الثلاثاء 2020/12/01

آخر تحديث: 15:05 (بيروت)

التوقيف الاحتياطي:تصعيد المواجهة بين"الأمن"والمحامين..والقضاة

الثلاثاء 2020/12/01
التوقيف الاحتياطي:تصعيد المواجهة بين"الأمن"والمحامين..والقضاة
توقيت متقن لإصدار المذكرة للتحايل على الإصلاحات وبسط اليد الأمنية (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
في البلد، صراع علني بين وزارة الداخلية والقضاء، وبين الأمن الداخلي والمحامين. في الأيام الأخيرة ظهرت حماوة الصراع في توقيف محامٍ بشكل مهين في كورنيش المزرعة، ثم في تصريح لوزير الداخلية والبلدات محمد فهمي الذي قال إنّ "95% من القضاة فاسدين". وبين الجبهتين، معارك كثيرة إلى حدّ الآن كسبها الطرف القضائي والقانوني في وجه الأمن. وتجليّات ذلك الانتصار جاءت في تعديل المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وفي حركة المحامين على مستوى أخلاءات السبيل لمئات الناشطين الذي تم توقيفهم طوال عام من انتفاضة 17 تشرين، وفي استعادة الدور الحقوقي والسياسي لنقابة المحامين في بيروت. إلا أنه من تجليّات الكباش الحاصل أيضاً، مذكرة صادرة عن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، تذكّر قوى الأمن الداخلي ووحداتها وضباطها وعناصرها بحق توقيف الأشخاص بمجرّد الشك أو الريبة لمدة 24 ساعة من دون الرجوع إلى القضاء.

مذكرة قانونية
المذكرة رقم 392 الصادرة عن المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء عماد عثمان، بتاريخ 18 تشرين الثاني الماضي، قانونية ولا لبس عليها. استند عثمان على القانون رقم 17 الصادر عام 1990، والمادة رقم 217 منه، التي تعطي لرجال الأمن الحق بالتوقيف الوقائي "ذي الطابع الإداري عندما يشكّل ترك الشخص طليقاً خطراً على نفسه أو على الغير، كمن كان في حالة السكر الظاهر أو ما شابه أو في سبيل التثبت من وضع الشخص المشتبه به أو المشكوك في صحة هويته. وهذا التوقيف لا يجوز أن يستمر أكثر من 24 ساعة". شعبة العلاقات العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلية لم تجد داعياً للتوضيح، وكذلك المكتب الإعلامي لوزير الداخلية محمد فهمي.

.. لكنها اعتباطية
قانونية المذكرة لا يلغي اعتباطيتها. وحسب ما يقول المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان فاروق المغربي لـ"المدن"، فإنّ "توقيت صدور المذكرة مريب، وليس كل ما ينصّ عليه القانون يطبّق أساساً، فلم تطبّق هذه المادة في الماضي". ويضيف المغربي أنّ قوى الأمن باتت قادرة على توقيف أيٍ كان لمدة 24 ساعة بصورة اعتباطية "لكونها اشتبهت أو شكّت بأنه يشكل خطراً، أي أن أي شخص موجود في لبنان هو مشروع توقيف لمدة 24 ساعة". حتى أنّ بعض المدافعين عن القوى الأمنية دافعوا عن مذكرة عثمان بالإشارة إلى القوانين الفرنسية الصادرة مؤخراً والتي تشدّد القبضة الأمنية للشرطة الفرنسية.

توقيت مريب
في العودة إلى توقيت صدور المذكرة، فإنها صدرت يوم 18 تشرين الأول الماضي، بعد شهر على صدور القانون 191 القاضي بتعديل المادة 47 من أصول المحاكمات لجهة تعزيز حقوق الدفاع لجهة عدم جواز إجراء التحقيق الأولي مع الموقوفين من دون حضور وكيلهم القانوني، مع تسجيل التحقيقات بالصوت والصورة إضافة إلى الحقوق الأخرى التي يكفلها القانون، بحضور طبيب شرعي ومترجم والاتصال بشخص يعرفه. فالمذكرة، على ما يبدو، تجيز لقوى الأمن التهرّب من تعديلات القانون 191، لمدة 24 ساعة قبل الحصول على أذونات قضائية. كما أنها تسمح بالتوقيف التعسفّي والمزاجي، في إطار مشروع بوليسي متصاعد منذ يوم 17 تشرين الأول 2019. خصوصاً أنّ التعديل لم يشمل التوقيفات الإدارية. وفي غرابة التوقيت أيضاً، أن حادثة الاعتداء على المحامي افرام الحلبي، في منطقة كورنيش المزرعة، وقعت يوم 25 تشرين، أي بعد أسبوع على صدور المذكرة.

اعتداء "المزرعة".. والقضاء
وربما يمكن القول إنّ الاعتداء الذي حصل على المحامي الحلبي جاء ترجمة فعلية للمذكرة الصادرة عن عثمان. وفي هذا الإطار، من المفترض أن يمثل الحلبي أمام المحامي العام التمييزي القاضي غسّان الخوري يوم الخميس المقبل، لأخذ إفادته. وعلمت "المدن" أنّ قوى الأمن لم تدرج الفيديو الذي تبنّاه الوزير محمد فهمي خلال حلقة تلفزيونية الأسبوع الماضي في الملف. وهو مقطع يظهر فيه الحلبي وهو يتهّجم على أحد عناصر قوى الأمن، مع العلم أنّ هذا المقطع مقتطع ولو أنه صحيح، وأتى كرد فعل على شتم العنصر الأمني للمحامي الذي لم يبادر إلى التهجّم على العناصر الأمني، عكس السياق الذي وضعه فيه فهمي، تبريراً للقسوة المطلقة التي تمّ التصرف بها من خلال خنق المحامي وتكبيله والدوس على رأسه ثم سحله، حسب ما يقول محامون من نقابة بيروت لـ"المدن". مع العلم أنّ المحامي المتدرّج افرام الحلبي تمت إحالته إلى المجلس التأديبي في النقابة، للتأكد إن كان أقدم على اقتراف أي تجاوز أو خطأ.

امتعاض من فهمي
وعلمت "المدن" أيضاً أنّ ضباط في قوى الأمن الداخلي تواصلوا مع عدد من المحامين وعبّروا عن امتعاضهم من أداء فهمي، "على اعتبار أنّ مقطع فيديو مماثل يمكن إرساله لنقيب المحامين أو النقابة ولا يجب أن يكون مادة للعراضة الإعلامية كما حصل". ويبدو أنّ جدول الوزير فهمي سيكون حافلاً هذا الأسبوع. إذ من المقرّر أن يمثل يوم غد أمام النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، في التحقيق الذي فتحه الأخير حول تصريحات فهمي عن فساد القضاة في لبنان.

في لبنان، نظام يستنسخ الإفراط بالأمن من الديكتاتوريات المجاورة، ويستورد تطبيق القبضات الأمنية من استثناءات جمهوريات ديموقراطية. بين التحايل على تعديلات المادة 47، ورفع مستوى الكباش مع المحامين والقضاة، تسير الدولة اللبناينة إلى المزيد من التعسّف والبوليسية. المحامون في مواجهة قوى الأمن، القضاء في مواجهة وزارة الداخلية، الناس في مواجهة السلطة.
وللعلم، مذكرة عثمان وموقف وزير الداخلية، صادران عن نقيضين في الحياة السياسية اللبنانية، وكأنهما يعيدان اللبنانيين والناشطين إلى مربّع "كلن يعني كلن"، من دون جهد يذكر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها