الأربعاء 2020/04/29

آخر تحديث: 01:07 (بيروت)

طرابلس تلتهب غضباً ليلياً.. والسلطة تترك الجيش في ورطة

الأربعاء 2020/04/29
طرابلس تلتهب غضباً ليلياً.. والسلطة تترك الجيش في ورطة
مقتل الشاب فواز السمان برصاصٍ حيّ من بندقية الجيش أشعل لهيب نقمة المدينة (Getty)
increase حجم الخط decrease

كما كان متوقعاً، بعد ليل دام يوم الاثنين غضباً وناراً، ونهار دامع يوم الثلاثاء تشييعاً وحزناً.. عادت واندلعت المواجهات العنيفة بين المتظاهرين والجيش في طرابلس، فور انتهاء ساعة الإفطار، لتمتد حتى أولى ساعات الفجر وتبلغ ذروتها عند ساحة الشراع في الميناء.

واجهات المصرف وتعزيزات عسكرية
ولوقت متأخر من الليل، شهدت طرابلس توتراً أمنيأ متنقلاً بين ساحتي النور والشراع في الميناء. ففي البدء، توجهت مجموعة من المتظاهرين إلى قصر الرئيس نجيب ميقاتي، وقامت برمي الحجارة نحوه، ثمّ سرعان ما انتقلت المواجهات إلى زواريب الميناء. وفيما كانت عناصر الجيش ترمي القنابل المسيلة للدموع بغزارة وتطلق الرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين، استمر المئات بالتقدّم نحو مواجهة الجيش، وأضرموا النيران في مستودعات النفايات ورشقوا الجنود بوابلٍ من الحجارة.

ثم قام المحتجون بإحراق واجهات المصارف عند مستديرة الشراع في الميناء، وتحديدًا مصرفي بيبلوس وفرنسبك. وشهدت الميناء مواجهات في نقاط مختلفة، كما شهدت بالتوازي ساحة النور ومساربها مواجهات مشابهة بعنفها أيضًا، وعملية كر وفر بين المتظاهرين وعناصر الجيش. وطارد الجنود عددًا من المحتجين بعد اعتدائهم على الآليات العسكرية وبعض الأملاك الخاصة، وسقط عدد من الجرحى في صفوف الطرفين، فنُقلوا بواسطة سيارات الاسعاف إلى مستشفيات المدينة.

اللافت في هذه المواجهات العنيفة ليلًا، أنّ مئات المتظاهرين يتفرقون إلى مجموعات بين مناطق وأحياء المدينة، ولا يجتمعون في نقطة مواجهة واحدة، وهو ما صعب المهمة على عناصر الجيش الذين كانت أعدادهم أقلّ من أعداد المتظاهرين، ما استدعى استقدام قوّة اضافية من الوحدات العسكرية إلى طرابلس، وتحديدا إلى الميناء التي تحولت إلى شبه ساحة حربٍ ضارية.

وحسب المعلومات، انضمت مجموعات آتية من عكار إلى المتظاهرين في طرابلس. كما سُمع في ساعة متأخرة دوي انفجار قنبلة في منطقة الزاهرية، في وقت كانت تجوب المدينة مسيرةُ دراجات نارية.

من جهتها، أشارت غرفة عمليات جهاز الطوارئ والإغاثة في الجمعية الطبية الإسلامية، أنها تقوم بإسعاف ونقل وإخلاء عدد من الجرحى والمحاصرين من جراء الاشتباك الحاصل بين الجيش اللبناني ومتظاهرين في محيط ساحة الشراع في الميناء. وظهرًا، كانت الجمعية الطبية قد أشارت أنه بعد وقع اشتباكات بين الجيش ومتظاهرين في شارع المصارف ومحيطه في طرابلس، إلى إصابة أكثر من 12 شخصاً، بينهم طفل، بجروح ورضوض عديدة نتيجة رصاصات حية وأخرى مطاطية، وحالات اختناق وتراشق بالحجارة، وقد جرى إسعافهم نقلهم إلى المستشفيات.

وقبل احتدام المواجهات الليلية، أضاء عدد من الناشطين عند ساحة النور الشموع عن روح الشهيد فواز السمان، ورددوا الشعارات المؤكدة على استمرار الثورة لأجلهم ولأجل روحه.

قبل الإفطار
عمليًا، يمكن القول أنّ مقتل الشاب فواز السمان برصاصٍ حيّ من بندقية الجيش، أثناء مواجهات ليلة الاثنين، أشعل لهيب الانتفاضة في طرابلس وكل لبنان، وقد تفلّتت الفوضى وتوتر الوضع الأمني لدرجة يصعب ضبطهما. واحتجاج الناس على انهيار الليرة والإفلاس والغلاء الفاحش وممارسات المصارف التعسفية، انفجر مرّة واحدة. ومثلما كان متوقعًا، فقد هدأت المواجهات في طرابلس أثناء موعد الافطار قبل أن تعود وتشتعل ليلًا.

نهارًا، وبعد تشييع فواز في مأتمٍ مهيب، دارت مواجهات عنيفة أخرى بين الجيش والمتظاهرين في شارع المصارف وساحة التل، بعد أن قاموا بإحراق عدد من المصارف، مثل بنك لبنان والمهجر وبيت التمويل العربي والبنك الفرنسي، وقد أضرم المحتجون النار في آليتين تابعتين لقوى الأمن الداخلي كما حطموا عددًا من السيارات.

وكانت مجموعات من الجيش قد تقدمت في الوسط التجاري للمدينة نحو الأحياء والمناطق الشعبية، بعد أن توسعت رقعة المواجهات في زواريب المدينة، تحت غطاء كثيف من إطلاق النار من أسلحة رشاشة في الهواء، وعمدت إلى محاصرة المحتجين، لا سيما في ساحتي النجمة والسرايا القديمة ومنطقة الزاهرية - الدباغة، ما أدى إلى سقوط جرحى. أما المحتجون، فقد عمدوا إلى استخدام الحجارة وإضرام النيران في الحاويات.

مخاوف العداوة
الخوف الأكبر في طرابلس الآن هو أن تستعيد المدينة مجددًا سيناريو العداوة مع الجيش، والذي دفعت ثمنه غاليًا في السنوات الماضية، وتحديدًا أثناء معارك جبل محسن وباب التبانة ونهر البارد.

ففي أثناء المواجهات العنيفة المستمرة ليلا في طرابلس، عمد عدد من سكان المدينة والميناء إلى الخروج إلى شرفاتهم، قارعين الطناجر احتجاجاً على التوترات الأمنية والمواجهات مع الجيش، في لحظة قدوم تعزيزات عسكرية إلى المدينة، وعلى رأسها فوج مغاوير البحر، لقمع الاحتجاجات وأعمال الشغب. 
وهذا السيناريو الأمني الخطير يحدث فيما السلطة صامتة ومتوارية، وكأنها مرتاحة لأن تكون بعيدة ومتوارية، تاركة المؤسسة العسكرية وحدها مضطرة أن تكون هكذا في مواجهة المواطنين الغاضبين. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها