الأحد 2020/05/31

آخر تحديث: 21:52 (بيروت)

صحافية وشبيحة: إلقاء القبض على سوبرماركت بالجرم المشهود

الأحد 2020/05/31
صحافية وشبيحة: إلقاء القبض على سوبرماركت بالجرم المشهود
وجه من أوجه ما أوصلتنا إليه هذه السلطة من غبنٍ وظلمٍ وإذلال (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

صباح يوم الأحد 31 أيار 2020، دخلتُ إلى "تعاونية قاديشا" (coop Kadisha) في منطقة البحصاص شمالًا، مثل أيّ مواطن، يأتي ليشتري بعض المستلزمات المنزلية والمواد الغذائية.

تلك الرفوف
هذه التعاونية الضخمة التي ترفع شعار "تعاونية قاديشا أكيد أوفر لماذا تدفع أكثر؟"، لم تعد تختلف أسعار موادها عن السوق والمتاجر، لا بل قد تتجاوزها في بعض المواد الاستهلاكية أحيانًا، في ظل فوضى التلاعب بالأسعار، توازيًا مع انهيار الليرة أمام الدولار. علمًا أن هذه التعاونية هي واحدة من 
التعاونيات (coop) التي تنتمي إلى "الجمعية التعاونية الاستهلاكية والإنتاجية في لبنان"، باعتبار أنها توفّر مواد غذائية بأسعار مدعومة وبكلفةٍ أقل من تلك التي تُباع في الأسواق.


في البدء، دخلتُ بكمامتي إلى التعاونية، ثم أخذتُ عربة للتبضّع. طبعًا، ومثلما تفعل معظم التعاونيات والمتاجر الغذائية، وجدتُ عددًا كبيرًا من الرفوف كان فارغًا، تحضيرًا لملئها ببضائع وفق تسعيرات جديدة أكثر ارتفاعًا. وأثناء شراء ما أحتاج إليه، كنت أنظر إلى جميع المواد وتسعيراتها على الرفوف، ولحظتُ الفرق الكبير في أسعار جميع المواد، حتّى تلك التي اشتريتها من التعاونية نفسها قبل أسبوعين (علمًا أن سعر صرف الدولار حافظ نسبيًا على مستوى الارتفاع نفسه خلال هذه الفترة). ولأن جميع المتاجر الغذائية والتعاونيات تتبع "التكتيك" نفسه في رفع أسعار موادها يوميًا، استمريتُ بالشراء مثلما نفعل جميعًا، طالما أنّ لا خيار لنا سوى الرضوخ للأسعار التي تُفرض علينا في الأسواق من دون حسيب ولا رقيب.

اقتراف التصوير
وأيضًا مثلما يفعل معظمنا، صرتُ ألتقط صورًا لتسعيرات بعض المواد الموضوعة على الرفوف، لمقارنة تحولاتها بين يومٍ وآخر، أو مع متاجر أخرى، أو ربما فقط للتسلية ولأرشيف هذا النعيم والبحبوحة التي نعيش بها !

فجأةً، يأتي نحوي موظف من مسافةٍ بعيدة ويقول لي بصوتٍ خافت: "عفوًا مدام، بس ممنوع تصوير الأسعار بقرار من إدارة التعاونية". أخبرته بهدوء أنني صحافية، وأنه لا يمكن منعي أو منع أيّ مواطن من تصوير أسعار المواد الاستهلاكية. هزّ رأسه، ومضى كلّ منا بطريقه. فجأةً مرّة ثانية، وفي حين توجهتُ إلى جهة أخرى من التعاونية، أتفاجأ برجلٍ يأتي نحوي غاضبًا ويصرخ: "أنتِ اللي كنتِ عم تصوري الأسعار وما فهمتِ أنو ممنوع التصوير؟". للوهلة الأولى ظننته رجل أمنٍ يخاف على أمنه وأمن سرّيته من الكاميرا. ابتسمتُ وطلبت منه التحدّث إليّ باحترام وصوتٍ منخفض حتّى استطيع الرد عليه. لكنّه استمر بقلّة أدبه وتبجحه، وهددني بالقول: "إذا ما بتمحي الصور أو بترجعي بتصوري الأسعار رح يصير شي ما يعجبك". هنا ارتفع صوتي، وكان زبائن التعاونية يلتمون حولنا، وبالطبع لم أنزل إلى مستوى كلامه، وإنما صرت أردّ عليه بالقانون، عندما بدأ يحدثني عن "بدعة" قانون التعاونية حول منع الزبائن تصوير أسعار المواد الاستهلاكية المعروضة.

ولأنّ تصويري لبعض الأسعار كان بمثابة الاعتداء على أمن "التعاونية"، استمر هذا الرجل بشتمي من دون خجل. وكاد أن يتهجم عليّ بالضرب، لو لم يتدخل عدد من الموظفين، وأحد أفراد الإدارة الذي طلب مني إنهاء الإشكال والتوجه إلى الإدارة. رفضتُ ذلك، وأخبرته مجددًا أنني صحافية، وطلبت منه أن تأتي الإدارة هي إلى مكان الإشكال إن كانت مهتمة بالأمر، بينما كان يلتفت يمينًا وشمالًا خوفًا من أن يقوم أحد بتصويرنا وفضح تصرفهم.
حاول هذا الرجل تهدئة الجو، وأعاد قول زميله المتبجح بطريقة أكثر لطفًا (مع جهلٍ فاضحٍ بالقانون): "هيدا قانون الإدارة ممنوع تصوير الأسعار وبدنا نلتزم فيه". أجبته: "إن كانت أسعاركم دقيقة وتتوافق مع سعر صرف الدولار في السوق لماذا تخافون من تصويرها؟ ولماذا لا تملكون الجرأة بوضع ملصق على الرفوف تكتبون عليه: ممنوع تصوير الأسعار؟!".

أسعار حسان دياب
أتجرأ على نقل هذا الحادث الذي انتهى بطريقة غير لائقة من قبل موظف التعاونية، ليس بوصفه حادثًا فرديًا، وإنّما لأنه عامٌ بامتياز، وهو وجه من أوجه ما أوصلتنا إليه هذه السلطة من غبنٍ وظلمٍ وإذلال، بينما آلاف المواطنين تؤكل حقوقهم يوميًا من دون أن يتجرأوا على المواجهة، في ظلّ غياب القانون الذي يعطيهم الحماية والحصانة. وفي بلدٍ لا يجد فيه رئيس الحكومة حسان دياب "أسعارًا نافرة"، بينما هي تضاعفت بما يتجاوز 100 في المئة، وباتت القدرة الشرائية للمواطنين معدومة، يستمد عدد كبير من التجار وأصحاب المتاجر تسلطهم واستقواءهم من السلطة نفسها، التي لا تراقبهم ولا تردعهم. لا بل تتشارك معهم بنهبنا، وهم يريدون المواطنين على هذه الهيئة: يدخلون المتاجر، لا يتأففون، لا ينظرون إلى الأسعار، ثمّ يشترون حاجاتهم ويدفعوا كلفتها من دون الاعتراض، أو حتى السؤال عن سبب ارتفاع الأسعار.

الوزارة وشكوى الناس
من حيث المبدأ، كل مكان يتبع لملكية خاصة، لا يحق لأحد تصويره من دون إذن صاحبه. لكن، في هذا الظرف الاستثنائي، وفي حالة المتاجر الغذائية، عندما يشعر المواطن أنه مغبون بالسعر، من حقه توثيق ذلك وتقديم شكوى إلى وزارة الاقتصاد في حال اضطر الأمر، لا سيما أنّ الوزارة سمحت له وأعطته الغطاء القانوني. وهنا، لا بدّ من تذكير "تعاونية قاديشا" وغيرها من المتاجر التي تتذرع بقوانينها الداخلية الخاصة، والتي تتجاوز القانون أصلًا، أنّه بتاريخ 27 نيسان 2020: أعلن وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه عن بدء العمل بخط واتساب الساخن (70909022)، لتلقي الشكاوى من المستهلكين على مدار الساعة، وأنّ الوزراة تتابع الشكاوى، لكن لتسجيلها "يجب ذكر اسم المحل وعنوانه وتاريخ المخالفة ونوع المخالفة وإرفاقه مع صورة للسلعة مع السعر"، وإلا لا يؤخذ بالشكوى.  


ورغم الفوضى التي نعيشها، لا بدّ من تذكير الناس بحقّهم المشروع في تصوير أسعار المواد الاستهلاكية داخل المتاجر، وأن يساجلوا ويسألوا حين يشعرون بالغبن، وأن يقارنوا الأسعار بين متجرٍ وآخر. لكن السؤال يبقى: لماذا يعتري أصحاب التعاونيات والسوبرماركات كل هذا القلق لدى تصوير أسعارهم، طالما أنهم يثقون بدقتها وانسجامها مع سعر صرف الدولار في السوق؟ مما يخافون كي يلجأوا للاستقواء وبسط تسلطهم على الزبائن، بطريقة أقل ما يمكن وصفها بـ "التشبيح"؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها