الأحد 2020/03/22

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

الخوف في مخيمات اللجوء البقاعيّة ومنها.. وموظفو الأمم يتوارون

الأحد 2020/03/22
الخوف في مخيمات اللجوء البقاعيّة ومنها.. وموظفو الأمم يتوارون
نصيحة "خليك بالبيت" قد لا تبدو صحيّة تماماً في تجمعات اللاجئين (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease
خيّم مشهد "التعبئة العامة" على محيط معظم مخيمات النازحين السوريين البقاعية في اليومين الماضيين (الخميس والجمعة 19 و20 آذار الجاري). لكن لم يعرف ما إذا كان كورونا والتعاميم التي تضع المخيمات تحت المراقبة المشددة هما السبب، أم أمطار آذار التي حبست الأطفال قبل أهلهم داخل الخيم، وفرضت نوعاً من حظر التجول المطلوب حتى 29 آذار الجاري.

تكدُّس في الخيم
المهم أن حال المخيمات في ظل كورونا لم يعد كحاله قبلها. ويمكن الحديث هنا عن تزايد حذر المجتمعات المضيفة منها، وتوجسها من تحولها بؤرة لانتشار الفيروس في البقاع، فيما يتخوف المقيمين في المخيمات من احتمال استدراج الفيروس من الخارج إليها، فيتسبب بهلاك أهلها.

معظم اللبنانيين يتعامل مع مخيمات السوريين كبؤر قد ينفجر فيها ومنها وباء كورونا. فبعدما نُشر على فايسبوك بوست عن ضرورة عدم تجمع اللاجئين أمام آلة سحب النقود المصرفية، واتباع إرشادات الوقاية، صبَّ البعض عنصريته عليهم وسماهم "كورونا".

في الواقع لم تسجل حتى الآن أية حالة كورونا في المخيمات، التي تتفشى فيها حالات رشح وزكام تصيب معظم أطفالها. والحالات هذه مرتبطة في معظمها بعدم توفر أبسط وسائل التدفئة، فيما يسرح الأطفال في العراء حفاة وبلا ثياب تقي من البرد.

لكن نصيحة "خليك بالبيت" قد لا تبدو صحيّة تماماً في تجمعات اللاجئين، التي تجمع كمعدل وسطي بين 9 و13 شخصاً يقيمون في خيمة واحدة فيها حمام واحد لقضاء حاجاتهم. ويتكدسون على فرش متلاصقة في الليل. هذا داخل الخيم. أما في الخارج فيصعب تحاشي التنقل في مساحات شديدة الضيق. إضافة إلى انعدام البنى التحتية المشتركة، وخصوصاً لمياه الشرب. وهكذا ينتشر الأطفال في العراء بأنوف مزكّمة قرب برميل مياه. وقد تتحول أيديهم التي تتناوب على حنفية واحدة تصب مياهها في البرميل، مصدر خطر أساسي في زمن كورونا.

تبعنا طفلاً إلى خيمة أهله، فأخبرنا في الطريق عن الإجراءات التي اتخذتها والدته في البيت: منعهم من لمس أي شيء قبل غسل أيديهم جيداً وتعقيمها عند دخولهم الخيمة.

الجوع وكورونا
تطلعنا الوالدة على مستحضرات التنظيف التي اشترتها من محلات "one dollar" قبل أيام، بعدما هددهم الشاويش بأنه سيبلغ البلدية عن أي شخص لا يلتزم شروط النظافة والتعقيم، ويسطير محضر ضبط بحقه.

يعيش في الخيمة 13 شخصاً، بينهم أطفال يتوزعون أرجاء غرف ثلاث بينها المطبخ. "العيشة مش سهلة"، تقول الوالدة. وعلى رغم إجراءات الوقاية التي اتخذتها، لا تبدو السيدة مطمئنة إلى سلامتها وعائلتها، طالما أن جيرانها "من العرب" - على ما تسميهم - ويستخفون بإجراءات الوقاية.

على بعد أمتار قليلة محل سمانة يديره من سمتهم السيدة "العرب". يتجمع في المحل أكثر من أشخاص خمسة، محدقين في شاشة التلفزيون، غير مبالين بإجراءات تقيهم انتقال العدوى: "نحن ميتين ميتين" يقول أحدهم، ويضيف: "ما الفرق إذا متنا من الجوع أم بكورونا؟!".

خوف من المخيمات
تتفاوت المبادرات الذاتية في إجراءات السلامة العامة في المخيمات، فيما يفرض كورونا حال رعب اجتماعي متبادل بين النازحين والمجتمعات المضيفة. وهذا حتّم إصدار تعاميم رسمية كثيرة، تشدد على إجراءات وقائية، قد يكون دافع بعضها الخوف من المخيمات وليس عليها. لكن نتائجها تصب في مصلحة الطرفين، اللبناني والسوري.

أما آخر هذه التعاميم فكان ما صدر عن محافظ البقاع كمال أبو جودة من توصيات للبلديات، وطلبه منها اتخاذ أقصى درجات الحيطة في المخيمات ومحيطها، ومنع دخول الباعة المتجولين إليها، وإلزام النازحين بعدم مغادرتها إلا عند الضرورة. وطلب المؤازرة الأمنية عند الاقتضاء.

تلقفت معظم البلديات هذا التعميم، في سعيها لتخفيف قلق مجتمعاتها من المخيمات، فتمادت في إجراءاتها ومنعت أهالي المخيمات من مغادرتها كليا.

ويقول شاويش أحد المخيمات، إن "خيمة المضافة" في التجمع أغلقت. بعدما كان الرجال يتجمعون فيها ليلاً، وطلب منهم عدم مغادرة خيمهم إطلاقا، على أن يسلموا رجلاً واحداً منهم لائحة بطلباتهم، ليقوم بالتبضع يومياً ويوصل الأغراض إليهم.

لكن بعض العائلات رفضت هذا الإجراء واعتبرته تقييداً كليا لحريتها. لذا أصر البعض على الذهاب للتبضع، حتى لو كان جزاؤه إبلاغ الجهات البلدية عنه.

في المقابل، يعتبر رؤساء البلديات أن التعاطي مع المخيمات في ظل "الأزمة المتفشية" يزيد من حجم الأعباء الملقاة عليهم، وخصوصا في ظل ضغط المواطنين الذين يطالبون بتعقيم الشوارع، وفرض إجراءات العزل الكلية بين البلدات والمناطق والمخيمات.

ويدعو القيمون على البلديات المنظمات المانحة إلى تحمل مسؤوليتها في هذه المرحلة، ووضع برامج واضحة لتعقيم المخيمات وتأمين وسائل التعقيم الفردية لكل منها، وصولا إلى تأمين مقومات العيش للأكثر فقرا بينها، بدلاً من الإكتفاء بنصائح وإرشادات توعية، لا يحتاجها النازحون الذين لدى كل منهم جهاز تلفزيون، يتلقى منه المعلومات.

ومن إغلاق المعابر
يتفق النازحون مع المجتمعات المضيفة على كون الجهات المانحة هي الأقل فاعلية في التعاطي مع أزمة كورونا. وكأن فرقها توقفت عن العمل والتزمت عزلاً منزلياً، تاركة المخيمات قنبلة موقوتة وسط تجمعات سكنية مضيفة يدب فيها غليان يفاقمه واقع اقتصادي مزرٍ يعيشه معظم من خسروا مصادر دخلهم. أما اللاجئون فباتت بطاقة غذاء المنظمات الدولية التي تؤمن لكل فرد 40 ألف ليرة شهريا، مصدر دخلهم الوحيد.

وتتصاعد الهواجس حيال تفشي كورونا، من ثغرات التغطية الصحية للنازحين، والتي لم تتمكن الجهات المانحة من معالجتها في السنوات الماضية. وهذا يبقي الباب مفتوحا على سوريا لتلقي علاج مجاني، عن طريق المعابر غير الشرعية.

وإذا كانت "التعبئة العامة" قد فرضت تشدداً أمنيا استثنائيا في إغلاق المعابر، يتساءل النازحون عمن يسعفهم في حال أصيب أحدهم بالفيروس؟

الصورة لديهم سوداوية، في ظل الحديث على مسامعهم عن عدم قدرة النظام الصحي اللبناني على تغطية اللبنانيين في حال تفشي الوباء، فكيف الحال إذا كان المصابون من الـ"ضيوف" السوريين؟!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها