الأحد 2020/12/27

آخر تحديث: 13:18 (بيروت)

نيران مخيم بحنين: ورمت الأمهات أطفالهن وراء السور

الأحد 2020/12/27
نيران مخيم بحنين: ورمت الأمهات أطفالهن وراء السور
76 عائلة سورية خسرت كل شيء (المدن)
increase حجم الخط decrease

لم تنم عشرات عائلات اللاجئين السوريين إثر الجريمة المروعة التي أدت لإحراق مساكنهم كاملة في مخيم بحنين – المنية شمال لبنان. لكن صباح الأحد 27 كانون الثاني، كشف لهم حجم الدمار، بعد أن التهمت النيران خيمهم الهشّة ومحتوياتها، ليجد النساء والأطفال والرجال أنفسهم يتعرضون لعملية تهجير لا تقل قسوة وبشاعة عن التهجير الأول من بلدهم سوريا (راجع "المدن"). 

مشاهد مروعة
هذا الحادث وإن يتحمل مسؤوليته مجموعة أفراد، مجردين من أدنى حسّ إنساني وأخلاقي، إلا أنه يشي باختلال عميق سياسي وأخلاقي بات يهيمن على جماعات المشرق العربي بأسره، والجنوح إلى عنف غرائزي منفلت من أي رادع أو وازع. اختلال لا تعالجه مسارعة أهالي المنية والجوار وطرابلس ومختلف المناطق اللبنانية إلى شجب الجريمة واستنكارها. وإذ أعلنت مئات العائلات اللبنانية عن فتح منازلها ومراكزها والفنادق ودور العبادة لإيواء العائلات السورية، التي تشرّدت في "برد كانون" تحت وطأة التهديد والتنكيل ليلًا، فهذا لا يخفي أيضاً فداحة ما وقع، ولا يخفف من المسؤولية عن سلسلة من الحوادث المتواترة التي تدل على الاحتقان العنيف في بيئاتنا الاجتماعية التي تصرفه عنفاً واعتداءات وجرائم على الفئات المستضعفة، كحال اللاجئين.  

المشاهد المروّعة في المخيم المحروق صباحًا، طغت عليها ملامح الحزن والصدمة على وجه أطفاله ونسائه، بعد أن عادت العائلات لتفقد ما بقي لها في هذه الخيم، فلم تجد لا طعامًا ولا مالًا ولا لحافًا ولا ثيابًا. كلّ ما في هذه الخيم النايلونية ومواد أخرى، أُحرق ودُمّر، حتّى أن رجلًا سوريًا كان قد جمع طوال عمره مبلغا مالياً من عمله، فلم يجد منه ليرة واحدة.  

وكان الناشط الإجتماعي محمد الدهيبي، وهو يعمل في منظمة الأمم المتحدة (UN)، تطوع مع مجموعة من الشباب اللبنانيين والسوريين لإغاثة الضحايا، وقد عاينوا سويًا حادث الحريق قبل بدء اندلاعه ليلًا.  

صرخات النساء والأطفال
يروي الدهيبي لـ"المدن" تفاصيل مشاهدته العينية، بعد أن اندلع الإشكال بين أحد أفراد آل المير وبعض اللاجئين من مخيم بحنين. وحتى الآن ما زالت الروايات متضاربة حول خلفيته، بانتظار الرواية الأمنية الرسمية، لا سيما أن مخابرات الجيش نفذت حملة اعتقالات واسعة في المنطقة، شملت بعض المتورطين وسوريين أيضًا، نتيجة إطلاق نار واسع في المنطقة قبل الحريق وبعده.  

ويشير الدهيبي أن الإشكال بدا منظمًا للغاية من قبل المعتدين، ولم يبدُ عفويًا، لا سيما بعد أن تمت محاصرة اللاجئين السوريين عند البوابة الرئيسية للمخيم من قبل مجموعة من المسلحين، وحاصروا بوابته الخلفية أيضًا، بعد أن قطعوا كل الكابلات الكهربائية عن المخيم، فتحول إلى ظلامٍ دامس لا تُسمع منه إلا صرخات وبكاء النساء والأطفال.  

وفي هذا المخيم المكتظ، لا توجد ممرات آمنة. وتتلاصق الخيم بسور خفاني وببعضها البعض. قبل اندلاع الحريق وقطع الكهرباء، خيّم إطلاق الرصاص في المنطقة، وجرى تهديد السوريين، حسب الدهيبي، بعدم اللجوء إلى مخيم آخر مجاور لهم، وإلا سيتم إضرامهم جميعًا بالنار. وبعد أن عجز السوريون عن الهروب من البوابة الرئيسية، بدأت بعض النساء برمي أطفالهن خارج السور الخلفي خوفًا من احتراقهم، كما جرى الاستعانة بسلم صغير لم يجدوا غيره للهرب من الخلف، فصاروا يسقطون عنه، على وقع انفجار قارورات الغاز وفق الدهيبي.  

المفوضية والجيش والبلدية
في هذه الأثناء، يستمر الجيش بتطويق المنطقة من مختلف جوانبها في ظل تنفيذ المداهمات. وحول المساعدات الإغاثية، يشير الدهيبي أنه جرى التواصل مع بلدية بحنين لأخذ إذن فتح حديقة البلدية لإستقبال المساعدات العينية. لكنها رفضت، في ظل محاولة رئيس بلدية بحنين مصطفى وهبي عدم التدخل بالقضية!  

وليلاً، وصلت المساعدات لنحو 17 عائلة، بحسب الدهيبي. وهناك أطفال رضع ما زالوا من دون حليب، كما جرى التبرع بشكل عاجل بنحو 250 ربطة خبز.  

وقال الدهيبي: "هرب عشرات اللاجئين حفاة نحو البساتين، فتبعثروا عن بعضهم البعض بالظلام، وقد عادوا صباحاً ليجلس كل منهم عند مربع خيمته المحروقة". 

وهذا المخيم الذي تشغل مساحته نحو 1500 متر مربع، يوجد فيه نحو 100 خيمة. 
وفي السياق، يشير المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين السوريين في شمال لبنان، خالد كبارة لـ"المدن"، أن هذا المخيم يضم نحو 76 عائلة سورية، وقد تواصلت المفوضية معهم، بالشراكة مع جهات محلية لتقديم المساعدات بصورة عاجلة. كما تسعى لتأمين مأوى مؤقت لبعضهم من الأكثر حاجة، نظرًا لقلة أعداد مساكن الإيواء شمالاً. ولفت كبارة أن المعطيات الأولية تفيد عن احتراق كامل للمخيم نتيجة وجود مواد سريعة الاشتعال، وأن المجتمع الأهلي اللبناني ساند في عملية إغاثة السوريين، كما أن العمل ما زال مستمراً لتقييم الأضرار وتقديم المساعدات الطارئة. 

مخابرات الجيش
وبعد ظهر اليوم الأحد، أعلنت قيادة الجيش ـــ مديرية التوجيه في بيان أن "دورية من مديرية المخابرات أوقفت اليوم في بلدة بحنين- المنية، مواطنين لبنانيين وستة سوريين على خلفية إشكال فردي وقع مساء أمس في البلدة بين مجموعة شبان لبنانيين وعدد من العمال السوريين، ما لبث أن تطور إلى إطلاق نار في الهواء من قبل الشبان اللبنانيين الذين عمدوا أيضاً على احراق خيم النازحين السوريين".

وحسب البيان، فإن وحدات الجيش تدخلت على الاثر وسيّرت دوريات في المنطقة كما نفذت مداهمات بحثاً عن المتورطين في اطلاق النار واحراق الخيم، وضُبط في منازل تمت مداهمتها أسلحة حربية وذخائر وأعتدة عسكرية.

وأكّدت القيادة أنه تم تسليم الموقوفين والمضبوطات، وبوشر التحقيق باشراف القضاء المختص، فيما تستمر ملاحقة باقي المتورطين لتوقيفهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها