الأربعاء 2019/05/22

آخر تحديث: 00:15 (بيروت)

عكار "خزّان الجيش" وموازنة الحكومة: المزيد من الفقر

الأربعاء 2019/05/22
عكار "خزّان الجيش" وموازنة الحكومة: المزيد من الفقر
عدد قليل من العسكريين المتقاعدين يتجاوب للتحرك بالنزول إلى الشارع (الإنترنت)
increase حجم الخط decrease
في ظلّ تصعيد العسكريين المتقاعدين لحراكهم "المطلبي" أمام السراي الحكومي، المنشغل بإقرار مشروع الموازنة، وفي ظلّ ضغطهم الذي بلغ ذورته الاصطدام بالقوى الأمنية، للحؤول دون المساس بمخصصاتهم ورواتبهم والتدبير رقم 3، تحولتْ قضيّة العسكريين، رغم الخلافات القائمة حولها، إلى مسألة رأي عام لبناني، تقدّمت في السجال القائم حولها على قضايا بقية العاملين في القطاع العام، "الخائفين" من مشروع الموازنة.

مداخيل العسكريين
على المستوى الشعبي، وفي حالةٍ طبيعيّة، كان من المفترض أن تشهد محافظة عكار الشمالية، استنفارًا قائمًا بحدِّ ذاته، يكون موازيًا لحراك العسكريين المتقاعدين، كترجمة طبيعية لمعنى أن تكون "عكار خزان الجيش اللبناني". فعلى مرّ عقودٍ طويلة، صُبِغتْ عكار بهذه الصفة، بعد أن أصبح كلّ بيتٍ عائلةٍ عكاريّة، لا يخلو من عسكري مجنّد في الجيش اللبناني، أو قوى الأمن الداخلي. وعلى مرّ هذه العقود نفسها، أصبح الثقل الأكبر من اقتصاد عكار مستنداً على مداخيل أبنائها العسكريين، تحت وطأة الإهمال التنموي المديد، الذي تسبب بتدهور أوضاعها الإنمائيّة والمعيشية والاجتماعية.

لذا، كان من الطبيعي، في عكار، التي هي في الوقت نفسه "خزان الجيش اللبناني" و"محافظة محرومة" تعدُّ الأكثر فقرًا في لبنان، أن ينظر أهلها إلى مسألة احتمال المساس بمخصصات العسكريين ورواتبهم بحساسية بالغة، لا سيما أنّ أي مساس بمكتسبات العسكريين حاليًا أو لاحقًا، يعني ارتدادًا سلبيًا واضحًا ومباشرًا على عكار، بكلّ المقاييس الاقتصاديّة والمعيشيّة.

والسؤال داخل دوامة التصعيد القائمة التي يقودها العسكريون المتقاعدون: لماذا لم يبادر متقاعدو عكار العسكريون إلى تنظيم تحركٍ خاصٍ يأخذ طابع الدفاع عن "اقتصاد عكار"؟

الارتباط بالأحزاب
يشير العميد المتقاعد علي عمر لـ"المدن"، وهو من عكار، أنّ لجوء العسكريين المتقاعدين إلى توحيد تحركهم تحت غطاءٍ واحد، خارج المفهوم المناطقي، والتحرك على مستوى لبنان في نقطة تجمع موحدة، و"إن كان إيجابيًا"، سببه "أنّ عددًا قليلًا من العسكريين المتقاعدين يتجاوب للتحرك بالنزول إلى الشارع". والمشكلة، هي "أنَّ معظم العسكريين المتقاعدين لديهم حساباتهم الخاصة، المرتبط بالأحزاب والتيارات السياسية التي يؤيدونها أو يتبعون لها"، ولديهم معها شبكة من المصالح العميقة. لذا، "لم يكن متوفرًا أن يتحرك عسكريو عكار بمفردهم، رغم تعويلنا عليهم، وبعد أن ثبت أن العسكريين المتواجدين على الأرض لن يتراجعوا عن مطالبهم وتمسكهم بحقوقهم المكتسبة".

العميد عمر الذي يعتبر أنّ مبدأ "التخفيضات" قد يؤدي إلى عدم توازن منطقي بين الفئات الوظيفية في البلد، يرى أنّ البند الأخطر في حال إدراجه ضمن مشروع الموازنة، هو "عدم جواز الحصول على راتبين من الدولة اللبنانية، الذي يهدف إلى ضرب العسكريين المتقاعدين وحسب، لأنّ معظهم من يتقاعد منهم بسنّ مبكرة، يبدأ العمل في قطاعٍ آخر، وهذا حقّ مشروع لنا".

المحافظة الفتية
عمليًا، لم يأتِ اتكال أبناء عكار على الانخراط في السلك العسكري من عدم. وبعيدًا عن "سيمفونيّة" "حُبّ الجيش والوطن"، جاء سعي العكاريين للدخول في المؤسسة العسكرية، وهي محافظة لديها توأمة متأصلة مع "الحرمان"، نتيجة تداعي مختلف قطاعاتها الزراعية والصناعية والحرفية الصغيرة. وحتّى العاملين في سهولها وجرودها، يتكبدون أوضاعًا اقتصاديّة ومعيشية صعبة للغاية، نظرًا لمحدوديّة عملهم وضيق أفقه.

حتّى القطاع الزراعي الذي كان يشكل عمود عكار الفقري، تتراجع انتاجيته عامًا تلو الآخر، نتيجة استيراد لبنان  للمنتجات الزراعية من الخارج، وعوامل أخرى كسوء التسويق، ما يتسبب بكساد المزروعات أمام المزارعين العكاريين، ومن ثمّ تلفها. لذا، لم يكن أمام أبناء عكار، وهي منطقة تُصنّف بـ"الفتيّة"، ومعدلات الشباب فيها تتنامى بشكلٍ مطرد، بحكم ارتفاع معدلات الولادة، لا يجدون خياراً إلا  أن يهاجروا للعمل خارج لبنان، أو الانخراط في المؤسسة العسكرية، وهو ما يفعله أغلبهم.

وفي هذا السياق، يشير رئيس اتحاد بلديات جرد القيطع - عكار عبدالإله زكريا لـ"المدن"، أنّه رغم تكرار التطمينات بعدم المساس برواتب العسكريين، إلّا أنّ الأمر إن وقع، "يؤثر سلبًا على عكار أكثر من أيّ منطقة أخرى"، لا سيما أنّ في عكار لا يوجد رتب عالية، بل "هناك قاعدة شعبية كبيرة من الجنود تحت رتبة المؤهل، وهؤلاء قد يكونوا من أكثر المتضررين، لأن مداخليهم في الأصل متدنية".

الضمان والطبابة
وواقع الحال، إذا مرّ أحدٌ أمام أيّ حاجزٍ أو شاحنة للجيش، يلحظ أنّ أعمار معظم العناصر تتراوح بين 18 و20 عامًا. وحسب زكريا، القائم على شؤون أكبر منطقة في عكار، فإنه إضافة إلى محبة أبنائها للجيش والحاجة الاقتصادية، يُعدّ "التسرب المدرسي"، هو العامل الأساسي لانخراط العكاريين جنودًا في المؤسسة العسكرية لدى بلوغهم سنّ الـ 18 عامًا: "باعتبارها المتنفس الوحيد، في منطقة تخلو من انتشار المؤسسات والمصناع والمشاريع الاستثماريّة".

يشير زكريا أنّ 65 في المئة من عناصر الجيش اللبناني هم من أبناء عكار، وهو "ما سبق أن أقرّ به قائد الجيش". وهذه النسبة الكبيرة ليست سهلة، وإنّما هي "دليل دامغ أنّ المؤسسة العسكرية تستهدف في عكار الجيل الذي لم يُكمل تعليمه"، الذي يعتبر أنّ دخوله السلك العسكري "فرصة ذهبية" قد لا تتوفر له في أيّ قطاعٍ آخر لغير المتعلمين. فـ"ابن عكار يبحث عن ضمانٍ وتعليمٍ وطبابة، لن يجدها حتّمًا في غير المؤسسة العسكرية"، يضيف زكريا.

وعكار، ليست "خزان الجيش اللبناني" و"الحرمان" وحسب، وإنّما هي أيضًا خزان "الطائفة السنيّة" وجمهور "تيّار المستقبل". وبينما ينأى أغلب عسكريي عكار المتقاعدين بأنفسهم، ويتفادون خوض معركة زملائهم في الشارع بغية الحفاظ على "الارتباطات السياسية"، والتي قد تكون ارتداداتها بالتوظيف والمناصب أجدى وأكثر نفعًا، بدأ النقاش الشعبي في عكار عن حصّة المنطقة من مشروع الموازنة، التي بدو غائبة، وهو ما أثاره الوزير السابق معين المرعبي على حسابه في فايسبوك سائلًا ومستنكرًا: "حصّة عكار بالموازنة مسؤولية مين؟!".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها