في الأسبوع الأول للتعليم الحضوري في المدارس الخاصة، بدأت صرخة الأساتذة تعلو على الطلاب الذين يطلون من خلفة الشاشة لمقاطعة المعلمة والاستيضاح، بسبب تقطع شبكة الانترنت، أو بسبب انشغال المعلمة مع الطلاب الحاضرين في الصف. فقد بدأ الأساتذة بتعليم الطلاب الحاضرين والغائبين، في آن معاً. والنتيجة لا الطلاب في الصفوف يفهمون جيداً ولا المتواجدين في البيوت.
يعلّم الأستاذ خمس ساعات حضورية وفي الوقت ذاته يكون مباشرة مع الطلاب الذين يداومون في البيت، لأن الأهل اختاروا عدم إرسال أولادهم إلى المدرسة. ثم عليه المكوث لنحو أربع أو خمس ساعات إضافية لتسجيل دروس وحصص للطلاب الذين يتعلمون عن بعد. وعليهم الحضور إلى الصف في الأسبوع التالي وفق مبدأ تقسيم الطلاب الذي وضعته وزارة التربية لمنع اكتظاظ الطلاب في الصفوف. وعليه منتجة الفيديوهات وتحميلها على الشبكة.
لا تركيز
ووفق عدد من الأساتذة، في مدارس خاصة مختلفة، موزعة بين بيروت والدامور والشويفات، يبدو أن مدارس عدة تنحو هذا النحو. وفرضت الإدارات على الأساتذة التعليم الحضوري والتعليم عن بعد في الوقت ذاته. وهذا ليس منهكاً للأستاذ وحسب، بل لا يفيد الطلاب تربوياً، كما قالوا. وتساءلوا: أين يركز الأستاذ؟ مع الطلاب في الصف أو مع الطلاب في البيوت؟ وكيف له أن يشرح للطلاب في الصف ويضمن استيعابهم للمعلومات، ويشرح للطلاب من خلف الشاشة في اللحظة عينها، رغم أن الشرح لهم يحتاج إلى تركيز أكثر بكثير من الطلاب الحاضرين في الصف؟ فتقنيات التعليم عن بعد لا تقوم على توجيه كاميرا مباشرة على الأستاذ والطالب يحضر البث. بل على الأستاذ التأكد من أن الطالب يحصل على كل المعلومات التي تشرح على لوح الصف والموصولة بتقنيات معينة مع برامج التعليم عن بعد وتظهر على شاشة الكمبيوتر عند الطلاب، وبالتالي على الأستاذ متابعة كل طالب من هؤلاء الطلاب على حدة. ما يعني أنه بحد ذاته تعليم مضن ومتعب، حتى من دون متابعة الطلاب الحاضرين في الصف.
عام غير تربوي
تحضير الدروس بات بحاجة لوقت مضاعف خمس مرات عن التحضير العادي، من تصوير بعض الدروس وإنشاء ملفات تفاعلية لتبسيط المعلومات، وضمان وصولها إلى الطلاب بطريقة صحيحة، كما يقولون. هذا إضافة إلى تحضير المواد للطلاب في الجزء الحضوري. فوتيرة التعليم الحضوري سريعة. بينما وتيرة التعليم عن بعد بطيئة. عدا عن الجهد المضاعف في تحضير شروحات مصورة يراجعها الطلاب عشية الحصة التي سيشرحها الأساتذة عن بعد في اليوم التالي. كما أن إعادة الشرح تستغرق وقتاً في التعليم عن بعد، لأن الأستاذ لا يضمن كيفية تفاعل كل الطلاب كما في التعليم الحضوري. ولا يعرف من هو الطالب المقصر ليعيد له الشرح، بل عليه التأكد من كل طالب على حدة. لذا يقول أحد الأساتذة: كل نوع تعليم له خصوصيته والدمج على الطريقة اللبنانية لن يؤدي إلى عام دراسي صحيح على المستوى التربوي.
اللامبالاة حلاً؟
في المدارس التي لم تبدأ التعليم الحضوري تسير الأمور بطريقة جيدة كما يشرح أحد أساتذة الصفوف الثانوية. فقد لاحظ أن أغلب الطلاب يتفاعلون معه ولم يجد معاناة معهم غير ضعف شبكة الانترنت وإعادة الشرح مرة ثانية. فقد صدف أن هذه المدرسة واقعة في منطقة مصنفة حمراء فرضت على المدرسة الاستمرار بالتعليم عند بعد إسوة بالأسابيع المنصرمة. لكن في حال تقرر فتح المدرسة الأسبوع المقبل سيواجه الأساتذة المعاناة ذاتها التي بدأ يعاني منها الأساتذة الذين بدأوا بتنظيم الصفوف الحضورية وعن بعد في الوقت ذاته. لذا يؤكد هذا الأستاذ أن إدارات المدارس ستفرض على الأساتذة خيارات صعبة في الأسابيع المقبلة، قد تدفعهم إلى عدم المبالاة في إيصال المعلومات للطلاب وتسيير الدروس كيفما اتفق.
تقييم الطلاب
أما في حال تقرر المضي بعام دراسي عن بعد حصراً، فسيكون الأمر أفضل على الأساتذة، لأنه سيخفف عنهم ساعات التدريس الحضوري، وعدم التعرض لاحتمال الإصابة بكورونا. لكن سيقع الأساتذة وإدارات المدارس بمشاكل كبيرة على مستوى جودة تقييم استيعاب الطلاب، كما تشرح إحدى المعلمات. وتضيف: لم نصل إلى هذه المشكلة بعد. لكن سنصل إليها قريباً. وتسأل: كيف نضمن اكتساب الطلاب المهارات المطلوبة؟ فلا يمكن للأستاذ ضمان أن الطالب الذي يطل من خلفة الشاشة لتسميع الدرس لا يقوم بخداعه ويفتح الكتاب من دون علم الأستاذ.
هذا على مستوى مواد الانسانيات. أما تقييم الطلاب في المواد العلمية فسيكون أصعب بكثير. فالطريقة المعتمدة هي طرح الأسئلة المتعددة الإجابات والتي على الطالب الإجابة بنعم أو كلا أو باختيار الجواب الصحيح. وعدا عن وجود طرق متعددة يستطيع الطالب أن يغش بها، تعتبر هذه الطريقة من الطرق ذات المستويات الأولية على صعيد اكتساب المعارف. ما يجعل التعليم في كورونا سيء على كل المستويات.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها