السبت 2020/01/25

آخر تحديث: 22:02 (بيروت)

مئة يوم على الثورة: "الداخلية" تكشر عن أنيابها الجديدة

السبت 2020/01/25
مئة يوم على الثورة: "الداخلية" تكشر عن أنيابها الجديدة
تعمدت "قوات مكافحة الشغب" محاصرة المتظاهرين وخنقهم بقنابل الغاز (Getty)
increase حجم الخط decrease

بشائر القمع من الحكومة الجديدة، متمثلة بوزارة داخليتها، بدأت تهلّ مع التظاهرة الأولى في عهد هذه الحكومة. وربما يأتي اليوم الذي "يتحسّر" اللبنانيون على الحكومة القديمة البائدة. فمن حاول نزع السور الحديدي والأسلاك الشائكة أمام السرايا الكبير لا يتخطى عددهم المئة شاب غاضب من الأوضاع الاقتصادية المزرية أمام أكثر من خمسة آلاف متظاهر، تجمعوا هناك فرحين للشغب الذي أقدم عليه الشبان في ذكرى مرور مئة يوم على ثورة تشرين، يوم السبت في 25 كانون الأول.

محاصرة الجموع
لو كان من نوايا لاقتحام السرايا من قبل المتظاهرين لكانوا حاولوا القيام بالأمر بعدما تمكن الشبان من نزع جزء من السور. لكن جلّ ما في الأمر أن اللبنانيين ضاقوا ذرعاً بالسلطة السياسية وبتجاهل مطالبهم بحكومة مستقلة، تنبع من ثورتهم التي دخلت في اليوم الأول بعد المئة منذ اندلاعها في 17 تشرين، ففرحوا وتسمروا في ساحة رياض الصلح، مرحبين بالشبان الذين تحدوا خراطيم المياه ورشق القوى الأمنية بالمفرقعات. لكن من طلب من القوى الأمنية إطلاق القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين تقصد الاستفزاز وربما فاته أن تلك الساحة باتت مقفلة، بعدما سوّروا جميع مداخل المجلس النيابي والسرايا بالجدران الإسمنتية الشاهقة. وهذا يعني حصر الجميع في تلك البقعة للبطش بهم، خصوصاً بعدما سدت القوى الأمنية الطريق الوحيد المفتوح بجانب الإسكوا على متظاهرين، وجلهم من النساء والرجال والأطفال والشيوخ.

صوت الشارع
على منوال أيام السبت الفائتة، نظم الناشطون والمجموعات الشبابية والمدنية مسيرات من مناطق عدة في بيروت، لتلتقي جميعها أمام الشارع المؤدي إلى ساحة النجمة. فمنذ أيام تتوالى الدعوات لتنظيم خمس مسيرات في الوقت ذاته، من أمام ثكنة الحلو مروراً بالمصرف المركزي، ومن شارع فردان مروراً بوزارة الداخلية، ومن ساحة ساسين مروراً بوزارة المالية، ومن الدورة مروراً بمؤسسة كهرباء لبنان، لتلتقي جميعها عند جمعية المصارف فساحة النجمة.

من أمام ثكنة الحلو، التي كانت قد شهدت تظاهرة حاشدة وقمع مفرط للإفراج عن المعتقلين منذ اسبوعين، انطلقت المسيرة في اتجاه شارع مار الياس وهتف المتظاهرون "علّي سور السجن علّي بكرا الثورة تشيل ما تخلي". وكان لافتاً مشاركة عشرات الصحافيين من "تجمع نقابة الصحافة البديلة" المعترضين على أداء نقابتي الصحافة والمحررين، وعلى القمع الذي تعرض له زملاؤهم في التظاهرات من القوى الأمنية.

هتافات أكثر تحدياً
انطلق المتظاهرون هاتفين الشعارات التي صدحت منذ قرابة الثلاثة أشهر ضد "سلطة رأس المال" وضد "رياض سلامة الحرامي" ومجلس النواب. وبدت هتافات المجموعات النسوية ملفتة وتحاكي مجريات الأحداث وتنم عن إصرار المتظاهرين في محاسبة المسؤولين وتحميلهم تبعات الانهيار الاقتصادي الحالي: "من بيوتكم من بيوتكم ح تجي الثورة تشيلكون"، ردد المتظاهرون. ونمّت الهتافات عن تحدي القوى الأمنية وشبيحة أحزاب السلطة وقمعها "ولو ضربونا بالشوارع صوت الشارع طالع طالع".

وطالت الهتافات طريقة تشكيل الحكومة الجديدة "شو هل النكتة المهضومة قال شكلوا الحكومة، حكومة مستقلة"، ورئيسها "يا دياب يا دياب رح نبلعك الكتاب"، ملمحين إلى الكتاب الضخم الذي وضعه حول "تجربته" العابرة في وزارة التربية. وإلى هتاف "يللا ارحل ميشيل عون" هتف المتظاهرون "ببعبدا ببعبدا عون بالقصر مخبا. ع فرنسا ع فرنسا راجع راجع ما تنسى". وتناولوا المقابلة الصحافية للوزير السابق جبران باسيل التي حصلت في دافوس، التي لاقت استحسان معظم اللبنانيين "بدافوس يا باسيل نشرولك الغسيل".

مشى المتظاهرون في هذه المسيرة وفاق عددهم الألف شخص والتقوا بالمسيرة القادمة من شارع فردان أمام وزارة الداخلية. ومشى الجميع تتقدمهم لافتة كبيرة كتب عليها "لا ثقة بحكومة التكنومحاصصة" وعلى وقع هتاف "بدنا قوى أمنية بتنمع البلطجية" و"ثوار أحرار منكمل المشوار".

بعدما حيّا المتظاهرون المناطق المنتفضة في لبنان رددوا هتاف "جنوا جنوا الرجعية من قبضة النبطية. غصب عنك يا أزعر رح نحصل ع الحرية"، لافتين إلى حرق مجسم "قبضة الثورة" الذي رفعه ثوار النبطية ليلة الجمعة في 24 كانون الثاني وأقدم شبيحة من المنطقة على حرقه ليلاً بذريعة أن النبطية لا تستقبل إلا "القبضة الحسينية" في ساحاتها.

أمام جمعية المصارف كان في انتظار المسيرتين قرابة الألفي متظاهر قدموا في مسيرات من العدلية وساحة ساسين والدورة. التقت هذه المسيرات القادمة من كل المناطق اللبنانية ومشت باتجاه ساحة رياض الصلح، بعدما عدلوا مسارهم الذي كان مفترض أي ينتهي في شارع ويغان أمام المفترق المؤدي إلى ساحة النجمة. وكان في انتظارها قرابة الخمسمئة شخص بالقرب من جامع الأمين.

أسوار المعتقلات
جميع مداخل مجلس النواب سدت بجدران إسمنتية ضخمة، وواحدة بألواح حديدية، راح المتظاهرون يضربون عليها بالحجارة والأيادي، تعبيراً عن غضبهم. أسوار بعضها مكلل بالأسلاك الشائكة بما يشبه المعتقلات والمراكز العسكرية. أسوار لحماية المجلس النيابي من المتظاهرين لا نعلم كيف سيتسرب النواب إليه لعقد جلسة الثقة للحكومة الجديدة. وتدل على أن القوى السياسية باتت غير قادرة على حكم البلد إلا من وراء تلك الأسوار الشاهقة التي تفصل بينها وبين الشعب اللبناني.

ما إن وصل المتظاهرون إلى الساحة المقابلة للسرايا الحكومي حتى راح بعض الشبان ينتزعون الأسلاك الشائكة الكثيرة، التي وضعت أمام الجدار الحديدي والإسمنتي الذي يفصل بين المتظاهرين والطريق المؤدي إلى السرايا، التي بدت مضاءة، بعدما انتقل دياب إليها. وطالت هتافات المتظاهرين دياب بأقذع العبارات والشتائم، واستحدثوا هتافاً جديداً "يا حسان حس ع دمك ما بدك ترتاح ريّح أمك".

بعض الشبان حاول إزاحة الجدران الاسمنتية والبعض الآخر اختراق السور الحديدي. وتمكن بعض الشبان من نزع جزء من السور الحديدي، فصفقت لهم الجموع المتجمعة في الساحة وهتفوا "ثورة". فحضرت خراطيم المياه وراحت قوات "مكافحة الشغب" تتصدى للمتظاهرين برشهم بالمياه. فبدأ الشبان برشق القوى الأمنية بالمفرقعات والحجارة، على وقع هتافات المتظاهرين "شبيحة شبيحة".

خنق الناس
بعد نحو نصف ساعة من رشق المتظاهرين بالمياه بدأت "حفلة" الغاز في تلك الساحة الضيقة. وكان الطريق بجانب مبنى الاسكوا مفتوحاً، وهو أقرب طريق للمتظاهرين للانسحاب في حال تصاعدت حدة التوترات مع قوات "مكافحة الشغب". لكن الأخيرة أقفلته بأكثر من مئة عنصر وانهالت على المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع، فأصيب العشرات بحالات اختناق ووقعوا ضحية التدافع في الشارع الضيق، علماً أن الكثير من كبار السن والأطفال كانوا في الحشود. قرار "قصف" الحشد بالغاز المسيّل بالدموع أتى إما بأمر متهور أو عن سابق إصرار، لا فرق. فلم يسلم أحد من حال الاختناق بفعل تلك القنابل التي تساقطت بين أرجلهم ووصلت القنابل حتى مبنى اللعازارية.

نوايا وزارة الداخلية، بحلتها الجديدة، ظهرت في نداءات قوى الأمن الداخلي لإخلاء ساحة رياض الصلح، والتي وصلت حد الطلب من "كل شخص موجود في مكان أعمال الشغب سوف تعمد عناصر مكافحة الشغب على توقيفه". وهذا يعني بلغة غير فصيحة أن جميع المتظاهرين "مشاغبين" تجب مكافحتهم بالغاز والقمع والبطش. ألم يقل نائب أمين عام حزب الله نعيم قاسم في ذكرى أربعين عضو قيادة منطقة البقاع، قبل ساعات من هذا القمع، إن "بعض المشاغبين والمعتدين على الأملاك العامة والخاصة، لا يستطيعون تغيير مسار بلد".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها