مع مرور السنوات قررت لينا الالتزام الديني، فتحجبت. وتذكرت حينها أن حبيبها الأول يمتلك صوراً لها وهي سافرة. وهذا بحكم الدين والأعراف "لا يجوز"، فطلبت منه إعطاءها الصور بواسطة سائقها. حصلت على الصور. لكن السائق قرر ومن دون علمها الاحتفاظ بأربعةٍ منها، لاستخدامها أداة ابتزاز عند الحاجة. وهذا ما حدث. فمع نشوب أول خلافٍ بينها وبينه، قام السائق بتزويد زوجها بالصور، وشهد أنها صور حديثة العهد، واضعاً لينا في خانة "الخائنة".
على مستوى ثانٍ - والكلام لشقيقة لينا - كان علي على علاقة بصديقة لينا المقربة، وعندما كشفت الأمر طلّقها ودفع لها مستحقاتها كاملة.
موت الحلم ودفنه
على الرغم من طلاقها، بقيت لينا شهوراً سبعاً في منزلها للاعتناء بأولادها. وراح طليقها يلفق التهم في حقها: "أتلقى يومياً اتصالاتٍ تؤكد استمرار علاقتها بالشخص الذي طلب منها الزواج"، أثناء سفره وطلاقهما في المرة الأولى، ادعى علي.
في هذه الأثناء أوهم علي أولاده أن والدتهم تزوجت من شخصٍ آخر، ومنعهم من التواصل معها. لكنه لم يستطع أن يفرض إملاءاته على ابنه محمد الذي أصبح بحكم القانون قادراً على الاختيار. لذا صب علي تسلطه على ابنته مايا، فحرمها من الاتصال بإمها ومن رؤيتها، ممارساً أنواع الترهيب عليها، وواضعاً حراسة مشددة أمام مدرستها.
كانت لينا وابنتها مايا في انتظار بلوغها الابنة سن الرابعة عشرة، لتتمكن الاختيار بين والدتها ووالدها. وأبلغت مايا زميلاتها وأساتذتها بأنها ستختار العيش مع والدتها.
بلغت مايا الرابعة عشر من عمرها بتاريخ 11-12-2019. كانت الوالدة في انتظار انتهاء عطلة الميلاد ورأس السنة، للشروع برفع دعوى قضائية لاسترجاع ابنتها. لكن القدر كان أسرع منها، فتوفيت مايا بتاريخ 25-12-2019، أي بعد 11 يوماً من الموعد الذي انتظرته مايا بفارغ الصبر، لتعود إلى أحضان والدتها. عندما توفيت، طلبت القوى الأمنية من لينا التنازل لعلي كي يُسمح له بدفنها. وافقت لينا ووقّعت، شرط دفن مايا في مقبرة القرية، وأن يسمح لها بحضور مراسم الدفن. لكنه أثناء الدفن طردها مع أهل بلدتها المعزين. لذا طلب مختار البلدة من أهالي القرية فتح منازلهم لاستقبالها مع أهلها.
ضحيتا شرف الرجال
لشهرين لم تستطع لينا زيارة قبر ابنتها في حديقة منزل والدها الخاصة. لم تقدم على الزيارة إلاّ بعد سفر ابنها محمد إلى الخارج، خوفاً عليه من والده. بعد اطمئنانها على ابنها، زحفت لينا إلى قبر ابنتها. ركعت قرب السور الفاصل، خوفاً من أن يراها طليقها. وعمدت شقيقتها إلى تصوير الفيديو المنتشر، لاستخدامه كمادة موثّقة في حال تعرضهن لأي أذى.
إذاً، خلاصة القصة: فتاة قاصر وقعت في السابعة عشرة ضحية العادات والتقاليد البالية التي حالت دون زواجها من حبيبها. ثم وقعت ضحية تسلط خالها الذي أجبرها على الزواج من علي مجدداً. وكذلك ضحية نصوص دينية ورجالات بعمامات بالية، تفرض ظلمها على النساء. ثم ضحية مجتمعٍ سلاحه الوحيد هو استخدام "شرف" النساء مادةً لتكريس سطوة الرجال.
والضحية الثانية طفلة في الرابعة عشرة حرمت من والدتها في حياتها ومماتها، فقط لأن والدها ورجال الدين القيمين، يمتلكون عضواً ذكراً.
وعلى منوال هذه القضية، هناك مئات القصص المماثلة التي تكشف فداحة الظلم. واليوم لا يمكن لثورة لبنان أن تكتمل وتصبح بلون وطعم ورائحة، ما لم تُرفع هذه المظالم الجائرة على النساء. ولا يمكن لهذه الثورة أن تطلب الحرية، ما لم تتحرر النساء من جبروتٍ يفوق قدرة الجبابرة على التحمل.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها