نزيه يضرب عن الطعام: سلطة التجويع هي العدو

أعلن المواطن اللبناني نزيه خلف إضرابه عن الطعام. فمن لم يجع اليوم، سيجوع غداً. ومن لم يذق ظلم هذه السلطة اليوم، سيذوقه غداً. وبكلتي الحالتين، إنّ الجوع على الباب، طوعاً أو كرهاً. يعتصم نزيه في خيمة داخل موقف اللعازارية وسط البلد. هو أربعيني ترك عمله وزوجته وطفلته، وتفرّغ للنضال في ثورة 17 تشرين.

يقول نزيه إنه تربّى في المدارس على الكرامة والوطنية "وعشناها في بيوتنا مع أهلنا، كبرنا وعشنا الحروب. وكنا نقول دائماً أنّ بكرا البلد بيصير أفضل، بكرا بتخلص الحرب وبيفلّ العدو، فوصلنا إلى مرحلة أدركنا فيها أنّ عدوّنا منا وفينا". الدولة هي عدوّنا، والسلطة هي عدّونا. فما وظيفة العدو إلا الإضرار بمن احتلّ أرضه وتطويعه وتجويعه وقتله؟ السلطة فعلت كل ذلك. أمراء الحرب قتلوا الناس في زمن المعارك، جوّعوهم في زمن السلم، طوّعوهم في وظائفهم وخطاباتهم المذهبية واحتلّوا السلطة ومؤسسات الدولة. لا تختلف السلطة عن العدو، فعلياً. تجسّد كل ما هو سيء، بوقاحة وتعالٍ وقدرة على القتل. أقلّه، هذا ما اختبرناه في العقود الماضية، وهذا ما شهدنا عليه في ساحات القمع والسحل في الأيام الأخيرة. وهذا ما نتابعه في عمليات التسويات والتشكيلات الحكومية وتوزيع الحصص.

السلطة العدو
"عدوّنا هي دولتنا وهي التي تجوّعنا وتجوّع أولادنا"، يقول نزيه، لا يفكّر من فيها إلا بالحصص والأموال والأرزاق. والدولة هنا مقصود بها من احتلّها. يتعاملون مع البلد وكأنه مزرعة "هم أصحابها ونحن الأغنام". وهذه هي الحال منذ عقود. "نحن شعب لديه كرامة وإحساس ومسؤوليات وعائلات، خرجنا من حريق المشرف ونزلنا إلى هنا، تحرّكت الناس كلها والمسؤولين لم يحرّكوا ساكناً". تراكم فشل السلطة وتعاظمت معه نقمة اللبنانيين. فـ"نزلنا إلى الساحة من أجل الكرامة ومطالبنا المعيشية". نزيه من شريحة واسعة لم تعد تستطيع تسديد أقساط مدارس أبنائها وفرغت منازلها من المواد الغذائية والتموينية. لكن "ما زلنا نقول لأبنائنا أنّ هذا العلم اللبناني وهذا بلدنا وما علينا إلا حب العلم والبلد". لكن هؤلاء كبروا ورأوا أنّ هذا البلد منهوب ويسلب منهم أبسط حقوقهم.

الإضراب عن الطعام
تعامت السلطة عن مطالب اللبنانيين وسارت أكثرية من فيها بحكومة حسّان دياب. الأمر بسيط بالنسبة لنزيه "فالدولة لم تنظر إلينا ولا إلى ما نريده، ولا تزال هموم هذه السلطة الكراسي والمال من دون أن يكون همّ الناس أولوية". يقول نزيه إنّ الناس هي السلطة، "والناس تقرّر متى تموت ومتى تعيش ومتى تأكل". لم يعد نزيه يعتبر أنّ تلك الأكثريات النيابية تشكّل السلطة. أضرب عن الطعام بعد سأل نفسه "لماذا أنا قد أتناول الطعام فيما جاري يعيش بلا غذاء". وردّ على تساؤله بنفسه: "غداً أنا سأصبح بلا أكل، صحتي ما عادت تهمّني وكرامتي هي الأساس، أريد العيش بكرامة". ويأتي إضرابه عن الطعام لإيصال رسالة إلى "الأمم المتحدة ومجلس الأمن والفاتيكان والأزهر وعلماء الدين في العراق والسعودية وكل العالم، إلى كل جهة تهتمّ بالإنسان وحقوقه".

مطالب أساسية
نزيه، الذي تربّى في بيت لوالد في السلك العسكري، يقول إنه تربّى على حب الوطن بعيداً عن الطوائف والمذاهب وكل ما فيها من أحزاب وتيارات. لا ينتمي إلى أي منها ولا يهمّه إلا العيش بكرامة. وفي هذه المرحلة "كرامتي أهم من صحّتي". وبالعودة إلى أرشيف الاعتصامات والتحركات في بيروت، يظهر اسم نزيه في سجل من أضربوا عن الطعام خلال حركة "طلعت ريحتكم" عام 2015. فيبدو أنّ لهذا الرجل تاريخاً مع المعارضة السلمية. وعن أهمية الإضراب عن الطعام ونتائجه، يقول إنّ المطلوب أولاً وأخيراً إيصال الرسالة وفضح السلطة أمام العالم كله. ويطرح مطلبين أساسيين لفكّ إضرابه، أولاً استقلالية القضاء، "ليوقف القضاء فاسداً واحداً في هذه الدولة، وأنا أوقف إضرابي عن الطعام". ثانياً تشكيل حكومة تمثّل الشعب. وعدا ذلك، نزيه باقٍ بأمعائه الخاوية.

زكية متضامنة
وبعد ساعات على إعلان نزيه إضرابه عن الطعام، انضمّت إليه الناشطة زكية. تعرّفت إلى نزيه خلال الثورة، بعد أن تركت عملها طواعية من أجل التغيير. تخلّت عن وظيفتها في مختبر للأسنان "ولو أنّ عائلتي وأخوتي بحاجة فعلاً لعملي والراتب الذي أتقاضاه". تقول زكية إنها في الثورة "تعرّفت على أحلى ناس وأحلى عالم". فهنا الناس من مناطق وطوائف وانتماءات مختلفة اجتمعوا على أمرين، المطالب المعيشية وإسقاط الفاسدين. "ليس مسموحاً أن أجوع من أجل ديني ولا أن أعيش في مكبات النفايات وأتنشّق روائحها". تضامنت زكية مع نزيه "لأنّ الإضراب عن الطعام قد يكون حلاً".