الأحد 2020/05/31

آخر تحديث: 15:42 (بيروت)

ماريا.. سيدة فيليبينية تروي قصتها: ضرب وابتزاز وسرقة

الأحد 2020/05/31
increase حجم الخط decrease
تتوالى فضائح العمالة الأجنبية في لبنان. ضرب هنا، حرمان من الحقوق هناك. انتحار محقق وآخر غير منجز. اعتقال، منع من السفر، حجز الجوازات، بيئة صحية قاسية، ظروف معتقل لا عمل، تهديدات مستمرة، اعتداءات جنسية أو اغتصاب، اتّهامات باطلة. والنتيجة أنّ هذا البلد الصغير تحوّل إلى مسلخ بشري لأكثر الفئات استضعافاً.

هذا لبنان. "This is Lebanon"، صفحة على موقع "فايسبوك" تنشر شهادات وتجارب عاملات أجنبيات في لبنان ،وما تتعرّض وتعرّضت له الكثيرات خلال العمل في لبنان. وآخر إنجازات لبنان على مستوى العنصرية وقهر العمال الأجانب، ما كشفته الصفحة حول قضية السيدة الفيليبينية ماريا لويز فيلانويفا. في هذه القصة، اختصار لكل ما سبق. سرقة أموالها، احتجازها، اتهامها زوراً بالسرقة، اعتقالها، محاولة انتحارها، وترحيلها بعد سجنها. كل هذا في قصة واحدة. شهادة وحيدة كفيلة بالكشف عن واقع مأساوي جماعي، على الأغلب، شبه عام وليس التجارب التي تشي بالعكس إلا استثناءات.

سرقة الأموال
تقول ماريا في الفيديو المنشور إنها تعرّضت للاحتيال من قبل مخدوميها. السيّد صباح جنبلاط وزوجته ميشيل. لم يدفعوا لها مستحقاتها بعد سنوات من الخدمة. حرموها من جنى عمرها، 25000 دولار أميركي. طالبت بها ماريا، فتحجّج "سيّدها" بأن وضع البلد لا يسمح. على الأرجح قال لها إنّ المصرف لا يسمح له بسحب هذا المبلغ. وعدها بإعطائها الأموال فور بيعه لإحدى ممتلكاته. وقع ذلك في كانون الأول الماضي. كانت قطارة المصارف قد باشرت عملها حينها. لكن ما يحصل يدلّ على أنّ حرمان ماريا من أموالها سلوك وقرار تمّ عن سابق تصوّر وتصميم. فجاءت زوجته، ميشيل، وورّطت ماريا باتهامها بالسرقة. سألتها عن جملة موجودات في المنزل، جميعها في مكانها. وعندما يئست من فبركة ملفها، اتّهمتها بسرقة سترتين، كل منها بـ7000 دولار. مجموع ادّعاء السرقة 14000 دولار. حتى لو صحّ ذلك، يبقى لماريا في ذمة مستخدميها 11000 دولار. لكن سلوك المستخدمين واضح في مساره.

محاول انتحار وضرب
أحضرت ميشيل جنبلاط، بحسب شهادة ماريا، رجل أمن بثياب مدنية. "لا يرتدي بزة أمنية أو عسكرية"، وهدّدتها به. "قالت إنها ستجزّني بالسجن بتهمة السرقة". ماريا لا تريد الدخول إلى سجن أصغر من ذاك الذي تعيش فيه. خرجت إلى الشرفة وحاولت أن تقفز منها. أمسكها الرجل الأمني المفترض ومنعها من ذلك. عندها أقدمت ميشيل على ضربها. وجاء الزوج، وأكمل المهمة. "ضربني على رأسي، ووجهي، وأذني. ركلني على جسدي وفي كل مكان. أذناي معطوبتان الآن، وعندما أخذوني إلى النظارة كان وجهي وفمي متورّمين". باتت ماريا في يد القوى الأمنية. جاء طبيب شرعي، أمّنت السفارة الفيليبينية حضوره.

أشهر السجن
في المخفر، طولب كل من الزوجين جنبلاط بتثبيت تهمة السرقة. أو حتى إحضار وصل دفع الأموال لها. لا هذا ولا ذاك. مع ذلك، ظلّت ماريا في السجن. اعتقدت أنها ستبقى فيه لعامين ونصف العام. عذاب نفسي، بعد كل ما تعرّضت له سابقاً. "بقيت في السجن 3 أشهر، أعاني من دون دليل على أي تهمة"، تقول. إلا أنّ محاميَين دافعا عنها وتوليا قضيتها، أحدهم موكل من السفارة على إخراجها وترحيلها إلى بلادها. عادت من حيث أتت من دون شيء يذكر. فقط تجربة مرّة وذلّ وتحطيم لشخصيتها ووجودها.

اتهامات السيد جنبلاط
تقول ماريا إنّ مستخدمها، السيد جنبلاط، يملك 5 شقق في بيروت ومبنى مؤلفاً من 7 طوابق في جونيه. "أنت لص من الصف الأول في لبنان، اختلست أموالاً من الدولة القطرية ولم توزّعها على الفقراء كما ادّعيت"، تشير ماريا. لكن اتّهاماً آخر أهم من كل ما سبق، يتمثّل بتأكيدها على أنّ الزوجين، أخذا طفل العاملة الفيليبينية التي كانت تعمل لديهما، ورحّلاها ويقومان بتربية الطفل على أنه طفلهما. اتهام ضخم، فيه ما يكفي من سنوات بالسجن إن صدر حكم قضائي به. بدءاً من ممارسة الجنس ربما اغتصاباً، وصولاً إلى خطف ابن العاملة الأخرى، وترحيلها من دون حس ولا خبر. حتى لو تمّ ذلك بالتراضي. "سيّد جنبلاط، أنت سارق. سيدة جنبلاط، أنت قاسية وشريرة". أنها ماريا شهادتها بالقول إنّ "السيد جنبلاط فعل ما فعله لأني أعرف كل أسراره، وأودعني السجن لأجل ذلك".

عادت ماريا إلى الفيليبين، كما أتت. لا بل مثقلة بهذه التجربة القاسية والخبيثة. تجربة كفيلة بالقول إنّ لبنان مسلخ للعمالة الأجنبية، وفيه ما يكفي من تجاوزات وارتكابات لا تمت بحقوق الإنسان بصلة. قضية العامل البنغلادشي عناية الله ومعه عمال شركة "رامكو" لا تزال مفتوحة. وكذلك ملف ملجأ السفارة الفيليبينية، إضافة إلى الاعتصام المستمر أمام السفارة الإثيوبية.
هنا لبنان، هنا مسلخ المستضعفين، من نساء أجنبيات عاملات في المنازل والشركات. هؤلاء النسوة أكثر الفئات استضعافاً في بلد يضجّ بالعنصرية والاستغلال.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها