الثلاثاء 2020/10/13

آخر تحديث: 18:29 (بيروت)

عكار تحترق: الأحراج إلى زوال ولبنان إلى التصحّر

الثلاثاء 2020/10/13
عكار تحترق: الأحراج إلى زوال ولبنان إلى التصحّر
خسر لبنان في آخر 48 ساعة فقط، 400 هكتار من المساحات الخضراء (المدن)
increase حجم الخط decrease

بعد حرائق تشرين الأول 2019 التي عمّت لبنان، أثبتت السلطات اللبنانية عجزها وفشلها مرّة جديدة في إدارة الكارثة البيئية، مع بدء موسم الحرائق في تشرين الأول 2020. لا خطة، لا مكافحة استباقية، لا جهوزية، ولا حتى مجرد متابعة مسؤولة من الوزارات والجهات الرسمية لكيفية مكافحة الحرائق.  

450 هكتاراً
تختصر عكار حجم الكارثة البيئية في الحرائق التي تعمّ لبنان من شماله حتى جنوبه. وبعد الحرائق التي بدأ اندلاعها في 8 تشرين الأول 2020، عمّ اليوم الثلاثاء حريق جديد في بلدة بينو. ومن أواخر شهر آب حتى اليوم، "خسرت عكار وحدها نحو 450 هكتاراً من غاباتها وأحراجها، فيما المعدل السنوي للحرائق في كل لبنان لا يجب أن تتخطى 1000 هكتار"، حسب ما يفيد "المدن" عضو فريق "درب عكار"، المهندس الزراعي علي طالب.  

يحكي طالب عن حجم الكارثة التي تعصف بعكار، بعد أن التهمت النيران مساحات شاسعة من المناطق الحرجية، وأتلفت عددًا كبيرًا من بساتين الزيتون، لا سيما في خراج بلدات سفينة القيطع وبزال وجديدة القيطع وعيون السمك والدبابية ورماح والعوينات والنورا. كذلك، التهمت الحرائق مساحات ضخمة من غابات الصنوبر في خراج بلدات عيات- الشقدوف- عين يعقوب.  
كلّ هذه الخسائر، لم تدفع بعد السلطات الرسمية المسؤولة للتدخل، كما لم تبادر وزارة الزارعة حتى الساعة لوضع تقرير تعلن فيه نوع الأضرار وحجمها، التي طالت البساتين والحقول الزراعية والأحراج. أما في عكار، فأخذت مجموعة "درب عكار" البيئية على عاتقها مسؤولية ملاحقة الحرائق، رغم قدراتها المحدودة مقارنة مع حجم الكارثة، وهو ما تفعله منذ سنوات. وبحسب طالب، بادرت المجموعة مسحٍ جوي لموقع حريق (عيون السمك – سفينة القيطع – بزال) كما تظهر في الصور، لأنه واحد من أكبر الحرائق التي عمّت لبنان، وأعدت تقريرًا علميا وجدولاً (المرفق أدناه)، يعطي مسحًا أولياً لحجم كارثة، مرشحة للتصاعد في الأيام المقبلة.
  

فما هي الأضرار الأولية لحرائق عكار؟  
يشير علي طالب أن تقرير فريق "درب عكار"، كشف المساحة الأولية التي قضت عليها الحرائق في عكار، وهي تقدّر بين 2,4 و3 ملايين متر مربع من الغابات والبساتين، بما فيها بساتين الزيتون، وطالت عشرات قفران النحل وفقدان الموسم بكامله، إلى جانب خسارة كثير من الحيوانات والطيور لموائلها، وتضرر أعمدة الاتصالات والتيار الكهربائي في مناطق الحريق القريبة من الطريق العام، وغيرها الكثير من الأضرار.  

لكن، ما هي أسباب تمدد الحرائق في عكار بهذا الحجم؟ يؤكد طالب أن أغلب أسباب الحرائق في عكار هي بشرية وليست طبيعية، لأن تلك الجرود والأحراج لا تتعرض لعواصف رعدية صيفية تستدعي احتراقها. لذا يقسم حرائق عكار إلى قسمين تنتج عنهما: الإهمال والحرائق عمدًا. فـ"حرائق الإهمال تنتج عن حرق المخلفات الزراعية أو رمي النفايات عشوائية وتحويل بعض الأحراج لمكبات. أمّا الإحراق عن فعل متعمد، فمنها مثلا حريق بينو الذي رأى فيه شهود عيان أن أحد المارة أضرم النار عمدًا، كذلك حريق القبيات عندما قام أحد المندسين بسيارته في التسبب به قبل أن يلوذ بالفرار، وغيرهما الكثير من الحوادث المماثلة".  

يأسف طالب أن الحرائق التهمت نحو 250 هكتاراً من جرود سفينة القيطع. وهي واحدة من أكبر محميات عكار تقع فوق عيون السمك. وفيما يتابع "درب عكار" خطوة بخطوة كارثة الحرائق التي عمّت الجرود والبساتين، قام الفريق ضمن سياق حملة "تجهيز فريق تدخل سريع لإخماد الحرائق ضمن غابات عكار"، بشراء آلية تقوم بمهمة الاستجابة الأولى لإخماد الحرائق، بعد أن نجحوا في جمع 16 آلاف دولار أميركي من التبرعات. واستطاعوا بهذه الآلية التي ما زالت طور التجهيز، أن يخمدوا بعض الحرائق المتفرقة. قال طالب: "هذه الآلية مهمة، ويمكن أن تلقى النجاح، وبعض الجهات المانحة وعدت بتقديم المزيد منها، وهو ما نأمل أن تقوم به السلطات المحلية". لكن، وبما أن الساحة الجردية في عكار تتجاوز الـ160 كيلومتراً مربعاً، فإنها تحتاج ما لا يقل عن 5 آليات كاستجابة سريعة للحرائق.  

فريق "درب عكار"

تفاقم الخطر  
من جهته، يشير الدكتور جورج متري، وهو خبير بيئي متخصص بالحرائق، أن لبنان دخل مرحلة الخطر منذ أعوام، وأن السلطات لم تستجب لكل التنبيهات. ويشير في حديث لـ"المدن"، أن الخطورة تكمن بانتقال لبنان لمرحلة احتراق الجرود، كما يحصل في عكار. فـ"عادةً، الجرود غير معرضة للحريق بسبب ارتفاعها ورطوبتها وكثافتها النباتية". لكن كل التغييرات جعلت هذه الغابات الجردية معرضة للحرق، وفق متري، وصارت تطال شجر اللزاب والأرز والشوح، وكلها أشجار بلا بذور قادرة على تفريخ بدل منها بعد الحرائق، "لأن الأشجار الصمغية غير محمية من النار، وبالتالي تتلف، والغابات لا تستطيع إعادة تكوين نفسها، ومعظمها يتجاوز عمرها الـ100 سنة".  

ويشير متري أن لبنان خسر في آخر 48 ساعة فقط، 400 هكتار من المساحات الخضراء، وأنه تجاوز حتى الآن حرق 1700 هكتار، وهو رقم غير أولي لأن موسم الحرائق لم ينته بعد. قال: "لا يوجد موعد محدد لانتهاء موسم الحرائق نتيجة تغير العوامل المناخية، وهناك مواسم حرائق لا تنتهي حتى كانون الأول، بينما المعدل العام كان أن تبدأ في أواخر أيلول وتنهي في أواخر تشرين الأول".  

يحمّل متري السلطات في لبنان مسؤولية هذه الحرائق، ويؤكد أنه بعد حرائق 2019 لم تضع الدولة أي خطة لإدارة الأزمة على الصعيد الوطني، و"حتى الدفاع المدني قدراته محدودة على مستوى الجهوزية البشرية والتقنية لهذا النوع من الحرائق". أضاف: "إدارة الأزمة يجب أن تبدأ قبل اندلاع الحرائق، ولا بد من رفع منسوب التدخل السريع لمكافحتها، وإذا لم يتخذ لبنان اجراءات سريعة، ستستمر الحرائق بالتوسع إلى أن تقضي على الأراضي الطبيعية والموارد الحرجية، لننتقل بعدها إلى مرحلة التصحر وزوال الأحراج، في ظل أوضاع مناخية غير مساعدة". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها