السبت 2019/05/18

آخر تحديث: 00:52 (بيروت)

القضاة "المعتكفون" يفكرون بالاستقالة: خطر تصحّر قضائي

السبت 2019/05/18
القضاة "المعتكفون" يفكرون بالاستقالة: خطر تصحّر قضائي
يفكر الكثير من القضاة بتقديم استقالاتهم والعمل كمستشارين في المصارف والشركات الكبرى (المدن)
increase حجم الخط decrease

لم يسبق أن بلغت العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية هذا المستوى من التوتر، جرّاء إصرار الحكومة على اقتطاع جزء من المخصصات المالية للقضاة، وحسم نسبة من منح التعليم والتقديمات الصحيّة، والردّ عليها باعتكاف أكثر من نصف قضاة لبنان، وتوقفهم عن مزاولة عملهم، رغم حضورهم اليومي إلى مكاتبهم.

إصرار الحكومة
يعترف القضاة بأنهم في وضع لا يحسدون عليه، بعد أن حشرتهم الحكومة في الزاوية، ودفعتهم إلى خيارات لم يرغبوا باللجوء إليها. لكن لا بديل منها. ويبدو أن الاجتماع الذي ضمّ أكثر من 300 قاضٍ في قاعة محكمة التمييز، في الطبقة الرابعة لقصر العدل في بيوت، خرج بانطباع سلبي، يلامس حدّ الإحباط، حين أتت الأجوبة التي تبلغوها من مجلس القضاء الأعلى، نتيجة الاتصالات التي أجراها مع الحكومة والمجلس النيابي، لم تصل إلى حدّ طمأنتهم، رغم إدخال بعض التعديلات على البنود المتعلّقة بمخصصات القضاة، وأن الحكومة متمسّكة باقتطاع جزء من مكتسباتهم في صندوق التعاضد، وحسم نسبة من منح التعليم لأبناء القضاة، والتقديمات الصحية، سواء بالاستشفاء والأدوية والتحاليل الطبية والصور الشعاعية وغيرها.

الأجوبة التي تلقّاها القضاة المعتكفون، دفعتهم إلى تمديد اعتكافهم الذي دخل أسبوعه الرابع، وبات مفتوحاً إلى أن تتحقق مطالبهم. لكنّ الخطورة تكمن في ما ألمح إليه مصدر قضائي، حين كشف لـ"المدن" أن "إمعان الحكومة في حرمان القضاة من حقوقهم، وتهديد أمنهم الاجتماعي، جعل بعض القضاة يفكرون جدياً بتقديم استقالاتهم من المؤسسة، والذهاب إلى التقاعد، خصوصاً من الذين أمضوا 20 عاماً وما فوق في القضاء. ويمكنهم تقاضي راتب تقاعدي بعد استقالتهم".

ترك السلك والهجرة
وأكد المصدر أن "هذا الخيار جدّي ويضعه عدد لا بأس به من القضاة قيد الدرس، طالما أنهم ما زالوا في عمر الشباب وبإمكانهم الانتساب إلى نقابة المحامين لمزاولة مهنة المحاماة، أو العمل كمستشارين قانونيين لدى مصارف وشركات كبرى، سواء في لبنان أو دول الخليج، التي ترحّب بهذه الطاقات وتفتح لها أبواب العمل بحوافز ومغريات مالية كبيرة".

تلويح بعض القضاة بالاستقالة، ربما لم يبلغ بعض مسامع السلطة السياسية، أو أنه وصلها بالتواتر، لكنها لم تقدّر خطورته حتى الآن. إذ كشف مرجع قانوني لـ"المدن" أنه "في حال وصول بعض القضاة إلى هذا الواقع، فإنه يرتّب على القضاء خطرين. الأول، نقص هائل في عدد القضاة الذي هو دون المطلوب. والثاني، وهو الأهم، إحداث فراغ في المراكز القضائية من الدرجات الوسطى، بحيث تصبح أكثرية القضاة ممن هم في درجات عليا أي بمحاكم التمييز، ومن الدرجات الدنيا، أي حديثي الانتساب إلى السلك القضائي، ومن هم في مستهل مشوراهم، ويشغلون مواقع على مستوى قضاة منفردين أو مستشارين في محاكم البداية والاستئناف أو محامين عامين لدى النيابات العامة". وحذّر المرجع القانوني من "سياسة التضييق على القضاة، التي لم تعد تغري خريجي كليات الحقوق من التقدم لمباراة الانتساب إلى القضاء، من الآن وصاعداً، وهذا يقود لبنان إلى تصحّر قضائي غير مسبوق".

مطلب الاستقلالية
التحرّك القضائي غير القابل للتراجع بدأ يأخذ منحى تصعيدياً، يتجاوز حدّ المطالب المالية، ليصل إلى تكريس استقلالية السلطة القضائية قولاً وفعلاً، وترجمة هذه الاستقلالية بإقرار المشروع العالق في المجلس النيابي، ورأت مصادر قضائية أن "ما يعانيه القضاء في هذه المرحلة، سببه تبعية القضاء للسلطة السياسية، والخضوع لقراراتها، سواء بالتعيينات في المراكز العليا والحساسة، أو بالتشكيلات والمناقلات القضائية". وأكدت أن "هذه السياسة تشكل أرضاً خصبة لبعض الفساد الذي يضرب القضاء، بحيث يضطر القاضي للارتهان لهذا المسؤول أو ذاك الزعيم، حتى يتبوّأ المنصب الذي يطمح اليه".

وإذا كان مجلس القضاء الأعلى يملك، حسب القانون، سلطة محاكمة الرؤساء في حال الخيانة العظمى أو خرق الدستور، والوزراء في حال الإخلال بواجباتهم، فكيف له أن يقوم بهذا الدور إذا كان رئيسه وأعضاؤه يعينون من قبل الحكومة؟ تسأل المصادر القضائية، وتشدد على "ضرورة إعطاء القضاة الحقّ الكامل بانتخاب رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى، وأن تسند إلى الأخير صلاحية إصدار التشكيلات والمناقلات القضائية، لا أن تصدر بمرسوم يكرس تبعية القضاء للسياسيين".

تعليق آلاف الدعاوى
وأدى اعتكاف القضاة المستمرّ منذ ثلاثة أسابيع، إلى تعليق النظر بآلاف الدعاوى القضائية، ما يضع حقوق الناس رهينة صراع السلطتين التنفيذية والقضائية، وإن كان الاعتكاف يستثني الملفات التي يحال فيها موقوفون، إذ يبادر القضاة إلى البتّ بها. كما أن الاعتكاف يحرم الخزينة من أموال طائلة، بفعل توقف دفع الرسوم القضائية الناتجة عن القرارات والأحكام ومخالفات السير، علماً أن صناديق المال في قصور العدل تشكل ثاني مورد للخزينة اللبنانية، والتي تأتي بعد عائدات الجمارك، وتتقدّم على إيرادات قطاع الاتصالات.

معارضة "الاعتكاف"
وبعد اجتماع القضاة والنتيجة التي خلص اليها، أصدر مجلس القضاء الأعلى بياناً يشير بوضوح إلى معارضة المجلس لقرار الاعتكاف، وقال البيان "اجتمع رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى ورئيس ديوان المحاسبة والنائب العام لدى ديوان المحاسبة والرؤساء الأول الاستئنافيون في المحافظات، ورئيس مجلس إدارة صندوق تعاضد القضاة والقضاة العدليون والإداريون والماليون، ووضع مجلسُ القضاءِ الأعلى القضاة بما آلت إليه نتائج الاتصالات بخصوص ما هو متعلق باستقلال القضاء وصندوق تعاضد القضاة، وأعلمهم بأنه جرى إدخال التعديل اللازم على مشروع قانون الموازنة بما يمكّن صندوق تعاضد القضاة من المحافظة على الأمان الاجتماعي للقضاة وعائلاتهم". وأكد البيان أنه "تمّ تفنيد سائر البنود في المشروع التي تتناول القضاء، وجرت دعوة القضاة إلى تحمّل مسؤولياتهم وعدم تحميل المتقاضين أعباء إضافية في هذه المرحلة الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها لبنان".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها