الجمعة 2020/01/10

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

قتيل نانسي عجرم ونساء فيليب زيادة: انتهاك الصورة وخبرها

الجمعة 2020/01/10
قتيل نانسي عجرم ونساء فيليب زيادة: انتهاك الصورة وخبرها
نانسي عجرم أثناء تصوير "فيديو كليب" غنائي (Getty)
increase حجم الخط decrease

في الأيام الأخيرة، تصدر خبران مساحات وسائل التواصل الاجتماعي. بين صور فيليب زيادة الفاحشة والمتهتكة، وفيديو فادي الهاشم ونانسي عجرم، المتأثرة بوفاة السارق حيث تظهر ضمادة جرح ساقها. يضيع المشهد ويتحوّل الحدثان إلى محاولة لإثبات أحقية طرفٍ على آخر. وإذ بالنقاش ينحو نحو جدلٍ حول الحرية الشخصية أو الجنسية وحدودها، وحق الفرد في منصب سياسي بمعزلٍ عن حياته وممارساته الشخصية، وحماية الذات والعائلة من سارق سوري الجنسية.. مع التشديد على هوية السارق، وإلى ما هنالك من أحاديث تمّ تكرارها وتردادها، على نحو لم يعد مقتل سليماني هو حدث الساعة.

اخترت أن أربط بين فيليب زيادة ونانسي وفعلة زوجها، لربما أجد جزءاً من المشهد الذي اختفى أو ضاع في محاولات إثبات أحقية الفعل. أيا كانت النتيجة في توزير زيادة أو براءة هاشم وتماثل ساق نانسي الى الشفاء، لربما علينا بعيداً عن النقاش الذي استنفذ كل سبل "الجعجعة والطحن"، أن ننظر إلى الحدثين والقاسم المشترك بينهما، حين يطغى منطق تقليص فداحة الصورة – بمعنى آخر عملية تجميل فعلٍ قد يراه البعض مداناً. لم لا والرجلان يقفان طرفين بين طب التجميل والتطوير العقاري. وفي كلا المهنتين تبدّل لما هو أكثر جاذبيةً وفتنةً وفقاً لمعاييرَ يضعها من يسيطر على الصورة أو السلعة!



نساء فيليب زيادة 
في البيان الذي أصدره المكتب الإعلامي لرجل الأعمال اللبناني الأميركي القادم من فيغاس، ذُكر أن صور فيليب زيادة الشخصية مع نساء في وضعيات وإيحاءات جنسية مختلفة "أنها التقطت منذ أكثر من عشرين عاماً مع أحد أصدقائه"، قبل أن يربأ السيد زيادة بنفسه عن الرد من دون يلحظ أنه ردّ فعلاً، مبرراً أن فعلته مشروعة طالما قام بها في زمنٍ عابر أو في مرحلة الشباب والطيش. وهنا يبدو أنه أدان نفسه ليبرئها مجدداً بفعل مرور الزمن.

إذا ما تمّ وضع نقاش الحياة الشخصية للسيد زيادة ومن هن السيدات اللواتي كن معه وقيامهن بهذا الأمر مقابل أجر أم غير ذلك جانباً، لوطأة تلك الصور واستخدامها وتسريبها وتداولها على كافة وسائط التواصل دلالات عدة، منها أمرين: اعتبار جسد المرأة غرضاً للمتعة والتفاخر والتباهي في الأوساط الخاصة لفيليب زيادة ولصديقه (الذي للمفارقة لم نر وجهه)، ما استوجب توثيق تلك اللحظات بصور، وتسريب تلك الصور بعد سنوات واعتبارها مشينة ومهينة بسبب تواجد النساء كمفعول بهنّ إرضاءً لشهوات رجل الطاقة المتجدّدة ومدن المستقبل. في الحالتين، يبدو جسد المرأة منتهكاً ومشيّئاً ومسلّعاً يُشترى عند الحاجة، أكانت تلك الحاجة جنسية أو غير ذلك. والمتعة بحد ذاتها، ليست موضع استهجان. كل من وُجد على هذا الكوكب، يعلم أن سبل الإمتاع الجنسي كثيرة. وقد كتب فيها مجلدات منذ القدم. كما أن هنالك نقوشاً لوضعيات جنسية تعود لأيام عشتار، ومنذ طقوس ديونيسوس، حين كانت تنظم تلك الطقوس داخل المعابد وكانت مقدسة. ما يبدو فعلاً مستهجناً اليوم هو تكريسٌ لا يكلّ لصورة المرأة وجسدها كغرض وكولّاد حصري للمتعة، واعتبار ذلك فعل انتقاصٍ من قيمتها، على الرغم أن الرجل هو أيضاً غرض متعة للمرأ،ة وقد تطاله وضعيات جنسية أيضاً من دون أن ينتقص ذلك من قيمته. وزيادة شئنا أم أبينا مشاركٌ في هذا التكريس. يتعدّى الأمر إذاً فكرة حرية زيادة الشخصية، انما هو استخدام الصور تلك من موقعين  مناقضين يزيدان من تشييء وتسليع جسد المرأة في سياق عام لا يحتمل مزيداً من مكامن ضعف لمكانة المرأة.

وإذا كانت واحدة من الأيقونات التي ولدتها الثورة هي شعار "الثورة أنثى"، فمن البديهي اذاً أن تلقى شخصية زيادة رفضاً ونفوراً من قبل كثر. وهنا قد يكون مهماً طرح معادلة من يمتلك الصورة وفي أي سياق: عندما أخذت صور زيادة، أخذها الأخير أو صديقه لغرض شخصي، مكمنه إثبات قدرات وجاذبية صاحب الصورة. وفي الاستخدام الثاني تم تسريب تلك الصور وإتاحتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة لإثبات لاأخلاقية صاحبها أيضاً. والنساء في الحالتين يقفن على الهامش كأداة انتقاص، في زمن باتت الصورة فيه عرضة لأن تكون  مشاعاً  لا حدود له. 

القتيل محمد حسن الموسى


السوري القتيل وساق نانسي 
في سياق متزامن، أتت حادثة مقتل مواطن سوري في فيللا نانسي عجرم ليثير جدلاً آخر. وفق رواية فادي الهاشم، المواطن هو سارق تسلّل إلى بيت نانسي وهدّد أمن العائلة، ما استوجب تدخل الهاشم لحماية بناته الثلاث، فأردى محمد حسن الموسى قتيلاً بستة عشر طلقة. في اليوم الذي تلى انتشار خبر الجريمة، ظهرت روايةٌ أخرى مناقضة تماماً لما ورد عن لسان الهاشم قدمتها عائلة الموسى، مفادها أن الأخير عمل بستانياً لدى العائلة، وأتى لأخذ مستحقاته بعد معاناةٍ شديدة في الحصول عليها. هنالك الكثير من اللبس والغموض في الروايتين: إن كانت الرواية الأولى تدّعي أن السارق مجهول الهوية لماذا يقول الأخير - وفقاً للهاشم، "ما تجبرني إئذيك أستاذ فادي؟" لم أسمع يوماً بسارق ملثّم يدخل منزلاً ويدعو صاحب البيت بالـ"إستاذ". من الواضح أن الجملة قد تشي بمعرفة ما تربط الموسى بالهاشم. وان كانت المحطة الأخيرة لموت الموسى هي قريبة من غرفة نوم بنات نانسي - كيف استطاع الهاشم أن يطلق ستة عشر طلقة بالقرب من بناته؟ هل كنّ هناك أم أن مقتل الموسى تمّ في مكان آخر؟ والأهمّ لماذا هنالك عملية مونتاج للفيديو الذي تمّ تداوله لشرح فادي الهاشم (مراجعة الرابط: دقيقة واحدة وسبع ثواني)؟ ما هي هذه الومضة المضيئة التي تمت في الدقيقة الواحدة والتاسعة والثلاثين والتي استدعت فادي أن يقلص جسده كما لو أن هنالك طلقة نارية كادت أن تستهدفه ومن أطلقها إن كان سلاح الموسى هو فعلاً سلاحاً وهمياً؟ لم تكن كل تلك الأسئلة مهمة لرواد التواصل الاجتماعي. إذ ملأت حملات التضامن المطلق ساحات التواصل الاجتماعي. في اليوم الثالث تمّ إطلاق سراح فادي الهاشم وتركه رهن التحقيق، بانتظار إحالة الملف الى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، ما استدعى حملة استهجان زادت من وطيس حلبة الجدل السوري/اللبناني في مناخ لا يخلو من العنصرية. عنصرية بدأت بالتشديد على هوية السارق ولم تنتهي بهيفاء وهبة التي غردت "ويا ريت كل هالأشكال المجرمة يفلوا (يخرجوا) بقى من لبنان"!

ساق نانسي عجرم


صناعة الصورة والخبر 
في سياق متصل، كان مثيراً كيف تناولت بعض الصحف والمجلات الحادث وأكثرها فداحة عنوان مجلة سيدتي: "بالتفاصيل الكاملة.. الصور الأولى لإصابة نانسي عجرم وجثة الجاني.. وموقف هاشم القانوني". وقام موقع مونتي كارلو الدولية بتقديم عنوان مماثل  بينما قدّم موقع مصراوي العنوان التالي: " قتل لصًا وفارق السن بينهما 14 عامًا.. ". كثرت العناوين، وإذ بالجريمة التي تمت-بمعزل عن تهمة كل من الضحية أو الهاشم - تدور حول مدار صورة نانسي.

نسي الجميع الرجل الذي قتل بستة عشر طلقة. وبات التركيز في اللحظات الأولى على ساق الأخيرة. وكان التضامن واجباً تلقائياً بافلوفياً. سيطرت صورة النجمة المؤلّهة على منطق وعقول محبيها. ولم تعد مهمّة كل التساؤلات ولا الفيديو وما يقدمه من احتمالات لسرديات متعددة لما حصل. صورة نانسي كنجمة شيّئت جريمة بأكملها: حوّلت كل ما حدث الى مجرد أكسسوار لخبر آخر من يوميات فنانة، ستلقى مزيداً من الإحاطة من قبل زملائها ومحبيها. ولو تمّ الحدث نفسه في مكان غير منزل نانسي عجرم، لتمّ التعامل قانونياً وإعلامياً مع الحدث بشكلٍ مغاير.

من يصنع الصور ومن يشيئها ومن يسلعها ومن يكرّسها وفي أي سياق وأية ديناميات؟ سؤال يطرح.

في الإثناء، لا يبدو أن هنالك مساحة كافية للإضاءة على عبد القادر الجنكي، الذي أحرق نفسه في منطقة المنكوبين في طرابلس بسبب سوء الأوضاع المعيشية. هكذا حدث لا يمكن أن يأخذ أكثر من مساحة خبر!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها