الجمعة 2020/04/03

آخر تحديث: 00:04 (بيروت)

كورونا برفقة الأهل في لبنان أفضل من عزلة إيطاليا!

الجمعة 2020/04/03
كورونا برفقة الأهل في لبنان أفضل من عزلة إيطاليا!
مقاطعة لوبارديّا، التي يفتك بها الوباء (Getty)
increase حجم الخط decrease
عندما بدأت أصوات الطلاب اللبنانيين في إيطاليا تتصاعد للعودة إلى لبنان، بعد جائحة كورونا التي تفتك بتلك البلاد، ظن اللبنانيون أن أزمة الطلاب هي عدم تحويل المصارف الأموال لهم وأنهم باتوا خائرين جوعاً في محاجرهم. لكن بعد التواصل مع العديد من اللبنانيين هناك، طلاباً وغير طلاب، بدا واضحاً أن سبب الرغبة بالعودة هو المكوث في حضن الوطن بجانب عائلاتهم وترصد حالة الوباء عن بعد. كما لو أن لبنان لم يصب بكارثة كورونا. 

تقديمات الدولة الإيطالية
ولكثرة تواصلي اليومي مع اللبنانيين هناك في الأيام السابقة، عادت بي الذاكرة إلى أكثر من 12 عاماً، عندما صادفت طالباً لبنانياً، حديث العهد في إيطاليا، كان ينتظر دوره، لإجراء معاملة ما في إدارة الجامعة. أذكره نحيلاً بائساً بلحية غير مكتملة، هالته التقديمات الاقتصادية والاجتماعية للطلاب، فتمتم أمامي مستغرباً كيف أن "بلاد "الكفار" تطبق تعاليم الإسلام على شعبها، بينما بلاد الإسلام لا تفعل"! 

وإيطاليا، بعكس الدول الأوروبية، ينص دستورها على حق التعلم. وهو حق غير مجرد كباقي الدول. بل نص الدستور على أن الطالب الذي لا يملك أهله المال لتعليمه يحصل على المنح الدراسية اللازمة. وهذا حق ليس للمواطن بل للسكان جميعاً. وتختلف التقديمات من مقاطعة إلى أخرى الا أنها جميعها تقوم على مبدأ كفاية الطالب سكناً ومأكلا ومشرباً وعلماً لإنهاء جميع مراحل تعلمه الجامعي. وهذا ما حذا بالعديد من اللبنانيين الذهاب إلى هناك لاستكمال تخصصهم الجامعي. 

ورغم الأزمة الاقتصادية ما زالت هذه التقديمات كما كانت سابقاً. فعلى سبيل المثال، المنحة التي تقدمها جامعة بافيّا للطالب تتضمن نحو 4500 يورو نقداً، وصحن يومي مجاني في مطعم الجامعة، عدا عن بطاقة تنقل بـ20 يورو سنوياً للطلاب، وغيرها من البطاقات المجانية للسياحة الثقافية، كما تؤكد الطالبة سابين مرعب لـ"المدن". 

ومرعب طالبة حديثة العهد هناك ما زالت في السنة الأولى في اختصاص الاقتصاد في جامعة بافيّا، في مقاطعة لوبارديّا، التي يفتك بها الوباء. وتعيش برفقة زملاء لها من الجامعة في غرفة، وتعمل ليلاً في مطعم لبناني.

المصارف والأهل
لم تتمكن مرعب من تقديم طلب الحصول على منحة دراسية، بسبب تأخرها في تأمين الأوراق المطلوبة. لكن ما دفعها إلى تقديم استمارة للعودة إلى لبنان، ليس الوضع المادي. فمعاناتها مع المصارف لا تختلف عن معاناة كل اللبنانيين، أي أنها عوضاً عن سحب 600 يورو دفعة واحدة في الشهر، باتت ملزمة بتقسيط السحب على 150 يورو أسبوعياً. بل ما دفعها إلى العودة هو رغبتها البقاء هذه المدة بجانب أسرتها في لبنان. 

ووفق ما قالت، عندما يقدم الطالب أوراقه للدراسة في إيطاليا تفرض عليه السفارة الإيطالية إيداع مبلغ من المال في بنك بيروت في لبنان، وتشترط عليهم سحبها بمعدل 600 يورو في الشهر من إيطاليا. وعندما ذهبت إلى إيطاليا مطلع العام الدراسي كان باستطاعتها سحب كامل المبلغ، لكن المصارف عادت وفرض قيوداً أخرى أي سحب 150 يورو اسبوعياً فقط. بالتالي عوضاً عن دفع عمولة 5 يورو شهرياً على السحب، باتت ملزمة بدفع 20 يورو لقاء أربع سحوبات في الشهر. 

وعن ما إذا كان المبلغ كافياً لمعيشة الطلاب، أكدت أن التسهيلات لا تجعلهم يحتاجون الأهل في لبنان، ولم تحتج يوماً أكثر من سحب هذا المبلغ. خصوصاً أنها تعمل بضع ساعات في مطعم لبناني. لكن عندما أقفلت الجامعة وتوقفت عن العمل، رأت أنه من الأنسب لها الذهاب إلى لبنان للبقاء بجانب أسرتها: "فلماذا أبقى وحيدة هنا طالما أستطيع متابعة دروسي من لبنان عبر الانترنت والتقديم الامتحانات عبرها أيضاً؟" تسأل. 

ومثل بقية الطلاب أرسلت مرعب طلب استمارة العودة إلى القنصلية في ميلانو. ثم عادوا وأرسلوا استمارة جديدة إلى السفارة اللبنانية في روما، ولم تتلق أي إجابة بعد. ولا تعرف شيئاً عن تأمين بطاقة السفر. فربما ستكون على حسابهم الخاص، كما قالت. لكنها بالمقابل سمعت السفيرة اللبنانية تقول عبر إحدى المحطات أن العديد من الطلاب لا يملكون ثمن بطاقة السفر، وأنهم قد يحلون هذه المسألة عبر تكفّل الدولة اللبنانية بهذا الأمر مع شركة طيران الشرق الأوسط.  

وعن إمكانية نقل العدوى إلى لبنان، لفتت مرعب إلى أنها مدركة جيداً لهذا الأمر. وبالتالي، ستعمل على حجر نفسها ذاتياً لمدة أسبوعين، في منزل خاص في بلدة بدادون في قضاء عاليه، والتأكّد من أنها غير مصابة بهذا الوباء، قبل الانضمام إلى العائلة. 

تفاديا للصوم وحيداً 
قصة الطالب جمال ناجي تختلف عن قصة الطالبة مرعب. فهو مثلها حديث العهد في إيطاليا، وقدم نهاية العام المنصرم لدراسة هندسة الميكانيك في جامعة بافيّا. ولا يعمل بأي شيء غير دراسته، ومكتفٍ ذاتياً، كما حصل على موافقة مبدئية على منحة الدراسة.

وناجي بطبيعته شخص "موسوس" ويحرص جيداً على صحته. فعندما سمع أن فيروس كورونا بدأ بالتغلغل في إيطاليا، أقفل على نفسه في غرفته، ولم يخرج منها إلا لماماً لتبضع حاجياته، وذلك قبل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بعزل جميع السكان. 

فكر ناجي بالمجيء إلى لبنان لتمضية أيامه "الكورونية" برفقة الأقرباء، خصوصاً أن استمرار الوباء والإجراءات الإيطالية إلى مطلع شهر رمضان، سيجعله يصوم وحيداً هناك من دون أنيس، وهذا أمر غير محبب إليه كما يقول. لذا ملأ استمارة العودة وأرسلها إلى القنصلية في ميلانو. لكنه عاد وعدل عن الفكرة خوفاً من التقاط العدوى في المطار لدى مغادرة إيطاليا إلى لبنان. فقد رأى بعض الصور عن تكدس الناس في المطارات بغير دول، وظن أن اللبنانيين سيصطفون فوق بعضهم البعض في مطار روما، ويلتقط كورونا هناك بعدما حرص طوال خمسين يوماً على عدم اللقاء بأي كان.

إلى ذلك سمع شائعات عن أن الدولة لن تؤمن لهم مكاناً للعزل الذاتي مجاني. ولأنه لن يجد بيتاً للعزل الذاتي إلا عند الأقارب، ففضل عدم الذهاب إلى لبنان، كما قال.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها