الثلاثاء 2020/05/26

آخر تحديث: 17:11 (بيروت)

الأحزاب تركب موجة الزراعة: نثر البذور السياسية

الثلاثاء 2020/05/26
الأحزاب تركب موجة الزراعة: نثر البذور السياسية
انتشرت موجة العودة إلى الزراعة، فعملت القوى السياسية وجمعيّاتها على استغلالها (المدن)
increase حجم الخط decrease
غزت الأحزاب السياسية ميدان الزراعة وتوزيع الشتول والبذور على الناس. العودة إلى الأرض، والتمسّك بها. العودة إلى الجذور، والتمسّك بها. إلى البلدات والقرى. إلى لبنان الأخضر. موضة رائجة هذه الأيام في الظروف الاقتصادية والمالية العصيبة. موضة فعلية، وجدت من يسوّق لها أيضاً بين بعض الفنانين والصحافيين، الذين لا يمكن أن يغفلوا مناسبة واحدة من دون التدخّل والسباحة في أحضان التيار الرائج. فنسّقت للعملية حملات وأغانٍ دعائية. "زريعة قلبي". وفي بعض الحالات، تم فعلياً تطويع توجيه الناس إلى الزراعة، ليشمل الرسائل السياسية البحتة. "بيادرنا تقاوم"، تكامل في الشكل والمضمون والسياسة.

بات توزيع البذور والشتول وغيرها، فعل سياسي مباشر. للمقاومة حيناً، للمحافظة على الوجود حيناً آخر. أي وجود؟ المذهب، الطائفة، الجماعة، الحزب. الخطر الاقتصادي والمالي داهم، و"نحن" بخطر. كل "نحن" في كل منطقة لبنانية بخطر. الخطر موجود والفرصة مؤاتية لاستكمال العرض السياسي اللازم، لكن هذه المرّة بكلفة أقلّ بكثير.

أسلوب رخيص
ابتعدت الأحزاب عن منطق توزيع المساعدات الغذائية والعينية والصحية. وتراجع توزيع المازوت وقسائم المحروقات مع فصل الربيع. كل ذلك دعم مكلف أساساً. أما توزيع البذور والشتول فبمنتهى الرخص. كرخص جميعة وزّعت 5000 ليرة لبنانية على الناس في طرابلس. فبحسب أكثر من مصدر زراعي، بين مهندسين وجمعيات زراعية، لا تتعدّى تكلفة كيس من البذور والشتول المتنوّعة مبلغ 12000 ليرة، وبعضها أقلّ بكثير بحسب ما فيها من أنواع وكميّة. أي أنه بدل قسيمة 50 ألف ليرة لبنانية ثمن مازوت، أو علبة دعم غذائي بـ100 ألف ليرة، أو ثمن صوت انتخابي بـ100 دولار (أقلّه)، يمكن للأحزاب أنّ تسوّق نفسها وتعمل انتخابياً وشعبياً بمبلغ 12000 ليرة لبنانية فقط. يا للرخص. لذا هبّت جميعها إلى تسويق حملات الزراعة بعناوين ضخمة، فيها ما يكفي من عنفوان ووطنية. لتكون الزراعة، أسلوباً رخيصاً جديداً يستخدمه السياسيون للحافظ على مصالحهم. رخيص على أكثر من صعيد.

الزراعة الحزبية
وتبنّت الأحزاب والتيارات السياسية حملات توزيع البذور والشتول والدواجن بشكل مباشر. هذا ما يمكن تسجيله في العديد من الأقضية. التيار الوطني الحرّ سوّق لحملته وعملية التوزيع في أكثر من منطقة بين كسروان والمتن وجزين. القوات اللبنانية وزّعت بدورها بذوراً ودواجن على أهالي منطقة بمبادرة من مصلحة رجال الأعمال في الحزب. والحزب الاشتراكي أدّى دوره أيضاً، فوزّع آلاف الشتول وكميات من البذور المتنوّعة في حاصبيا والعرقوب ومرجعيون. كما وزّعها أيضاً على 800 مزارع في منطقة المتن الأعلى الجنوبي وبلدتين تابعتين للطائفة الكريمة في المتن الشمالي (المتين وزرعون). توزيع على القياس المذهبي-السياسي، كأنّ ماكينات انتخابية تعمل على ذلك. وما اشطر أحزاب الطوائف في ذلك. كما كان حزب الله سبّاقاً في هذا المضمار، إذ انتشرت أولى الدعوات إلى زراعة القمح في شهر تشرين الثاني الماضي مع أولى ملامح الأزمة الاقتصادية. وهنا الشعارات السياسية أساسية أيضاً. "نداء الأرض" و"أنا مقاوم، أنا مزارع". لكن للحزب أيضاً عمل مباشر في هذه الحملات عن طريق مؤسسات لا تدّعي العمل السياسي، كما غيره من الأحزاب وجمعياتها الأخرى.

سياسة مبطّنة
أطلقت مؤسسة "جهاد البناء" حملة "الحاكورة" ومشروع "أرضنا بتحمينا". منتهى السياسة. فبدأت المؤسسة عملها في توزيع البذور والشتول في مناطق مختلفة بدءاً من البقاع. كما انضمّت مؤسسات وجمعيات أخرى تابعة لحزب الله إلى هذا العمل، ومن بينها "كشافة المهدي" التي شاركت قائدات ودليلات منها في "الحاكورة" من خلال توضيب البذور وتوزيعها على العائلات. وللجماعة الإسلامية دورها عبر جمعية مقرّبة منها، أو محسوبة عليها، "الجمعية الاجتماعية" في شحيم التي قامت بتوزيع 250 ألف شتلة وبذور على أكثر من 1500 عائلة من سكان البلدة.

وفي السياق نفسه، نشطت جمعية الطاقة الوطنية اللبنانية (LNE) في المجال نفسه. هي جمعية عملت في أنشطتها السابقة بناءً على توجيهات الرئيس ميشال عون ورعايته، بحسب ما ورد في بياناتها وعلى الصفحة الأولى من موقعها الإلكتروني. أطلقت الجمعية برنامجاً لتوزيع الشتول والبذور، ونشطت في مناطق شمالية عدة. مع العلم أنّ من بين مؤسسيها كل من النائب جبران باسل، ومستشاره الاقتصادي شربل قرداحي، الوزير السابق وممثلين للتيار الوطني الحرّ فادي جريصاتي (وهو متابع شؤون الجمعيات في مكتب باسيل) ومنصور بطيش، ومنسق اللجنة المالية في التيار رفيق إلياس الحداد، ومنسّق شؤون مكتب باسيل غسان فائق الخوري.

صفر إرشادات
يساعد توزيع البذور والشتول الناس بشكل كبير. هذا ما يؤكده المهندس الزراعي، حنا مخايل، لـ"المدن" لافتاً في الوقت نفسه إلى أنّ هذه الحملات، بغض النظر عن من يقوم بها "مفيدة وجيّدة، لكن أغلبها تتم من دون مساعدة الناس من ناحية تقديم الإرشادات والمتابعة الميدانية لهم، ولا دورات لتعليمهم الزراعة ". صحيح أنّ الأحزاب والجمعيات تقوم بإعطاء صنّارة للناس لا سمكاً، إلا أنها فعلياً ترميهم في البحر من دون توجيهات. "من دون أن يعلموهم السباحة ولا إلى كيف يتوجّهون"، بحسب مخايل. ويقول الأخير إنّ "القوة لا تكمن في توزيع البذور، بل من يستمرّ في هذه المساعدات العام المقبل يكون فعلياً داعماً للناس وللزراعة". أما من وزّعها هذا العام فقط، فـ"راكب موجة، لا أكثر ولا أقل". مع العلم أنه سبق لمجموعات مختصيّن وناشطين أن أطلقت في خضم ثورة 17 تشرين العديد من المبادرات والحملات لمساعدة المزارعين. علّ أبرزها "إزرع" و"حبق" وغيرها، التي يتابع خلالها المعنيون بشكل شبه يومي أحوال الزراعة ويوزّعون إرشاداتهم للناس. ولو أنّ بعض هؤلاء الناشطين أيضاً، من راكبي الموجات، لا يختلفون في المضمون مع من في السلطة إلا في الشكل. فتصوّر بعضهم وهم يوزّعون البذور من أجل حملة دعائية هنا، أو ملء رصيد هناك شخصي هناك. 

استبدلت الجذور والشتول المواد السياسية والانتخابية الاعتيادية. وصلت موجة الزراعة، وتعمل القوى السياسية وجمعيّاتها على استغلالها، تماماً كما استغلّت سابقاً موجة المساعدات الغذائية وقبلها موجة توزيع المعقّمات، ودائماً موجات توزيع قسائم المحروقات في فصل الشتاء. مع هذه البذور، تحاول الأحزاب نثر بذورها السياسية، وما أكثرها. نثرت البذور، وتنتظر ثمارها. لكنها بذور مشابهة لأصحابها، ولسابقاتها في الاستغلال السياسي والانتخابي. هي، بذور الدعاية السياسية وركب الموجات مهما علت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها