الإثنين 2019/09/16

آخر تحديث: 00:25 (بيروت)

الفلسطينيون بعد كندا يحلمون بدولة خرافية بين مصر والسودان

الإثنين 2019/09/16
الفلسطينيون بعد كندا يحلمون بدولة خرافية بين مصر والسودان
البلبلة التي أحدثها الهيئة الشبابية دفعت الفصائل إلى الحديث عن مؤامرة صفقة القرن (أف ب)
increase حجم الخط decrease

بعدما ضاقت بهم سبل العيش الكريم في لبنان، بدأ فلسطينيو هذا البلد يتمسّكون بقشة مملكة الجبل الأصفر لاستقبالهم كلاجئين إليها.

دولة خرافية
ومنذ أيام عدة يتداول فلسطينيو المخيمات شائعات عن وجود مداولات دولية لإنشاء دولة لجميع اللاجئين في العالم تقع حدودها بين مصر والسودان، في أرض لا تخضع لسيادة الدولتين، وبدأ الترويج لها كدولة نموذجية تؤمن للاجئين الحياة الرغيدة، كما ظهر في شرائط الفيديو المصوّرة التي انتشرت على موقع يوتيوب. حتى أن الهيئة الشبابية الفلسطينية، التي تنشط في المخيمات على تجميع طلبات للجوء الإنساني إلى كندا وغيرها من الدول الأوروبية، بدأت تتواصل مع هذه المملكة عبر مواقع التواصل الاجتماعي علّها تستقبلهم للهرب من لبنان، وفق تأكيد مصادر المكتب الإعلامي في الهيئة لـ"المدن".

ولعل تلقي "الهيئة الشبابية" 24 ألف طلب من فلسطينيي لبنان خلال ثلاثة أيام، قدّمت إلى سفارة كندا مؤخراً، يكشف مدى البؤس الذي يعيشه الفلسطينيون في لبنان، وهو يتزامن من مأساة الفلسطينيين في عدم وجود حلول دولية تعيدهم إلى أرضهم، ما دفعهم إلى البحث عن سبل بديلة للعيش في أي دولة تأمن لهم أبسط حقوقهم الحياتية.
وإذا كانت "الهيئة" مصرّة على خيار تأمين الهجرة للفلسطينيين من بؤسهم اللبناني، وتعتزم التواصل مع السفارات الأوروبية بعدما ضاقت السبل مع السفارة الكندية، فإن الفصائل الفلسطينية ما زالت عاجزة في إقناع الفلسطينيين بأن تنظيم موجات الهجرة الجماعية لهم من لبنان، هو جزء من مؤامرة دولية تمهيداً لتنفيذ ما بات يعرف بصفقة القرن.

كان عدد الفلسطينيين في لبنان يناهز 400 ألف لاجئ، كما تدلّ وثائق منظمة الأونروا، وباتوا وفق الإحصاءات الأخيرة لا يتخطون 174 ألفا. ما يعني أن أكثر من نصفهم رحل من لبنان. لكن مصير هؤلاء ما زال مجهولاً ومرتبطاً بحل القضية الفلسطينية التي من أبرز عقباتها حق عودة الفلسطينيين. وباتت أحاديث صفقة القرن ومقتضيات توطين بعضهم في أماكن لجوئهم وترحيل الجزء الآخر منهم، خبزهم اليومي. ما دفعهم في المخيمات اللبنانية إلى التمسك بأي "قشة" أمل تعتقهم من بؤسهم اللبناني، وباتوا ينظرون إلى الهيئة الشبابية كسترة نجاتهم الأخيرة.

الفصائل ترفض
تقول مصادر "الهيئة الشبابية" أن بعض القيّمين عليها بدأوا بالتواصل مع السفارة الكندية منذ العام 2017 لتأمين اللجوء الإنساني إلى كندا، شارحين للكنديين ظروفهم الحياتية ومعاناتم اليومية في لبنان. وبدأ بعض الأفراد بتأسيس لجان تنسيق في جميع المخيمات مدفوعين بفكرة الخلاص من البؤس الذي يعيشه الفلسطينيون. أما الاعتصامات التي نفذها الفلسطينيون مؤخراً أمام السفارة الكندية، ثم في ساحة الشهداء، فليست وليدة الساعة ولا علاقة لها بصفقة القرن ولا جهات دولية أو فلسطينية أو محلّية خلفها، كما تشيع الفصائل الفلسطينية بحقهم. لكن في المقابل تقول مصادر: "نحن نقف مع أي جهة تريد الحرية والعيش الكريم للفلسطينيين، وإيجاد أي بلد يؤمن لنا هذه الحقوق".

حال البلبلة التي أحدثها "الهيئة" دفعت الفصائل الفلسطينية إلى التحرك، منطلقة من هواجس صفقة القرن. ففي حديثه إلى "المدن" اعتبر أمين سر حركة فتح وفصائل ​منظمة التحرير الفلسطينية​ ​فتحي أبو العردات، أن تنظيم موجات هجرة جماعية كما تعمل "الهيئة"، أمر مرفوض. وإذ رفض تسمية أي جهة تقف خلف "الهيئة"، أكّد وجود أفراد يعملون لبعض الجهات، وأن فتح في صدد استكمال تحقيقاتها، تمهيدا لكشف الملابسات التي تحيق بهذه الظاهرة في أوساط الشعب الفلسطيني. فليس من شيء بريء في هذا الملف، وربما يكون مرتبطاً بصفقة القرن.

صفقة القرن
من ناحيته شدد ممثل حركة حماس في لبنان أحمد عبد الهادي أن الموضوع مرتبط بمشروع كبير لترحيل الفلسطينيين. وهو مشروع قديم وينفّذ على مراحل، وله سياق عام يتمثل في إنهاء قضية اللاجئين في لبنان، لأنها العنوان الأبرز في قضيتهم، تمهيداً لتنفيذ صفقة القرن. وهذه الأخيرة لها مسارات متعددة، منها محاولات الغاء الأونروا وإعادة تعريف اللاجئ وحصره بفلسطينيي العام 48 والغاء القرار 194، وإلغاء الوجود الفلسطيني في أماكن لجوئهم، لشطب حقهم في العودة قانونياً وسياسياً، كما تعمل الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني.

وفي هذا السياق يعتبر عبد الهادي أن معضلة اللاجئين الفلسطينيين الأبرز هي في لبنان. والوصفة المقترحة في صفقة القرن هي توطين جزء منهم في لبنان، ما يعني أن الجزء الآخر عليه الرحيل. وقد بدأ العمل على هذا الأمر منذ مدة طويلة: أولاً عبر فرض واقع اقتصادي ومعيشي سيئ للغاية على الفلسطينيين. وثانيا البدء بالعمل على الطلب من بعض المجموعات الشبابية المطالبة بالحقوق، وعمل بعض الجهات على ترحيل الفلسطينيين عبر تسهيلات من شركات الطيران والسفارات بعض الدول وفرق عمل تستقبلهم في الخارج، كما حصل العام الفائت.

عجز الفصائل
إلى الاتهامات بوجود قوى سياسية خلف الهيئة الشبابية، تتوالى الاتهامات بتدبيرها عملية احتيال مالي على الفلسطينيين، وتلقي المنسقين الأموال عن كل طلب يقدم إليها. لكن مصادر "الهيئة" تنفي تلقي قرشاً واحداً لقاء أي طلب من طلبات اللجوء التي قدمت إلى السفارة الكندية. ولفتت إلى أنها عقدت اجتماعات مع الفصائل لمعرفة موقفها من الأمر. وتبين لها أن الفصائل ترفض الموضوع أمام الرأي العام، لكنها في الأحاديث الجانبية سمحت لهم بالعمل تحت الطاولة. فخلف الستار تريد الفصائل تأمين حياة كريمة للشعب الفلسطيني في أي دولة، لكنها تخاف من الوقوف علناً مع "الهيئة"، كي لا تُتهم بأنها تبيع القضية الفلسطينية، كما أكّدت المصادر.

لا تستطيع الفصائل الفلسطينية الوقوف في وجه أي فلسطيني يريد الهجرة لتأمين حياة كريمة في أي دولة، كما أكّد أبو العردات وعبد الهادي. لكن ما يحصل حالياً أكبر بكثير من مجرد هجرة أفراد لتحسين ظروف عيشهم. وإذ نفى الطرفان ما تشيعه "الهيئة" عن السماح لها في العمل في الخفاء، لفت عبد الهادي إلى أن المسألة أكبر من عملية احتيال على الناس، بل هي جزء من مشروع كبير لتهجير الفلسطينيين. وبالتالي "لا نستبعد أن يلجأ البعض لدفع الأموال للفلسطينيين لتشجعيهم على الرحيل، وليس تلقي الأموال منهم".
بدوره لفت أبو العردات إلى أن جميع الفصائل تقف ضد المشروع الذي تعمل عليه "الهيئة"، وتطالب بتأمين مقومات صمود الفلسطينيين كي تظل المخيمات شاهداً حياً على قضية اللجوء. فالأساس في صفقة القرن تشتيت الفلسطينيين، تمهيدا لدفعهم إلى اليأس والقبول بالحلول المطروحة.
وشدّد عبد الهادي على أن المسألة أكبر من قدرة الفصائل على حلها بشكل منفرد. فقد باتت الفصائل غير قادرة على إقناع الفلسطينيين بأن ما يحصل هو جزء من صفقة القرن ومؤامرة لإنهاء حق العودة، ومضر بحقوقهم. فحتى الطفل الفلسطيني بات يسأل ماذا أمنت لي الفصائل كي أستمر وأعيش بكرامتي؟! لذا على الفصائل تأمين البديل لصمود الشعب الفلسطيني.

لكن المسؤولية لا تقع على الفصائل وحدها. فهي تتداول كي تقدم مشاريع تنموية واقتصادية. وهناك جزء يجب أن تتحمله الأونروا، التي يجب ألا تخفف من تقليص التقديمات والخدمات والتشغيل. والدولة اللبنانية يجب عليها تأمين الحقوق الإنسانية والاجتماعية، ووقف التضييق على الفلسطينيين وحصار المخيمات. إلى ذلك لفت أبو العردات إلى وجود تواصل وحوار مع الدولة اللبنانية للتخفيف عن الفلسطينيين، خصوصا أن قرار وزارة العمل الأخير يدفع الناس إلى اليأس أكثر فأكثر.

بوابة كندا مقفلة
بعد تنفيذ اعتصامين أمام السفارة الكندية وتقديم طلبات اللجوء خرجت "الهيئة" من الاجتماع مع ممثل الهيئة السياسية وممثل هيئة التنمية البشرية في السفارة، خالية الوفاض. فقد أُبلغوا أن كندا غير قادرة على استقبال 24 ألف طلب لجوء، وبأن المسألة لا تتعلق بقرار من الحكومة الكندية، بل هناك حاجة إلى قرار دولي غير متوفر حالياً.

هذا الرد غير الإيجابي للسفارة الكندية لن يدفع "الهيئة" إلى اليأس من المحاولة مع دول وسفارات أخرى. وستمضي في مراسلة جميع الدول، بما فيها العربية، وحتى مملكة الجبل الأصفر، للهجرة لقاء حصولهم على حقوق محرومين منها في لبنان، وأقلها حق العمل والسكن والتعلم. ولن تلتفت الهيئة الشبابية إلى الاتهامات التي تشاع في حقها، فهي مجرد شائعات تطلقها بعض الفصائل التي ما زالت تنظر إلى الشعب الفلسطيني كمجرد أرقام، يبيعونه ويشترونه، كما أكّدت مصادر الهيئة. وأضافت أن مطلبهم باللجوء الإنساني مردّه إلى حاجتهم لدولة حضارية تحميهم من الظلم الواقع عليهم. وهذا لا يعني أنهم سيتخلون عن حق العودة. لذا سيستمرون في مراسلة جميع الدول، إضافة إلى تنظيم اعتصام مفتوح أمام مكتب الأونروا، ونصب خيم أمامها للمطالبة بوقف تراجع التقديمات والخدمات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها