الأربعاء 2019/09/18

آخر تحديث: 00:10 (بيروت)

الفاخوري يقتل وحزب الله يحرّم البيرة ويغفر للعملاء

الأربعاء 2019/09/18
الفاخوري يقتل وحزب الله يحرّم البيرة ويغفر للعملاء
بعد فرحة الجنوبيين بالتحرير، تبيّن أن تحريم الخمر أهم لحزب الله من العمالة (Getty)
increase حجم الخط decrease
بينما كنا نحتفل في ساحة حولا بخروج الصديقين سامر حجازي وزياد غنوي من معتقل الخيام غداة "التحرير" في العام 2000، كان حزب الله يتحين الفرصة للانقضاض على آخر زجاجة بيرة ومنع الخمر في المناطق "الشيعية" المحررة.

بيرة وآر بي جي
كنت بصحبة أصدقاء نحتسي البيرة في سيارة أحدهم، فرحين بكسر أقفال معتقل الخيام وخروج الأسرى. أتى مسؤول حزب الله العسكري في القطاع، سائلاً عن الأشخاص الذين برفقتي، فاستشاط غضباً لوجود "غرباء" يحتسون الخمر في حولا قرية الشهداء. المسؤول من أبناء القرية، ولي به معرفة، ويعرف عائلتي وأخي الذي استشهد في حولا أثناء تنفيذ عملية تدمير دبابة إسرائيلية، وأخوتي وأبي المعتقلين في الخيام.

لم يشفع لنا تاريخ العائلة، فراح مسؤول حزب الله يصرخ ويولول كمن ألقى القبض على مجرمين متلبسين بفعلة مشينة، وعلا صوته قائلاً: "لقد دفعنا دم مئات الشهداء كي تأتون وتدنسوا أرض حولا بشرب الخمر؟". عاجلته غاضباً محتجاً بأن عدد شهداء الحزب الشيوعي اللبناني في حولا أسبق وأكثر عدداً من شهداء حزب الله، ولا شأن له بنا. كان مدججاً بسلاحه وجعبته مليئة بمماشط الرصاص وشتى أنواع القنابل الفردية، فصرخ بنا أن نرحل وإلا سيأتي "بالشباب". دفعتني "حماستي الثورية" إلى التحدي، فخرجت من السيارة صارخاً: فليأتي شبانك جميعاً ومعهم الله الذي يتخذه حزبك اسماً له.

لم يكذب المسؤول العسكري خبراً، وما هي إلا دقائق حتى انهمر الرصاص في الساحة، حيث تجمعت حشود لتهدئة الحال. لكن "شباب" الحزب، وجلهم من "الغرباء" عن قريتنا، راحوا يطلقون النار في الهواء لإخافتنا، وشمل إطلاق النار أنحاء القرية ورافقه إطلاق قذفتي آر. بي. جي. في الهواء انفجرتا على الحدود، فأطلق الجيش الإسرائيلي صفارات الإنذار.

كانت ليلة عصيبة ومظلمة، ضاعف ظلامها انقطاع التيار الكهربائي وانتشار عناصر حزب الله في الطرق، وفي الصباح قُبض على حولا وعلى باقي المناطق "الشيعية" بجرم البيرة المشهود، ومنع على جميع المتاجر بيع الخمر. وإذا كان حزب الله قد أعد عدّته للسيطرة على المناطق المحررة قبل "التحرير"، فقد كان بحاجة لمسرحية ما لينقضّ على شاربي الخمر وبائعيها، مندفعاً بفكرة "الأرض لمن يحررها".

العملاء في حماية حزب الله
بعد أشهر على "التحرير" المزعوم خرج عملاء جيش لحد من السجون. حوكموا شكلياً، وانضووا تحت جناح حزب التحرير مستفيدين من "قوّته" وسيطرته على المنطقة، ومن نفوذه وقدرته "السحرية" في العفو والمغفرة "الشعبية" عن العملاء. فحزب "المقاومة والتحرير" يمنح شهادات بالوطنية صكوك الغفران من العمالة. وما زلت أذكر أحاديث الأسرى الكثيرين في حولا، بعد خروجهم من معتقل الخيام، مستنكرين رؤية "العملاء المحررين" يسرحون يمرحون بينهم في ساحة القرية. كانوا يلعنون الساعة التي لم يتجرؤوا فيها على التعامل مع إسرائيل وتوفير مشقة المعتقل وعذابه، طالما أن أحكام الدولة كانت مخففة وعطف الحزب عليهم غامراً.
ولم يضع الحزب فيتو على دخول القوى الأمنية الشرعية إلى منطقة "الشريط الحدودي" فحسب، بل رفض حتى إجراء انتخابات بلدية في تلك المناطق في العام 2001، وهددنا وتوعدنا نحن الشباب الذين كنا نوزع المناشير لحث السكان على مطالبة السلطة بأجراء انتخابات للمجالس المحلية، التي لم يجر التجديد لها منذ سبعينيات القرن المنصرم.

العونيون في الممانعة
هي وقائع بسيطة تثبت مدى براغماتية حزب الله في التعامل مع العملاء والعمالة لإسرائيل. فقد تبين بعد أشهر قليلة على "التحرير" أن تحريم الخمر أهم لحزب الله من العمالة، وأهم من عودة الحياة "الديمقراطية" من خلال انتخاب المجالس البلدية. وكان على استعداد لشن الحروب لمنع الخمر والانتخابات متناسياً ملف العملاء والعمالة التي تقضّ مضاجع "الشيعة" هذه الأيام، على هامش قضية آمر معتقل الخيام عامر الفاخوري، الذي كان يتفنن في تعذيب الأسرى.
براغماتية تجعل حزب التحرير وجمهوره يعفون عن العملاء ساعة يشاؤون، ويسمون بها من يريدون غب الطلب. وتحالف الحزب مع العونيين ووقع معهم اتفاق مار مخايل. فبعد أن كان التيار الوطني الحر ورئيسه في عداد الخونة والمتعاملين، غداة إصدار قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية في  الكونغرس الأميركي، باتوا من الجمهور الممانع الذي يمنح الشهادات بالوطنية حتى على المقاومين وبمعية حزب الله وأيديولوجيته "المقاومة". 

قتلى الفاخوري
إذا كان سامر حجازي الذي أمضى أكثر من سنوات ست من مراهقته في المعتقل، لم ير وجه الفاخوري، بل تتردد في ذاكرته أصداء صراخه، فإن صراخ أحد المعتقلين في غرفة قريبة من مهجعه ما زالت أصداؤه تتردد أيضاً في مسامعه، فيما هو يستغيث إلى أن قضى قتيلاً، ولم يحرك آمر المعتقل ساكناً لنقله إلى المستشفى.

هذا جزء بسيط من الفظاعات التي ارتكبها الفاخوري، وحفظها الأسرى وأهالي المنطقة عن ظهر قلب، وحفرت في ذاكرتهم آلاماً يصعب على حزب الله محوها من صدورهم وعقولهم وعقول مناصريه ومنح العفو عنه، كما فعل مع باقي العملاء.     

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها