الخميس 2019/09/05

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

"المدن" تزور النبي شيت بحثاً عن مصنع الصواريخ

الخميس 2019/09/05
"المدن" تزور النبي شيت بحثاً عن مصنع الصواريخ
تشكل بلدة النبي شيت واحدة من أكبر "الخزانات البشرية لحزب الله" (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease

لا صوت يعلو في بلدة النبي شيت هذه الأيام، فوق الصوت المنبعث من "المجالس العاشورائية"، حتى لو كان مصدره الجيش الإسرائيلي الذي راح يروّج منذ يومين أخباراً عن "إقامة حزب الله موقعاً مخصصاً لإنتاج وتحويل الصواريخ الدقيقة في البقاع قرب بلدة النبي شيت"، مع ما يحمله ذلك من تهديدات عسكرية مباشرة للبلدة، التي تشكل واحدة من أكبر "الخزانات البشرية لحزب الله" في معاركه المفتوحة على أكثر من جبهة.

حديقة الشهداء
لا شك أن تسمية الجيش الاسرائيلي لـ"النبي شيت" بإشارته إلى الموقع الذي رصدته أجهزته، ونشره الخبر مع الخرائط المرفقة، لها أصداء معنوية. فالبلدة التي احتضنت رفاة ثاني أمين عام لحزب الله، عباس الموسوي، مع رفاتيّ ولده وزوجته، اللذين قضيا معه في تفجير سيارته بجنوب لبنان في شهر شباط من سنة 1992، لا تجاهر فقط بانتمائها الكلي وولائها التام لحزب الله، وإنما أقرنت القول بالفعل من خلال تقديمها أكثر من ستين شاباً قضوا في ساحات معارك حزب الله، وهي تكرم ذكراهم بمقام السيد عباس الموسوي، في حديقة سميت على إسمهم، وتشكل محجاً دائماً لعائلات الراحلين بكل المناسبات.

يبلغ عدد سكان النبي شيت نحو 17 ألف نسمة، أضيفت إليهم في البلدة خلال السنوات الأخيرة نحو 4 آلاف نسمة من النازحين السوريين.. ومع أن جزءاً كبيراً من أهالي البلدة ينخرطون في السلك العسكري والأمني الرسمي "الشرعي"، فإن الولاء السياسي المطلق هو لحزب الله. ليبدو ذلك طاغياً على المشهدية العامة في البلدة.

على طول الطريق المؤدية إلى بلديتها، تنتشر صور المجاهدين و"الشهداء" مع رايات عاشوراء السوداء، والتي تعكس نمطاً اجتماعياً موحداً، يعسكر المجتمع ويصوب تفكيره نحو هدف واحد.

قبضة أمنية
ومع أن المظاهر العسكرية تغيب عن شوارع البلدة، يبدو الوضع تحت سيطرة أمنية تامة لحزب الله. وليس ذلك ارتباطاً بالتهديدات الظرفية التي تطلقها إسرائيل، وإنما يكاد يكون حالاً دائمة، منذ ما قبل استفحال مخاطر "التكفيريين" عبر سلسلة جبال لبنان الشرقية، التي تفصلها عن الأراضي السورية، وحتى ما قبل حرب تموز 2006، والتي تلقفت خلالها النبي شيت صواريخ ست غارات شنت عليها، كما يذكر الأهالي.

ومن هنا لن يلقى تجول "الغريب" في البلدة، من دون مرافقة أحد عناصر الشرطة البلدية على الأقل، الترحيب التام.

قد تجد هذه القبضة الأمنية المسيطرة لحزب الله على البلدة، تبريراتها فيما تحدث عنه الجيش الإسرائيلي عن منظومة عسكرية يجري تطويرها في موقع على ضفاف البلدة، إلا أن ذلك بالنسبة لأهالي النبي شيت ليس سوى ضرب من "هذيان" إسرائيل وادعاءاتها الباطلة، كلما أخفقت في "ليّ ذراع" حزب الله كما يقولون.

فالنبي شيت هي بلدة مأهولة سكانياً كأي بلدة لبنانية أخرى، وبمفهوم أهلها ثمة صعوبة بإنشاء مصنع للصواريخ فيها أو على أطرافها، لأن حزب الله هو الأكثر حرصاً على عدم تعريضهم أو تعريض أمنهم لأي خطر. إلى كون مصانع الصواريخ تحتاج لإمكانيات ضخمة، لا يمكن وضعها في هذا الجزء من لبنان، كما يقول رئيس البلدية حسن السيد علي الموسوي. ومن هنا يرفض أبناء البلدة الحديث حتى عن معسكرات تدريبية في هذه المنطقة، مشيحين النظر عن حوادث سابقة قد تخالف تأكيداتهم، ومنها وفاة ثلاثة "مجاهدين" في انفجار بمستودع للذخائر في البلدة في تشرين الأول من سنة 2012، والذي بررتته العلاقات الإعلامية في الحزب حينها، بأنه حصل في مستودع للذخائر تجمع فيه القذائف والذخائر القديمة والمخلفات من القصف الاسرائيلي في المنطقة.



اختفاء "المسيّرات"!
يشعر من يستمع إلى أهالي بلدة النبي شيت بـ"نشوة نصر" لا يلاحظها اللبنانيون القلقون من أي حرب جديدة تشنها إسرائيل. ويكفي أن يختفي صوت الطائرات المسيرة من الأجواء، حتى يتحدث هؤلاء عن هزيمة إسرائيلية أمام التحذيرات التي أطلقها أمين عام حزب الله حسن نصرالله قبل أيام، والتي هدد فيها بمواجهة أي خرق للأراضي والأجواء اللبنانية، وبإسقاط "المسيّرات" الإسرائيلية من السماء. وهكذا نجد أهالي النبي شيت يشعرون بطعم النصر عبر "إختفاء" ضجيج هذه المسيّرات من سمائهم، بالتزامن مع الأحداث التي شهدها الجنوب اللبناني، من دون أن يكترثوا لأي إعتداءات جديدة قد يستجلبها حديث الجيش الإسرائيلي الأخير عن "مجمعات لإنتاج المحركات والرؤوس الحربية للصواريخ ذات قدرة الإستهداف الدقيق" في هذه المنطقة.

زاوية.. زاوية
يقول رئيس البلدية أن البلدة تعرضت في حرب تموز 2006 لأكثر من إعتداء، وبقي 80 بالمئة من الأهالي صامدين فيها.

وإذا يشير الموسوي إلى أن التجهيزات العسكرية تحتاج إلى إمكانيات دول لتأمينها، يقول يا ليت لدينا هذه الإمكانيات لنطور مثل هذه الصواريخ التي يمكننا أن نواجه من خلالها العدو وجهاً لوجه، مبدياً استعداده لمرافقة أي كان إلى أي طرف في البلدة، ونبشها زاوية زاوية، حتى يتأكد الجميع بأن لا معامل أو مواقع للأسلحة في النبي شيت.

ويفتخر الموسوي في المقابل بأن النبي شيت تنتمي إلى المقاومة، التي أياً كان التشويش الداخلي الذي يحيط بها، تشكل "حقاً مقدساً" للبنانيين، وواجباً، طالما أن كل بيان وزاري يصر على "ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة" في تحديد السياسة الدفاعية للبلد. لافتاً إلى أن للبلدة شهداء منذ سنة 1978 وقد قضوا ببلدة الطيبة الجنوبية. كما أن شقيقه من بين 6 آخرين من أبناء البلدة قضوا في ميدون، إلى 60 شهيداً آخرين قضوا في معارك الدفاع عن أرض الوطن، سواء بوجه إسرائيل أو بوجه التكفيريين.

ينتهي الموسوي بالإعراب عن فخر أهالي البلدة، بكون أمين عام حزب الله إبن البلدة "سيد الشهداء" عباس الموسوي استشهد بالجنوب بمنطقة تفاحتا. ويقول "مستعدون لأن نكون كلنا مشاريع شهداء، فداء للمقاومة وللبنان، ولا أن نقبل بالمهانة"، معرباً عن اعتقاده بأن الحروب التي خاضها الحزب، سواء بوجه اسرائيل أو مع التكفيريين، هي وجهان لعملة واحدة، ومؤكداً "لدينا القناعة الكاملة بما نقوم به، لأن القوة لا تردعها إلا القوة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها