وكانت المحارق الإسبانية تبدأ بطقوس علنية تُقرأ فيها أجزاء من المحاكمة والأحكام التي أصدرها المحققون بحضور المتهمين وجميع السلطات وأهم مؤسسات المدينة، لكي يصدر في حقهم حكم الإعدام أو الحرق على الفور.
انتصار الكراهية
"مرسوم الايمان" اللبناني الجديد، دفع لجنة مهرجات بيبلوس الدولية إلى الإعلان عن قرارها بإلغاء الحفلة التي كان مقرراً أن تحييها فرقة "مشروع ليلى" الفنية. وجاء في بيان اللجنة أنها ألغت الحفلة "منعا لإراقة الدماء وحفاظا على الأمن والاستقرار".
وهذه جملة تحمل ما يكفي من الخوف والاحباط والاستفزاز، وتجعلنا نتوقف عندها. إنها اعتراف واضح وصريح بالعجز المطلق عن حماية الإنسان في لبنان، الذي استيقظ وعينا عليه بأنه بلد الحريات والحضارة والثقافة والتنوع. إنه عجز السلطات اللبنانية عن حماية اللبنانيين من ترهيب جماعات وهيئات تتستر بالإيمان والدين، ولديها ما يكفي من الصلاحيات التي تخولها التهديد "بإراقة الدماء" دفاعا عن الله باسم الخير والمحبة والسلام والايمان. وهذا وسط صمت مطبق من المؤسسات المعنية في هذا الشأن، فلا بيانات صدرت عن وزارتي السياحة والثقافة، ولا حتى عن وزارة الداخلية التي من المفترض أن تكون مؤتمنة على سلامة وأمن اللبنانيين الذين تعرضوا للتهديد بإراقة دمائهم.
لم يكف السلطة السياسية والدينية ما يعانيه المواطن اللبناني من ضائقة إقتصادية ومناخ سياسي بلا أفق ولا مستقبل، ومن مناخات طائفية تهدد سلامة عيشه. فها هي تقضي على ما تبقى لديه من أمل ووهم بانه يعيش في بلد يتميز بتنوعه وانفتاحه واحترامه الحريات الفردية وحقوق الانسان، وتتركه عارياً في وجه سطوة محاكم التفتيش الجديدة التي انتصرت وكرست صوتها العنصري في خطابات الكراهية والقمع والمنع والتحريم.
تواطؤ سلطتين
بات اللبناني على يقين أنه يعيش بين مطرقة سلطة بوليسية سخرت أجهزتها وطوعت قوانينها خدمة لمصالح رجال السياسة والدين، وتزج به في المخافر والسجون بسبب ستاتوس وتغريدة وعمل فني، وبين سندان سلطة دينية تطالب الجميع باحترامها، من دون أن تحترم يوماً المختلف عنها، تطلق أحكامها جزافا، وتضع لائحة بالممنوعات، وتصنيفا للحلال والحرام، فتفتي وتحرّم، تهدد وتقمع، تمنع وترهب، تخوف وتحاسب. وهي تنهي هذا كله بعقد قمة روحية تصدر على أثرها بيانات تتحدث عن العيش المشترك واحترام الحريات والعقائد وحقوق الإنسان.
نعم نجح رجال الدين في كل ذلك. أعادونا إلى القرون الوسطى واستطاعوا منع إحياء حفلة موسيقية في مدينة الحرف. وذلك عبر الشحن الطائفي والتحريض والتخويف، من دون أي رادع أو محاسبة. فهنيئاً لهم! هنيئاً لهم تعصبهم وتطرفهم ورجعيتهم، والظلمة التي يحاولون إغراقنا فيها. هنيئاً للساسة أيضا. هنيئا لهم تواطؤهم وصمتهم المطبق المخالف للقانون والدستور وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ربما غاب عن بالهم أن من شارك في صياغته هو لبناني يدعى شارل مالك. وهم أنفسهم يقذفون علينا ليلاً نهاراً خطابات يتباهون فيها بانتصارهم على تطرف "داعش" والإرهاب.
هنيئاً لهم إعلانهم "مرسوم الايمان" اللبناني للقرن الحادي والعشرين، وهنيئاً لنا ساحة سمير قصير الشاهدة على لهفتنا الدائبة للفرح والحياة وصرخات الحرية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها