جندت أحزاب السلطة كل مواردها، وعقدت تحالفات الضرورة في الجامعة، رغم كل خلافتها السياسة والاقتصادية على مستوى الحكم والصراع على مقدرات الدولة. لكن ورغم كل الموارد التي تمتلكها الأحزاب والمكاتب التربوية التابعة لها، نالت هزيمة غير مسبوقة بضربة أساتذة مستقلين، توحدوا لاستعادة الجامعة واستقلاليتها، من بوابة نقابتهم، التي يفترض بها تحقيق مطالب الأساتذة.
تشطيب واسع
رغم التحالف الذي عقد بين أساتذة حركة أمل وحزب الله وتيار المستقبل، عبر سحب مرشحين لصالح مرشحين آخرين، لم ينساق جميع الأساتذة خلف انتمائهم الحزبي والطائفي، وجرت عمليات تشطيب واسعة، كادت تؤدي إلى خسارة المزيد من المندوبين، لصالح الأساتذة المستقلين. وأبلغ دليل على ذلك انتخابات الفرع الخامس في صيدا، الذي خسر فيها مدير فرع كلية الآداب. وما حصل في كلية العلوم فرع الحدث التي خسر فيها مرشحون مستقلون بفارق صوت واحد أو صوتين مثل المرشحة وفاء نون ورامي العاكوم، ضد مرشحي تيار المستقبل، رغم أن العاكوم ترشح بشكل منفرد. علماً أن العاكوم كان على رأس الأساتذة المنتفضين على تيار المستقبل العام 2019 خلال الإضراب الشهير الذي نفذه الأساتذة لمدة تزيد عن خمسين يوماً آنذاك. وكذلك الأمر بالنسبة لكلية أدارة الأعمال، التي تعادل فيها مرشح مستقل مع مرشحي "أمل" وستعاد عملية الاقتراع لاحقاً.
خسارة عرّابي الجامعة
أظهرت هذه الانتخابات أن التضعضع الذي أصاب أحزاب السلطة في العام 2019 خلال الإضراب، وتداعيات انتفاضة 17 تشرين، ما زالت تفعل فعلها في الجامعة اللبنانية، التي تحولت بعد الحرب الأهلية إلى مجمعات حزبية وبقرة حلوب للتوظيف والزبائنية. لكن هذه الانتخابات أكدت وجود بارقة أمل في إمكانية إحداث التغيير في الجسم النقابي للجامعة، بعد هذا الفوز غير المسبوق للأساتذة المستقلين. وسيكونون بحاجة لتجميع نحو 80 صوتا للفوز برئاسة مجلس المندوبين واكتساح مقاعد الهيئة التنفيذية كلها لاحقاً. وهذا رهن التحالفات والخلافات بين أحزاب السلطة على مقاعد الهيئة.
أفضت الانتخابات اليوم إلى خسارة كبرى لـ"عرّابي" الجامعة طوال السنوات الفائتة، أي حركة أمل وتيار المستقبل. وكان سقوط "أمل" مدوياً بخسارة مرشحيها في كلية الفنون، التي كانت تسيطر عليها، وخسارة مندوبيها في كلية الآداب الفرع الخامس في صيدا وسقوط مماثل لتيار المستقبل في كلية الهندسة في طرابلس. وبينما حافظت القوات اللبنانية على حصتها في الفروع الثانية وبعض الكليات في زحلة والشمال، تلقى حزب الله خسارة في كلية الفنون الأولى مع حركة أمل، رغم محافظته على مقاعده في باقي الكليات.
فوز غير مسبوق
لكن خسارة "أحزاب الجامعة" مضاعفة أمام تقدم المستقلين. فبينما نجح كل حزب منهم بعدد من المقاعد في "مناطقه" ومعاقله الطائفية، امتد فوز المستقلين على كامل الأراضي اللبنانية. وبات انتشارهم في كليات العلوم والهندسة والفنون والطب والعلوم الاجتماعية والآداب والحقوق من صيدا إلى طرابلس مروراً بزحلة وجبل لبنان.
هي معركة على أرض الخصم، وفي ملعبه، حيث يستطيع تجنيد موارد الدولة مثل تجنيد عضلات محازبيه وقبضاتهم. استخدمت فيها الأحزاب كل سلطتها ومواردها وزبائنيتها وتوزيع الغنائم منذ ثلاثين عاماً. لكن مجموعة حديثة العهد، تشكلت منذ قرابة الشهرين، أي "مستقلون جامعيون"، تمكنت من الفوز في كل المناطق والكليات، وبات للمستقلين جسم نقابي موحد لأول مرة في تاريخ الجامعة اللبنانية منذ انتهاء الحرب الأهلية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها