الجمعة 2020/01/03

آخر تحديث: 00:16 (بيروت)

كارلوس غصن من الطفّار "الكلاس" في جمهورية الفساد

الجمعة 2020/01/03
كارلوس غصن من الطفّار "الكلاس" في جمهورية الفساد
سيبقى منزل غصن محاصراً بالصحافيين إلى أن يخرج عليهم أو يدخلوا صالونه (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

كارلوس غصن في بيروت. رجل الأعمال اللبناني الفرنسي البرازيلي هرب من اليابان. سرق حيلة الاختفاء من النينجا هناك. رمى نجمة سحرية في طوكيو فاختفى وظهر هنا. وفي بيروت اختفى أيضاً خلف أسوار منزل في الأشرفية، يقال إنّ قيمته وصلت إلى 8 مليون دولار أميركي. جاء غصن وتبعته وفود صحافيين من خلف البحار. وصل هؤلاء من اليابان وفرنسا بطرق شرعية، ليتجمهروا تحت سور المنزل، حيث يشاع أنّ غصن يستريح من "الاضطهاد" القضائي والسياسي الياباني. لا دليل على كونه يسكن هذا المنزل تحديداً، قد يكون في بيت آخر أو في منطقة جبلية فرحاً بتساقط الثلوج. قد يكون في جرد فخم. فهو من الطفّار "الكلاس" والمتعلّمين، ولو أنه لا ينتمي إلى هذه الأرض ولا ناسها.

"البونكر" الألماني
يشبه منزل غصن البونكر الألماني الشهير. بيت من طبقتين في شارع لبنان الهادئ، يشبه إلى حد كبير بيت الأحلام في بيروت. كان فيه، كما غيره من بيوت المنطقة، بيوتاً للعمال وحظائر للأحصنة. أصبح بيت راحة لكارلوس غصن، ينتشر حوله شبان من شركة أمنية يحاولون فك الحصار الإعلامي عليه. هنا المصوّرون في حركة باباراتزية. لكن المشهور هذه المرة ليس ممثلاً ولو كان مجتهداً في التخفي ولبس الأقنعة. ليس رياضياً ولو كان بارعاً في الرياضيات والحسابات المصرفية. ليس سياسياً ولو أنّ قضيّته تمسّ اقتصادات دول. فيصبح من الطبيعي أن يكون هروبه سيناريو وضعته دول، وسيقتبسه عنها لاحقاً مخرجون هوليووديون. هو متّهم بالفساد المالي وهروبه حرّك الإنتربول والأجهزة القضائية في اليابان وتركيا ولبنان، وقريباً في بلدان أخرى. إلى المنزل في الأشرفية، وصل طبيب العائلة. هكذا عرّف عن نفسه بعد أنّ وقع في حصار الصحافيين. تحدث بالعربية والفرنسية والانكليزية ولم يفهم الموجودون عبارة "لا تعليق". استدعته كارول، الزوجة، للكشف على ابنها. ثم قال إنه حضر للكشف على كارول نفسها.. غير واضح كأي شيء آخر في قضية غصن وملابساتها. لكن الطبيب الذي حاول الخروج من الباب الخلفي، علق مجدداً في جيش الصحافيين واللغات من حوله. لم يشاهد كارلوس غصن داخل المنزل، لا يعلم شيئاً لكن الجميع بخير.

الطبيب لحظة وصوله إلى منزل غصن (علي علّوش)


جيران الملل
في الشارع، الناس لا يعرفونه إلا بالاسم. لم يلتقوه يتمشى ولا يبتاع ربطة خبز من الفرن القريب. لم يصبّح أو يمسي عليهم ولم يمسّيهم يوماً. لكن الجيران فرحون بأنّ رجلاً مهماً وصل إلى الحيّ، كأنّه زاد من قيمته على الأقل معنوياً. هم فرحوا في الساعات الأولى لوصوله من مستنقع القضاء الفاسد في اليابان. لكن حركة الصحافيين والمراسلين بدأت تزعجهم، ولو أنّ هؤلاء نشّطوا الحيّ قليلاً. بدأ الملل يتسلّل إلى الجيران من هذا التجمهر، وكذلك الانزعاج من رفض طلبات متكررة للوصول إلى شرفات منازلهم علّ الكاميرا تلتقط ما يحجبه السور عنها. في شبابيك بيت غصن المطلّة على الشارع، لا أنوار تضاء أو تطفأ، لكن الأكيد أنّ ثمّة من ينفذ تلصّصاً مضاداً على الحركة في الخارج. فالستائر النبيذية تتحرّك قليلاً، وكأنّ هواءً خفيفاً يحرّكها. أو ربما هذه خفّة النينجا في الداخل.

عبثاً تحاول الكاميرات التقاط صورته (علي علّوش)


ضمانات اللجوء
زحمة الصحافيين وعدسات التصوير ستبقى تحاصر منزل غصن في بيروت إلى حين يقرّر الأخير الحديث إلى الإعلام. عندها سينتقل هذا الازدحام إلى صالونه وسؤاله لماذا عاد إلى لبنان دونه من غير البلدان؟ فعند تسيّده قطاع صناعة السيارات كان الإعلام العالمي يقول عنه رجل الأعمال البرازيلي الفرنسي. وعندما أصبح لصاً وتحت مجهر القضاء ومكافحة الجرائم المالية عادت جذوره اللبنانية ونبتت. ربما لأنّ السلطة في لبنان تؤمن بيئة حامية وحاضنة للفاسدين، ولأنّ هنا "كل شيء بسعره". فيتطوّر السؤال من سبب لجوء غصن إلى لبنان، إلى من قدّم ضمانات له بأنه سيكون محمياً هنا. وكم تبلغ تسعيرة هذه الحماية؟ فغصن، بعيداً عن اتهامات الفساد المالي، بات بحقه أيضاً إخبار إلى النيابة العامة التمييزية بجرم دخول إسرائيل ومخالفة قانون مقاطعة إسرائيل، على خلفية توقيعه عقوداً اقتصادية مع العدو. تجربة العميل الجزّار عامر الفاخوري ومحاولة حمايته تتكرّر، بظروف مختلفة طبعاً، لكن على الأرجح الحامي وصاحب الضمانات واحد.

سيارة تابعة لوكيل "نيسان" داخل كاراج منزل غصن (علي علّوش)


أعداء النجاح
يحاول من يدافع عن كارلوس غصن وهربه من المحاكمة في اليابان، تصوير كل منتقد له ولمن قرّر استضافته في لبنان وكأنهم معادون للنجاح. لكن الواقع يقول إنّ في لبنان قامت ثورة منذ شهرين ونصف ضد الفساد وكل من وضع نفسه فوق القانون والمحاسبة. وإذ بالسلطة نفسها تستقطب متّهماً آخر بالفساد على مستوى دولي. فتحوّل لبنان من قائمة الفساد المحلي إلى قائمة الفساد العالمي، وهذا إنجاز يحتسب عليها وليس لها. فرعاة هذه السلطة سينكشفون أيضاً، في الداخل والخارج.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها