الإثنين 2020/03/09

آخر تحديث: 00:11 (بيروت)

النساء في بيروت يهتفن "النظام الأبوي أخطر من كورونا"

الإثنين 2020/03/09
النساء في بيروت يهتفن "النظام الأبوي أخطر من كورونا"
قالت إحداهن: "لا نستطيع أن نختبئ في منازلنا ونترك البلاد بين أيدي شبيحة" (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

لم يكن يوم المرأة العالمي كما كان مُنتظراً. يوم السبت، اجتمع القائمون على التظاهرات التي كان قد دُعي إليها، لإحياء هذا النهار كما تعودن في كل عام. إلا أنه بنتيجة الاجتماع، خرج المُجتمعون بقرار إلغاء التظاهرات "بسبب عجز الدولة اللبنانية وعدم جهوزيتها للتعامل مع فيروس كورونا، وحرصاً على بعضنا ومراعاةً لمخاوف الناس وظروفهم، خصوصاً أن كثراً كانوا سيستخدمون النقل المشترك للوصول إلى نقاط التجمع".

رغم تهديد المرض
طبعاً هذا القرار انعكس كثيراً على حجم المشاركة. الناس خائفة من فيروس يبدو إلى الآن عصياً على كل أنواع العلاج. لكن، الفيروس "ليس أسوأ أو أخطر من نظامنا الأبوي". تقول بغضب، فتاة في أوائل العشرينيات كانت من أوائل الواصلين إلى مكان التجمع، الذي كان مقرراً قبل فعل الإلغاء. هي تريد أن توصل صوتها ولا ترى في تهديد المرض عائقاً. بل على العكس: "الخضوع لهذا التهديد هو إمعان في فتح المجال لهذه السلطة كي تتحكم بنا كنساء وكمواطنات ومواطنين غير قادرين على العيش بالحد الأدنى. لن نعطيهم فرصة إذلالنا أكثر".

هذا الموقف، يُشاركها فيه نسبياً من نزل إلى المتحف. من هناك حوالى الساعة 12 ظهراً بدأ التجمع. كُل من لا يهتم بقرار إلغاء التظاهرة وأراد إيصال صوته، حضر. لم يكن العدد كبيراً في بادئ الأمر. قلة أتوا رافعين شعارات ترفض النظام الأبوي وتريد إسقاطه. شيئاً فشيئاً بدأ العدد يتزايد. أمام المتحف، وقفت عاملات أجنبيات ليوصلن أصواتهن المقموعة بسبب نظام الكفالة. تحمل إحداهنّ علم بلادها، سريلانكا التي هجرتها من أجل أن تأتي إلى لبنان وتعمل، لا لكي تُضطهد. في هذا الوقت، كان المشاركون غالبيتهم من النساء، مع حضور قليل نسبياً للجنس الآخر. على مقربة من تجمع النساء، يقف رجل خمسيني يحمل يافطة تطالب بقضاء مُستقل. هو نفسه كان خلال المسيرة يُبدي امتعاضاً من النساء بسبب التوقف المُستمر الذي كان يحصل بين الحين والآخر. لكن غاب عن ذهنه أنه في هذا اليوم، هو يرفع شعارات الانتفاضة، لأن النساء يحيين يومهن، وهن من أعطينه فرصة التعبير عن رأيه السياسي.

لن نختبئ
بعد ساعة على بدء التجمع، كبر العدد، كثيرات لم يلتزمن بقرار عدم المُشاركة، لكن لسن كالفتاة غير آبهات بكورونا. يتحدثن مع بعضهن من بعيد، "الغسول" حاضر دائماً لينظفن أيديهن بين الحين والآخر: "نحاول بالحد الأدنى وقاية أنفسنا، لكننا أيضاً في الوقت نفسه نعلم أننا لا نستطيع أن نختبئ في منازلنا ونترك البلاد بين أيدي شبيحة"، تقول سيدة كانت تتحدث مع صديقاتها، وإلى جانبها وقفت امرأة تحمل لافتة رُسم عليها تُفاحة "وبدنا نخلص من هالكذبة".

المتظاهرات انطلقن سالكات طريق المتحف باتجاه رأس النبع. في الطريق، كانت التظاهرة تكبر شيئاً فشيئاً ولكنها بقيت خجولة نسبياً، جريئة في تحدي الظروف المحيطة بها وباللبنانيين جميعهم. بعد دقائق وقبيل الوصول إلى أمام منزل قائد قوى الأمن اللواء عماد عثمان، فتاة عشرينية تحمل "ميغافون"، حرصت على أن توصل الصوت عالياً "يسقط يسقط حكم الأزعر، نحن الشعب الخط الأحمر"، ومن خلفها مجموعة من النساء شبكن أيديهن ليتقدمن التظاهرة، رحن يهتفن وراءها، بعضهن بسقف عالٍ، البعض الآخر أقل، لكن الهدف واحد: المساواة. هذا في ما يخص قضايا المرأة. جميعهن بسقف عالٍ واحد في ما يخص النظام: سقوطه ضرورة، اليوم اليوم.

.. والكورونا ع صباطي
في رأس النبع، كان الهتاف المكرر دائماً والذي يدعو "يلي واقف عالبلكون نزال نحن شعبك هون". لكن، من وقفوا على الشرفات قلّة. بيروت يوم الأحد عادة ما تكون هادئة. لكنها اليوم بدت أقرب إلى المدينة المهجورة. سُكانها بعضهم يختبئون من الوباء، وبعضهم الآخر يستفيد من شمس لم يرها كثيراً طيلة أشهر، فيما اللواتي يتظاهرن هتفن "بدنا نرقص بدنا نغني بدنا نسقط النظام". نساء يرقصن على وقع عزف طبل مُتقن من إحدى المشاركات. رقص ممزوج بغضب جعل الحماسة تكبر والشعارات ترتفع، "الثورة نسوية" و"يسقط رئيس الجمهورية" و"قانون مدني للأحوال الشخصية" وطبعاً الأهم، "يسقط حكم الدين"، "حكم الشيخ والخوري". على هذه تحديداً، ابتسامة خجولة ترتسم على وجه امرأة "محجبة" لم تجرؤ على الهتاف معهن، بل تركت لابتسامتها أن تقول ما تشعر به فعلاً. ابتسامة يقطعها صوت يصدح من الخلف: "لا منخاف ولا منطاطي والكورونا ع صباطي".

فاهيتا.. طاووق
وعلى جاري العادة، موعد كُل تظاهرة مع جسر الرينغ حاضر. عرجت المتظاهرات على المكان الذي اعتدن على أن يقضين أيامهن فيه، يقطعن الطريق ويشتبكن مع قوى الأمن ويصرخن ضد حكم العسكر والنظام الطائفي والأبوي. وقفن لدقائق، فتدخل بعض عناصر قوى الأمن الذي حاولوا أن يفتحوا الطريق عبر الطلب من المتظاهرات بألا يقفن وسط الشارع، وهنا أتى الرد، بالكثير من السخرية: "فاهيتا، طاووق، يا وطن بدنا نروق". قبل أن يُكملن طريقهن إلى جمعية المصارف، حيث حصل حكم المصرف على حصته من الهتاف، كذلك حاكم المصرف، واللافت أكثر، من ضمن هتافات كثيرة تشتم السلطات والقضاة وكل من ساهم في إيصال البلاد إلى ما هي عليه، كان هتاف بعضهن ضد "الأب"، ثُم أكملن الطريق إلى رياض الصلح.

انتهت التظاهرة في ساحة الشهداء. هناك، الجيش أكثر من المتظاهرات، كانوا مجهزين لحماية معاقل من يحمي الدولة الطائفية والنظام الأبوي. حمايتهم ممن؟ من نساء يعانين الأمرين، أردن في يومهن العالمي أن يرفعن الصوت عالياً وليطالبن بحقوقهن، والذي يقف من ضمن من يقف بوجه تحقيقه، مجموعة قابضة على حياة كُل اللبنانيين، وتحديداً النساء. مجموعة من الطائفيين الذين يحتمون بنظام طائفي، هو علّة وجودهم وبقائهم، نظام سيسقط ولو بعد حين، ومعه سيسقط الكثير من الظلم، الذي لا يكل وهو يلاحق المرأة في كُل تفصيل من تفاصيل حياتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها