وللعلم فقط، فإنّ المسافرين من لبنان إلى سوريا براً، يتوقّفون للفحص الطبي على الجهة السورية من المعبر. على تلك المعابر أطباء يحملون أجهزة فحص الحرارة من الجبين والأذن، ويتنقلّون على العابرين واحداً تلو الآخر. وهذا الإجراء، حتى لو كان صورياً، يبعث شعوراً بالأمان، أو بالمسؤولية على الأقل. شعور مفقود في لبنان على كل المستويات وفي القطاعات كافة. يكفي أنّ لا سياسة وقائية اعتمدتها الحكومة لعزل مصابي الكورونا أو المشتبه بإصابتهم. ويكفي أيضاً أنه في حال اكتشاف عوارض المرض، ليس في مستشفى رفيق الحريري الجامعي سوى أسرّة أربعة للعزل. يعني لا وقاية ولا عزل ولا خطة. وليس على اللبنانيين أن يهلعوا، لأنّ "الإيمان بالله ولبنان، يصنعان المعجزات".
وإلى جانب كل هذه المشاهد المستجدة نتيجة وصول الكورونا، الكهرباء المقطوعة وأموال الحساب المصرفي المحجوب عن أصحابه والمواد التموينية المفقودة والأسعار المشتعلة وتهديد الإفلاس التام وصولاً للانهيار. وكل هذه المآسي ملفوفة بورقة التعالي والتكبر، مربوطة بشريط العنصرية الرسمية و/أو الاجتماعية، وتقدّمها لنا الدولة وسياسيوها عند كل استحقاق.
عطس طائش
لنتخيّل مثلاً لو أنّ الفيروس القاتل اكتُشف في مخيم للاجئين السوريين أو الفلسطينيين. تلك واقعة كانت لتشكّل قمة في العنصرية والفاشية. وفي الأساس ثمة من يتعاطى مع اللاجئين على أنهم فيروسات، بهيئات بشرية، تضرب المجتمع وتحلّله، تقوده إلى الهلاك الديموغرافي والاقتصادي والثقافي.
في زمن الانهيار والإفلاس، يحلّ كورونا على لبنان ليجهز على اللبنانيين. ينضمّ الفيروس إلى لائحة الفيروسات السياسية والمصرفية التي تنهشهم منذ عقود، لكن مفعوله مضاعف. يضع حياتهم على المحكّ من جهة، ويعزّز فشل دولتهم من جهة أخرى. وكأنّ الفيروس ينقصهم لينغّص يومياتهم أكثر. كأن لا تكفيهم عروض حسان دياب الفارغة على "الباور بوينت"، ولا إطلالات جبران باسيل المتلفزة وما في جعبة أنصاره من قيء عنصري وطائفي. لا تكفيهم قرارات المصرف وحاكمه، ومعه كل من مدّد له ولسياساته. ولا تكفيهم بلطجة الطوائف وأحزابها وما تحمله من خبث. وفي سردية النكات على كورونا، كان اللبنانيون يهابون الموت من رصاص طائش في الأفراح والأحزان، صاروا يهابون الموت من عطس طائش. لا دولة تحميهم من أي سوء، بل يبتكر مسؤولوها كل أشكال السوء لذلّهم. وكأن الفيروس القاتل جاء ليستكمل ذلك. وصوله، وربما انتشاره، قمة في اللؤم. قمة في التشفّي.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها