الجمعة 2020/12/04

آخر تحديث: 12:57 (بيروت)

نساء لبنان تصنعن الأمان.. ومحرومات منه!

الجمعة 2020/12/04
increase حجم الخط decrease
تحت شعار "الأمان.. لمن تصنع الأمان"، أطلقت منظمة "أبعاد" الحقوقية حملتها في لبنان، ضمن فترة 16 يومًا لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات. وهي حملة عالمية أطلقتها منظمة الأمم المتحدة منذ العام 1991، وتمتد فترة فعالياتها من 25 تشرين الثاني الفائت حتى 10 كانون الأول، الذي يتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان.  

ونظرًا للأوضاع التي يمر بها لبنان في ظل تفشي جائحة "كورونا"، وخلافًا للأعوام السابقة، اختارت "أبعاد" هذا العام أن تطلق حملتها افتراضيًا، عبر منصات التواصل الاجتماعي. وقد بثّت يوم 3 كانون الأول فيديو يروي بصريًا وشفهيًا أبرز المحطات التي مرّت بها نساء لبنان في عامه الاستثنائي، وكيفية انخراطهن بالحدث بما لا يقلّ شأنًا وأهمية عن انخراط الرجال. لا بل أظهر الفيديو أن المرأة اللبنانية احتلّت الصدارة في المشهد العام اللبناني، بدءًا من التحركات الاحتجاجية وما تبعها من أحداثٍ عنفية، مرورًا بكارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الفائت، الذي دفعت فيه النساء أثمانًا باهظة بأرواحن، سواء من المدنيات أو الممرضات، كما كنّا السبّاقات في معالجة الجرحى ومساندة العائلات المنكوبة، وصولًا إلى تحملها عبئًا كبيرًا من تبعات تفشي وباء "كورونا"، سواء على مستوى الأسرة أو الصحة أو العمل.

والفيديو الذي يبرز نضال المرأة اللبنانية في سعيها الدائم لتأمين الأمان لمحيطها المجتمعي والمدني، تقول إحدى المشاركات فيه: "الأمان نعطيه. ولكن ولا مرة حسّينا فيه"، لا في البيوت ولا في الشوارع ولا في السيارات. واستعرض الفيديو هاجس معظم النساء والفتيات اللبنانيات أثناء مشيهن في الشوارع، إذ يتلفتن طوال الوقت يمينًا وشمالًا وإلى الخلف، لأنهن بكل بساطة لا يعشن بأمان، ويشعرن بشتى أنواع الاستهداف المتعمّد لهن.

غيدا عيناني: بذلت اللبنانيات جهودًا جبارة مدنيًا وشعبيًا وإغاثيًا وصحيًا
  

لا لتأجيل قضايا النساء  
وفي أكثر ظرفٍ مأساوي نعيشه في تاريخ لبنان الحديث، اقتصادياً ومعيشياً واجتماعياً وصحياً وسياسياً وأمنياً، تُدرك المديرة التنفيذية لمنظمة "أبعاد" غيدا عيناني، أن السؤال البديهي الذي قد يطرحه منتقدي الحملات الداعمة للنساء: "هل هذا هو الوقت المناسب للحديث عن قضايا النساء في ظل الانهيارات التي نعيشها؟". والجواب البديهي بالنسبة لها، كما لسان حال آلاف اللبنانيات، أن كل الأوقات مناسبة للحديث عن قضايا النساء، طالما أنهن جزءًا لا يتجزأ من الحيز العام، ويتلقين غالبًا بدرجات أعلى تداعيات الانهيار الكبير الذي يعمّ البلاد.  

وتشير عيناني في حوار مع "المدن" أن مقاربة قضايا النساء يحاكي واقع كل مرحلة ووفق سلّم أولوياتها، وأن حملة "أبعاد" لهذا العام ارتكزت على تقاطعية دور المرأة بكل منعطفٍ مصيري مرّت به البلاد.  

قالت عيناني: "لقد بذلت اللبنانيات هذا العام ومن مختلف الفئات المجتمعية جهدًا جبارًا في مساندة محيطهن، مدنيًا وشعبيًا وإغاثيًا وصحيًا، ومع ذلك لم تكتسبن مساحة الأمان اللازمة لهن".  

تعتبر عيناني أن أمن النساء والفتيات ما زال مهددًا. وقد تضاعف مع اشتداد وطأة الانهيار في لبنان، وفي ظل غياب القوانين التي تؤمن الحدّ الأدنى من الحماية، مشيرة أن نسبة التحرش والعنف الجنسي والمنزلي ارتفعت بوتيرة سريعة في ظل توالي الأزمات على الصعد كافة. لذا، جاءت حملة "أبعاد"، وفق عيناني، لتعكس الازدواجية بين طبيعة الأدوار التي تؤديها النساء وواقع معاشهن، فطالبت بالأمان لصانعة الأمان، ولفتت أن النساء في الأشهر الأخيرة لعبن أدواراً حمائية في لبنان، في وقت كن محرومات من هذا الأمان الذي يفترض أن يحظين به.  

وأشارت عيناني أن الحملة يتخللها معرض صور افتراضي، تحتفي فيه "أبعاد" بـ16 إمرأة استثنائية، من خلفيات وطبقات اجتماعية مختلفة، ساهمن في تعزيز الأمن والأمان لمحيطهن وحتى الانقاذ.  

وترى عيناني أن المسؤولية الكبرى تتحملها السلطة السياسية والبرلمان والحكومات المتعاقبة، نتيجة وضع قضايا النساء وأبسط مطالبهن القانونية في أدنى سلم الألويات، مقابل تفضيل مصالهحن الطائفية والعشائرية والانتخابية على مصلحة النساء.  

ومع انتشار جائحة كورونا بداية العام في لبنان، بحسب عيناني، ارتفعت التبليغات لنساء يتعرضن لمختلف أشكال العنف، من 50 إلى 60 في المائة مقارنة مع العام الفائت، ثم تراجعت التبليغات بعد فترة وجيزة من انفجار المرفأ، نتيجة انشغال الناس بمصائب كثيرة، لكنها عادت وارتفعت لأكثر من 67 في المائة خلال الشهرين الأخيرين بفعل عودة الحملات المناصرة للنساء. وأضافت عيناني أن ارتفاع التبليغات لمستويات عالية، يؤكد على أن نسبة كبيرة من اللبنانيات ما زلن يعشن حالة من الخطر، التي قد تؤدي إلى خسارة حياتهن، كما حصل بمئات الجرائم المرتكبة بحق النساء على الأراضي اللبنانية.  

وللإشارة، أطلقت "أبعاد" حملتها هذا العام بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، والمساعدة الإنمائية الرسمية اليابانية، وبرنامج التنمية والحماية الإقليمي (RDPP) ووزارة الخارجية الهولندية.  

وكانت حملة الـ16 يومًا العالمية التي أطلقتها الأمم المتحدة هذا العام، ركزت على تداعيات انتشار "كورونا"، وكشفت في بداية اطلاق حملتها، أن البيانات والتقارير المستجدة حول العالم زيادة ملحوظة لجميع أنواع العنف الممارس بحق الفتيات والنساء، لا سيما العنف المنزلي، وكان شعار الحملة تحويل العالم إلى برتقالي تحت شعار: "موّلوا، واستجبوا، وامنعوا، واجمعوا!"، وذلك بهدف التركيز على تعزيز الدعوة إلى اتخاذ إجراء عالمي لجسر ثغرات التمويل، وضمان الخدمات الأساسية للناجيات من العنف خلال أزمة كوفيد - 19 على الوقاية، وجمع البيانات التي يمكن أن تحسن الخدمات الرامية لصون النساء والفتيات.  

أما السؤال الجوهري لإستشراف واقع اللبنانيات مستقبلًا: كيف سيكون حال النساء والفتيات في لبنان في العام 2021 على مستوى الأسرة والعمل وفي محيطهن الاجتماعي إذا استمر انحدار البلد نحو الأسوأ؟  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها