الإثنين 2020/03/16

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

مكافحة "كورونا": خطة الرعاية النفسية الوطنية تنطلق هذا الأسبوع

الإثنين 2020/03/16
مكافحة "كورونا": خطة الرعاية النفسية الوطنية تنطلق هذا الأسبوع
تدريب الأطقم الطبية على التعامل مع حالات القلق عند المصابين وأهلهم (Getty)
increase حجم الخط decrease
"في مكان الانفجار، أينما وَليت وجهكَ، كل شيء قابلٌ للإنفجار". هذا ما كتبه محمود درويش عن ثقل الحروب والانفجارات والموت المتنقل.

اليوم، مع انتشار وباء كورونا عالمياً ومحلياً، يعيش اللبنانيون حالة "هيستريا جماعية" شبيهة بما كان يحصل بعيد دوي الانفجارات: الشاشات تولول، وحمى في الاجتماعات السياسية والطبية لمكافحة الفيروس، وهلع وإلحاح على اللبنانيين التزام الحجر المنزلي.

الهروب والمواجهة
كل هذا مطلوب. لكن، مع الإعلان عن الاجراءات والتعليمات وشبه حالة الطوارئ، هل تولي الدولة اللبنانية أهمية لضرورة تقديم خدمات الصحة النفسية للمواطنين في ظل أزمة كورونا؟

المقولة السمجة التي سأم منها كُثر: "نحن شعب نواجه الموت بالنكات"، هي في حقيقتها لها بعد نفسي، وربما تفسر كيفية تعاطي الشعب اللبناني مع الأزمات العامة، ومع وباء كورونا.

فوفقاً للطبيب والمعالج النفسي الدكتور طوني صوما، فأن الأزمات تُظهر طبيعة الشخصيات الاجتماعية للجماعات والشعوب، ومستوى وعيها في التصرف. وحسب صوما، عندما يستشعر الإنسان بخوف أو قلق من الموت، ينشط بقوة جزء من الدماغ يُسمى "Amygdala، أي لوزة المخ". وينتج عن ذلك رد فعل نفسية هي Fight or flight، أي الهروب أو المواجهة والقتال. وهذا ما نشهده في سلوك اللبنانيين حيال الأزمة: شطر كبيرٌ يهرب من الخوف، ويلجأ إلى الضحك لإبعاد الخطر. والقسم الآخر يختار المواجهة، وهو رد فعل متفاوت، يختلف حسب قدرة الأشخاص العقلية والثقافية.

فحالة التوتر والقلق البالغة، ولوم المسؤولين على تقصيرهم في التعاطي مع إنتشار الفيروس، وعدم تصديق ما تنشره السلطات من بيانات وتقارير، من سُبل المواجهة التي يعتمدها قسمٌ من اللبنانيين. ما يدفع بهم إلى تضخيم الأمور ونشر معلومات مغلوطة. وهذا ما يفسره صوما نفسياً بأنه حالة فقدان ثقة مطلقة بالدولة والمؤسسات. وهذا مرتبط بمفهوم الدولة في الذهنية اللبنانية. فبعد انتهاء الأزمات أو الحروب لا تجري محاسبة، ولا التعلم من الأخطاء التي وقعت، كتجربة الحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً، وإنتهت من دون محاسبة أي من المسببين بها.

فيما يعمد آخرون إلى "المواجهة القتالية"، أو المواجهة المسؤولة. كلجوء البعض إلى خلق مبادرات للمساهمة في حل الأزمة، وتبني حملات تضامن وتكافل وتطوع لمواجهة فيروس كورونا: مثل حملة توعية #خليك -بالبيت، و حملة التطوع لتوصيل البضائع والاحتياجات لمن يحجرون أنفسهم منزلياً. فوفقاً لصوما، هؤلاء أفراد يقرون بعجز الدولة على مساعدة الشعب على الصعد كافة، لكنهم اختاروا القتال والدفاع عن أنفسهم وعن الآخرين لمواجهة مشاعر الخوف والقلق.

وبحسب المشورة النفسية، يدعو صوما اللبنانيين إلى ضرورة تغليب مشاعر الوعي والمسؤولية بالتعاطي مع الأزمة. وأهمها الإلتزام بالتعليمات والإرشادات وعدم الإقرار بفكرة: "المرض بعيد عني ولن يصل إلى بيتي". فهذه المقولة جعلت اللبنانيين يعيشون تحت الصدمة لدى تسجيل أول حالة وفاة. وهذا ما أحدث حالات هلع وهيستيريا جماعية على وسائل التواصل الاجتماعي.

شراكة للدعم النفسي
حالة القلق والتوتر والأفكار السلبية التي تجتاح لبنان، تدفع بالسؤال عن ضرورة الدعم النفسي للمرضى المحجور عليهم، وللمحجوزين منزلياً، والذين يتلقون العلاج في مستشفى رفيق الحريري، إضافة للدعم النفسي لذويهم. لذا، ينشط ضمن خطة أزمة مكافحة كورونا البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة، والذي يعمل على تطوير خطة شاملة متعلقة بالدعم النفسي للتعامل مع الأزمة، بالشراكة مع منظمة الصحة العالمية واليونيسيف ومنظمات المجتمع المدني.

ويرى مدير البرنامج الدكتور ربيع شماعي في حديثه إلى "المدن"، أن مشاعر التوتر والقلق هي رد فعل طبيعي في ظل هذه الأزمة. لكن يجب أن نذكّر أنفسنا والمحيطين بنا بأن جميع المصابين سيتماثلون للشفاء، في حال الالتزام بالإجراءات الصحية والوقائية كافة. كما لفت إلى أن البرنامج الوطني، منذ بدء استقبال حالات كورونا في المستشفى، كان على تواصل مع مستشفى رفيق الحريري، لتقديم الدعم للأشخاص في الحجر الصحي، وللطاقم الطبي والتمريضي، من خلال الهاتف، ريثما يتم تفعيل الشبكة الوطنية بواسطة اختصاصيين وأطباء نفسيين قادرين على تقديم الخدمات النفسية على نطاق أوسع.

وأعلن شماعي، أن خطة الرعاية النفسية المتكاملة ستكون جاهزة ومتاحة أمام الرأي العام بأكمله في الأسبوع المقبل. وسينشط دور البرنامج في المستشفيات التي ستُجهز لإستقبال المرضى، عبر تدريب الممرضين على التعاطي مع حالات التوتر والقلق لدى المرضى وذويهم.

إرشادات
ومن أبرز الإرشادات التي يقدمها شماعي للرأي العام، هي ضرورة عدم قضاء وقت طويل في متابعة الأخبار المتعلقة بكورونا، وخصوصاً مع الكم الهائل من المعلومات المغلوطة. ويدعو إلى التوجه إلى المصادر الموثوقة للاطلاع على المعلومات، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لوزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية.

وحسب شماعي، فأن الخطة تتضمن عدة محاور وإرشادات للمواطنين الملتزمين بالحجر المنزلي لكيفية تمضية الوقت، ومساعدتهم لوضع خطة للتغلب على الروتين والقلق الذي يسود في هذه الفترة: تفعيل نشاطاتهم المنزلية بزيادة المطالعة، واللعب مع أطفالهم واللجوء إلى ممارسة التمارين الرياضية والاسترخاء. وتدعو الخطة إلى ضرورة بقاء المنعزلين في المستشفى وخارجها على تواصل مع أصدقائهم والعالم الخارجي، عبر وسائل التواصل، سواء المكالمات الهاتفية أو الدردشة الإلكترونية ومكالمات الفيديو. وهذا نوع من الدعم النفسي الجماعي بين المواطنين كافة.

وتولي الخطة أهمية لضرورة مصارحة الأطفال بما يحصل، وتقديم الإرشادات الصحية لهم بطريقة تناسب أعمارهم، وحثهم على تطبيقها كنشاط ترفيهي يومي في المنزل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها