الأربعاء 2020/02/05

آخر تحديث: 00:06 (بيروت)

لجنة المحامين والنقيب خلف.. نكهة العدالة في ثورة تشرين(2)

الأربعاء 2020/02/05
لجنة المحامين والنقيب خلف.. نكهة العدالة في ثورة تشرين(2)
تحولت لجنة المحامين إلى قوة ضغط حقيقية (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

يذهب البعض إلى القول أن واحداً من أهم إنجازات الثورة هو ما حدث في نقابة المحامين. وقد يجد في نشاط "لجنة المحامين للدفاع عن حقوق المتظاهرين في لبنان" توكيداً على أهمية التغيير الذي طال النقابة مع انتخاب ملحم خلف نقيباً لها. هنا الجزء الثاني والأخير:

تطوعت المحامية نرمين سباعي في لجنة المحامين للدفاع عن حقوق المتظاهرين منذ العام 2015، وهي تشير إلى مسألة "الكيدية في الاستدعاءات" التي يراد منها إرهاب الثوار. و"التدخلات السياسية في القضاء" التي تدفع إلى استدعاء الناس من دون وجود جرم جزائي أو سند قانوني وتقدم مثالاً "القاصرين الذين جرى توقيفهم في منطقة حمانا على خلفية تمزيق لافتة للتيار الوطني الحر". كذلك "الشباب الذين تم توقيفهم في منطقة حاصبيا لكتابة شعار 17 تشرين على صور الشخصيات السياسية".

الأمثلة المشينة
وتقول: "إن عمل النيابات العامة وتحركاتها في هذا المجال، مخزٍ فعلاً، لا سيما عندما يكون هناك كيل بمكيالين، ونرى أشخاصاً يتم الاعتداء عليهم ويسجل لهم اعتذارات "قبل السحسوح" و"بعد السحسوح". ولا يتم توقيف المعتدي أو استدعائه ولا يتم فتح أي تحقيق. وإذا فتح تحقيق لا يكون جدياً، على الرغم من أن هناك أشخاصاً جاهروا بالاعتداء على الثوار وأبدوا فخرهم بالصوت والصورة من دون أن يتم توقيف أحد منهم. ومن تقدم بشكوى ضد المعتدين حُفظت شكواه". وتقدم المزيد من الأمثلة عن "الكيل بمكيالين" فتتحدث عن الاعتداء الذي طال المحلات في رياض الصلح في بداية الثورة مقابل الاعتداء الذي تعرضت له "استراحة صور" وتقول: "عندما قام بعض الأشخاص بالتكسير والتخريب في بيروت ودخلوا محلات puma، أخلى النائب العام في بيروت سبيلهم في اليوم نفسه. الأفعال نفسها حدثت في استراحة صور فاعتقلوا الشبان نحو أربعين يوماً، نتيجة التدخلات السياسية من قبل جهة معينة في الجنوب".

وتشدد سباعي على مشكلة عدم مراعاة الأصول وصلاحية بعض المكاتب في التحقيق مع الموقوفين، وتعطي مثالاً عن خضوع الشباب في حاصبيا للتحقيق من قبل الشرطة العسكرية وتقول: "إذا اعتبرنا أن هناك سنداً قانونياً مرتبطاً بالقدح والذم، فإن الجهة التي من المفروض أن تحقق معهم هي جهة عدلية وليست عسكرية".

وتابعت: "الأمر نفسه يحصل في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، وما حصل مع الناشط ربيع الأمين الذي قام بالتصريح عبر شاشة التلفاز، استُدعي من قبل مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بينما يفترض أن يتبع محكمة المطبوعات. من جهة أخرى، نجد أن شعبة المعلومات التي تقوم مهامها على التحقيق بجرائم محددة وكبيرة ومهمة، تحقق مع المتظاهرين. وهنا نسأل أين هي الجرائم الكبيرة والمهمة بأناس يتظاهرون وسط المدينة، كي يُحوَّلوا إلى التحقيق لدى شعبة المعلومات، بينما لا صلاحية لها بذلك. فهم ليسوا إرهابيين؟".

وتتحدث سباعي عن شرطة مجلس النواب وتختصر عملها بعبارة "فاتحة على حسابها". وعنها تقول: "إن شرطة المجلس تشكل فرقة مسماة "استقصاء مجلس النواب"، وبالإمكان القول أنهم يرتكبون الفظائع، وهم لا يضربون المتظاهرين وحسب، وإنما يقومون بأعمال التنكيل والضرب المبرح وتقييد الأشخاص وجعلهم يجلسون إلى الأرض، ثم يتم الدعس على رقابهم وتوجيه الشتائم والسباب لهم. كما يتعرضون للتحرش الجنسي من خلال وضع العصي بمؤخراتهم، والطلب من البعض القيام بالنباح في محاولة متعمدة لإهانتهم. وكل ذلك موثق بالصور. أما الغريب في الأمر فإن وزيرة الداخلية السابقة لا تعرف عنهم شيئاً ولا من يتبعون".

نحو رفع سقف الحريات
ولفتت سباعي إلى أن لجنة المحامين للدفاع عن حقوق المتظاهرين في لبنان، ستقوم قريباً بتقديم شكاوى نموذجية حول ما تعرض له المتظاهرون من ضرب وتعذيب واستخدام الرصاص المطاطي. فكل هذا الأفعال نقوم بتوثيقها. ونحاول التواصل مع المصابين لمعرفة إن كانوا يريدون التقدم بشكوى، لأن أهم مسألة هي المحاسبة والمساءلة.

وعن تجربتها في لجنة المحامين تقول: "إن ما نقوم به هو من منطلق أخلاقي ووطني، ليكون ضميرنا مرتاحاً. وبطبيعة الحال إن مهنة المحاماة هي مهنة رسالة وعدالة، تقوم على قيم المدافعة عن حقوق الإنسان والحريات العامة. ومن المهم الاستفادة من الأحداث التي تحصل لنقوم بتكريس اجتهادات معينة. فمن الأمور الأساسية التي تهمنا في الثورة أن تتشكل أرضية كي نقوم بتعديل القوانين والتشريعات فيما بعد. وهذا ما حصل معنا في العام 2015 ، حين حصلنا على اجتهادات لافتة ومميزة، فيما خص تعرض بعض الأشخاص للشتائم والسباب، فاعتبرت القاضية في حينه أن شتم الموظف العام ليس عملاً غير قانوني. وبناء عليه، نكون قد أسسنا للقول أن الشخص الموجود في الحيز العام ويعمل في هذا المكان هو شخص معرض للنقد. وهكذا، نكون قد رفعنا سقف حرية الرأي والتعبير. وبالإمكان رفعها أكثر من خلال ما يجري خلال الثورة".

تطوع المحامي جاد طعمة في لجنة المحامين مع بداية الثورة في 17 تشرين الأول 2019. تحدث عن تحديات واجهت اللجنة ونوه بأنه "حين جرت التوقيفات نتيجة الاعتداء على استراحة صور، طُلب من لجنة المحامين أن تحصل على تكليف من قبل نقابة المحامين لمتابعة الموقوفين، وقد كان حدثاً بارزاً أنه منح التكليف بأقل من 24 ساعة. لكن من ثم تمت إعادة سحبه تحت ضغط التدخلات السياسية للجم دور اللجنة. ومع ذلك تمكنت من خلال الجهد المشترك والتجميع المشترك بين أعضائها أن تقوم بتنظيم وكالات عن الموقوفين، حتى تبقى هي المتصدية للموضوع، كونها نالت ثقة الأهالي وأصبح الخط الساخن 78935579 يتلقى اتصالات من كل الناس الذين يثقون بعملها".

يرى طعمة أن "لجنة المحامين" من خلال "جديتها في العمل ومصداقيتها" استطاعت أن"تكسب ثقة الناس، وأن تضفي نكهة معينة على جو ثورة 17 تشرين الأول، وأعادت ترسيخ صورة المحامي حامي الحريات وصاحب رسالة العدالة والمقدام باقتحام المواقع الأمامية من أجل تحقيق الصالح العام للمجتمع".

ما قبل خلف ليس كما بعده
ويسترجع طعمة انتخابات نقابة المحامين الأخيرة، التي أفضت إلى فوز النقيب ملحم خلف، وكيف أن وجوده أسهم في تبديد بعض العراقيل التي تواجه لجنة المحامين. وعن ذلك قال: "كانت اللجنة تصطدم أحياناً بإعاقات تتعلق بصلاحياتها أو بممارسة الدور الطبيعي للمحامي، لاسيما فيما يتعلق بنص المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تبيح للشخص أثناء توقيفه احتياطياً أن يوكل شخصاً على محضر التحقيق الأولي، وأن يتواصل مباشرة مع المحامي الذي يستطيع أن يراه لطمأنة عائلته، أو على الأقل أن ندرك أسماء الأشخاص الموقوفين ونعرف أين تم توقيفهم وإلى أين تم سوقهم. وقد كان لنزول النقيب ملحم خلف إلى ثكنة الحلو الأثر البالغ في هذا السياق. وكذلك نزوله إلى فصيلة جونية. وهاتين الزيارتين كرستا نهجاً معيناً، عرفت بعدها الأجهزة الأمنية أن ما قبل انتخاب ملحم خلف يختلف عما بعده. هذا من دون أن نغفل عن زيارته لكل من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات. وما لهذه الخطوة من أهمية".

وشدد طعمة على أن لجنة المحامين اكتسبت مصداقية من خلال مقاربتها للأمور بموضوعية، وتوثيقها للأحداث وإصدارها لأرقام منطقية وغير مبالغ بها.. الأمر الذي دفعها لأن تشكل قوة ضغط حقيقية يحسب لها ألف حساب. إن هذه الجدية في العمل أعطاها هذا الرصيد والاحترام بذهن القضاة والقوى الأمنية ومجتمع المحامين، حتى غدت بياناتها تعتبر مرجعاً صادقاً ومصدّقاً لدى العديد من الجهات، سيما وسائل الإعلام".

البعد الإنساني والثقافة القانونية
أما عن الفائدة المكتسبة من تجربة التطوع ضمن لجنة المحامين فقال: "إن تجربة العمل الجماعي والتعاون بين مجموعة كبيرة من المحامين وتوزيع العمل، يسهم في تطوير السلوك المهني والفردي. إذ ثمة رافعة معنوية يشعر بها المنضوي في اللجنة التي تتابع العديد من المتظاهرين على امتداد الأراضي اللبنانية. كما تعمل على تعزيز التعارف وأواصر اللحمة بين المحامين. وهذا من أهم مظاهر عمل اللجنة. فالكل يعمل تطوعاً، والكل يحمل هم الشأن العام، والكل لديه دافع إنساني بتقديم العون القانوني لكل مستغيث. ناهيك عن أن توحيد رقم الخط الساخن الذي يستقبل الاتصالات ويوزع المهام، يعني أن هناك عامل ثقة بين محامي اللجنة، إضافة لوجود مركزية في توزيع العمل. كما أن تقديم بعض الشكاوى النموذجية، استناداً لقوانين صدرت حديثاً من شأنه تعزيز الثقافة القانونية، إضافة لشعور عضو اللجنة بأنه يقوم بمهام قانونية غير تقليدية".

أضاف: "إن التواصل المباشر مع أوجاع الناس تعطي لمهنة المحاماة وعضو اللجنة بعداً إنسانياً في الرؤية لقضايا الناس. كما أن احتضان النقابة لعمل اللجنة بعد انتخاب النقيب ملحم خلف، يخلق انسجاماً وتبادلاً صحياً للأدوار والمعلومات بين نقابة المحامين ومحامي اللجنة، ما يعزز شعور المحامي بالانتساب للنقابة والافتخار بهذا الانتساب. كل هذه الأسباب تجعل من هذه التجربة غنية ومميزة واستثنائية، ساهمت في تعزيز الشخصية القانونية لكل عضو من أعضاء اللجنة. وأنا منهم طبعاً".

إذاً فيما تنهمك لجنة المحامي للدفاع عن حقوق المتظاهرين في لبنان، في الاستعداد لتقديم الشكاوى النموذجية، إزاء ما يتعرض له المتظاهرون في ساحات الثورة، يستمر نقيب المحامين ملحم خلف بإثبات جديته في الدفاع عن حقوق الإنسان، التي بدأها بفتح ملف السجون فور تسلمه لرئاسة النقابة. لكن داخل نقابة المحامين أيضاَ هناك قضايا عالقة بالغة الأهمية وفي مقدمتها ملف التأمين الاستشفائي. فهل ينجح خلف الذي تخطى الحواجز الحزبية، بأن يخرق المحظور ويفتح هذا الملف، ويعيد للمحامين حقهم في الاستشفاء، ويحمي كرامتهم من الاذلال أمام ابواب المشافي، كما يسعى لحماية كرامتهم أمام أبواب المخافر وفي قاعات قصور العدل؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها