنافرة، ضد الزعامة الحريرية وشعبيتها المتنامية في الشارع البيروتي.

والأرجح أن رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب، اكتسب عداوته للحريرية منذ شبابه في تلك البيئة "الحبشية" البيروتية، التي قرّبته من "الثنائي الشيعي" وجبران باسيل الذي اختاره لرئاسة الحكومة وريثًا مناوئًا للحريري الإبن في العام 2020. ففي مناسبات رسمية مشهودة ظهر نائب "الأحباش التاريخي" في البرلمان اللبناني، عدنان طرابلسي، باسمًا مسرورًا إلى جانب زميله "الحبشي" القديم حسان دياب الذي ابتسم له القدر وكافأه ومنَّ عليه بما لم يبصره في منامه: رئاسة الحكومة اللبنانية.

لكن معقل "الأحباش" البيروتي الرئيسي لم يكن في زقاق البلاط، بل في البسطا الفوقا وحول جامعها الذي يسمّى "جامع الأحباش" ونشأ في جواره عدنان طرابلسي، مدرّس الرياضة البدنية، "حبشيًا"، فمنَّ عليه لواء المخابرات الأسدية في لبنان غازي كنعان، وعينه نائبًا عن بيروت في البرلمان سنة 1992، ومكّنه من الفوز بالمقعد نفسه انتخابيًا سنة 1996، مناوئًا للائحة النيابية الحريرية، حينما سُمح لرفيق الحريري بالترشح إلى النيابة ودخول البرلمان. وعلى مثال الضابط الأمني الأسدي رستم غزالة، وريث كنعان، والذي نال شهادة دكتوراه من كلية أمل للحقوق في الجامعة اللبنانية، سارع عدنان طرابلسي إلى تحصيل شهادة دكتوراه في التربية الرياضية، وأضافها إلى لقبه النيابي.

وكانت المخابرات الأسدية قد حملت رفيق الحريري صاغرًا على ترشيح ودائعها على لائحته للانتخابات النيابية في العام 1996. ومن تلك الودائع البعثي بشارة مرهج الذي عُيَن وزيرًا للداخلية. وقد يكون أفتك تلك الودائع في ولائها الاستخباري الأسدي، المهرّج الكلامي الشاب ناصر قنديل، المبهور بنفسه، والماركسي اللينيني المهذار مع أخيه غالب قنديل. وهذا الأخير عيّنته المخابرات إياها عضوًا أبديًا في "المجلس الوطني للإعلام"، إلى جانب رئيس هذا المجلس، الماركسي اللينيني عبد الهادي محفوظ، الملتحق كبعض من أمثاله بحركة الإمام موسى الصدر لـ "المحرومين" في عشيات الحروب الأهلية، قبل انضمامه مع القنديلين الأخوين إلى بطانة كنعان وغزالة.

وقبل ذلك كان الأخوان قنديل من أعتى المحرضين المعادين لسوريا الأسد في حرب السنتين (1975-1976)، ومنضويين في شقاقات شراذم المنظمات الحزبية والعسكرية الفلسطينية اليسارية المتطرفة في حضانة من يسمّى أبو علي إربد الذي تزوج شقيقة القنديلين الإذاعية. وفي غمرة الحروب الأهلية الملبننة وشقاقاتها المتناسلة، شاركا مع إربد وظافر الخطيب، النجل الأصغر لنائب الشوف السني الجنبلاطي أنور الخطيب، في تأسيس "رابطة الشغيلة" و "لجانها الثورية" الداعية الى إقامة "السلطة الشعبية" في لبنان، انطلاقاً من حي التمليص العشوائي خلف مستشفى المقاصد. وكان لـ"الرابطة" جناح سوري شديد العداء لنظام الأسد الذي أُعدم منها بعض محازبيها في دمشق مطلع الثمانينات من القرن العشرين. ولما قُتِل ظافر الخطيب في حرب السنتين، ورثه شقيقه الأصغر زاهر في تصدره "الرابطة" و"اللجان"، وفي إلحاقهما بالأجهزة المحلية للمخابرات الأسدية. وهذا بعدما كان زاهر الخطيب قد ورث والده في النيابة الشوفية الجنبلاطية بإقليم الخروب السني في عشيات الحرب، وصار خطيبًا يساريًا استعراضيًا مفوهًا في محافل اليساريين. ومنها محفل كلية التربية الطلابي في الجامعة اللبنانية.

أما ناصر قنديل اليساري المخابراتي المهذار، فقد صار من ضيوف برامج "التوك شو" الدائمين والمفوهين في محطة "المنار" التلفزيونية التابعة لحزب الله. وقد يكون جبران باسيل، صهر ميشال عون، وأحد مختاري حسان دياب لرئاسة الحكومة، أشد من يشبه قنديل في هذره، لكن من موقع مسيحي يلهج لسانه الذرب بحب لبنان، فيما هو ينتظر بفارغ الصبر والسلوان والهذر اليومي وراثة عمه الجنرال في كرسي الرئاسة.

جدارية لبنان السوداء
ليست هذه الحوادث والأسماء كلها، بمساراتها وانقلاباتها الهدامة في "تاريخ بيروت السياسي"، سوى عيّنة جزئية من جدارية تاريخ لبنان الأسود، من شماله إلى جنوبه. وليست زقاق البلاط سوى عيّنة ميكروسوسيولوجية لتناسل وقائع التاريخ هذا وتحولاته في حيّ بيروتي منكوب، كان حتى العام 1958 حيّاً للخليط الكوزموبوليتي الأعرق والأقدم في بيروت. وهذا قبل أن تنتقل الأنشطة المدينية الجديدة الأحدث، من وسط بيروت التقليدي القديم حول ساحة البرج، إلى رأس بيروت وشارعيها الرئيسيين الأقرب إلى الجامعة الأميركية: بلس والحمراء.

وفيما أنا أقف محاصراً بشلة من سلاح شبان الدراجات النارية وفتيانها في زقاق البلاط - وهم أحدث نسخة منبعثة في جدراية ذلك التاريخ الأسود - لا أدري لماذا انبعثت في ذاكرتي أصداء تلك الجملة الفرنسية التي كنت أسمعها مرفوقة بدعاية تلفزيونية كان يبثها تلفزيون لبنان بالأسود والأبيض لمعهد "شارماران للتجميل" في مطالع ستينات القرن العشرين: "شارماران للتجميل، فوبور سان تونوريه، رومبوان القنطاري".
(يتبع)

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها