الثلاثاء 2019/05/14

آخر تحديث: 01:53 (بيروت)

بعلبك والسياحة.. بانتظار الضوء الأخضر من السفارات

الثلاثاء 2019/05/14
increase حجم الخط decrease

لا يهمل محافظ بعلبك بشير خضر مناسبة، إلا ليظهر كسفير لبعلبك. يحمل اسمها، هو إبن طرابلس، وكأنها مدينته. ويحاول أن يظهّر صورتها الحسنة، في سعيه الحثيث ليرفع عنها "تداعيات" الارتكابات التي "وصمت" المدينة والمحافظة ككل، بسمعتها السيئة.

آخر هذه الجهود التي بذلها خضر، كانت باتجاه السفارات الأوروبية، أثمرت تغييراً في تصنيف المحافظة لدى بعض السفارات، ولا سيما البريطانية، والإيطالية، والأمم المتحدة، التي أعلنت عن حذف بعلبك من لائحة المناطق المحظرة أمنياً على رعاياها، وإدراجها من ضمن "المناطق الخضراء" أمنياً، بعد أن كانت مصنفة في خانة "المناطق الحمراء".

مرحلة الجرود
لا يذكر خضر متى أدرجت بعلبك في الـ zone الأحمر، ولكنه يقول أنها كذلك منذ تسلم مهماته كأول محافظ لبعلبك، بعد فصلها عن محافظة البقاع سنة 2014، معيداً ذلك إلى أسباب أمنية طارئة مرت فيها المحافظة عموماً، وإلى مراحل من اللااستقرار الأمني، كان بعضها انعكاسا لظروف خارجية، وأبرزها انتشار الإرهابيين في جرود رأس بعلبك وعرسال والمناطق الحدودية، وما رافقه من اعتداءات مباشرة على الجيش، جعلت الأولوية في هذه المرحلة لتحرير الجرود.

بهذه الفترة، يقول خضر، أخذ الخارجون على القانون مداهم بتعكير الأمن، خطفاً وسلباً وتشليحاً وقتلاً، إلى أن حُررت الجرود، وصار يمكن الانتقال إلى مستوى أمن المحافظة.

منذ عشرة أشهر، يمكن الحديث عن نقلة أمنية في بعلبك. إذا يؤكد خضر أن مستوى الجريمة تدنى كثيرا، على نحو باتت لا تتعدى معدلها في أي بقعة من لبنان، وذلك بفضل إجراءات أمنية مكثفة وغير موسمية، سمحت بملاحقة أي مرتكب، أياً كان ارتكابه، فتم توقيف جزء من المطلوبين الخطرين، وجزء آخر توارى.

و"مع إننا لا نزال في فترة اختبارية، ونحتاج إلى مرحلة استقرار أطول، من أجل كسب ثقة السياح، فإن ما تحقق من إنهاء لحالة الشواذ الأمني"، شكل ورقة رابحة لخضر، في حوار باشر به مع ممثلي السفارات، التي طرق أبوابها تباعاً، وهي إلى السفارات المذكورة سابقا، سفارات كل من ألمانيا وهولندا وفرنسا، حيث سمع في كل منها، كلاماً عن التوق الذي يبديه سياح هذه الدول، لزيارة بعلبك، حتى ولو اضطرهم ذلك للتوجه إلى "معبدها الروماني" تحديدا، على مسؤوليتهم الخاصة.

رفع الحظر ومعضلة "التأمين"
ماذا يعني تغيير تصنيف بعلبك على الخارطة الأمنية من "حمراء" إلى خضراء"؟

يشرح خضر أنه وفقا لهذا التصنيف، لم يعد موظفو الأمم المتحدة على سبيل المثال يحتاجون إلى تصريح مسبق، وتخليص أمني، بعد أن كان حتى أصغر الموظفين سابقاً يحضرون بمواكبة أمنية مشددة، وهذا بالتالي يبعث رسالة إلى كل مواطني هذه الدول، بأن بعلبك صارت منطقة آمنة لهم، وأن دولهم لم تعد تحظرها.

تشرح نقيبة الأدلاء السياحيين اليسار بعلبكي لـ"المدن" في المقابل، بأن هذا التصنيف لم يشكل عائقاً كبيراً أمام السياح الأجانب، وخصوصاً الأوروبيين، إنما النقطة التي يجب التنبه لها، هي أنه عندما تحظر السفارات والدول الأجنبية السفر إلى بعض المناطق، لا يعود عقد تأمين السائح سارياً على الحوادث التي قد يتعرض لها هناك. ومن هنا تقول أن بعض السياح يتجنبون الذهاب إلى بعلبك، ليس لأنهم خائفون أو أن سفاراتهم تحظرها، ولكن لا يريدون أن يخاطروا بامكانية التعرض لأي نوع من الحوادث، التي تجعل رحلتهم مكلفة جداً.

حزب الله والتطمينات
يولي خضر اهتماماً كبيراً لقرارات السفارات الثلاث، التي يحاول أن يظهرها في كل مناسبة، وآخرها خلال إطلاق مهرجانات بعلبك، وذلك "لأن "الناس حتى في الداخل اللبناني، يبدون نزعة لتصديق كلام السفارات وتصنيفاتها، أكثر من كل التطمينات الداخلية". كما أن ذلك يشجع السفارات التي لا تزال تعتبر بعلبك منطقة محظورة.

أما في السفارات التي تصنف بعلبك من ضمن بيئة حزب الله، التي تضعه على لائحتها السوداء، فيقول خضر "موضوعنا محدد، وهو مستوى الأمن بمحافظة بعلبك - الهرمل. بغض النظر ما إذا كان لبعض السفارات تحفظ معين على مكون سياسي موجود في بعلبك، ولكن هذا لا يعني أن يكون تصنيفها متأثرا بموقفها السياسي من هذا المكون. طالما أنهم يرون بعين الحق، والحق يقول أن المستوى الأمني جيد جداً بالمحافظة".

بالنسبة لخضر قرار السفارة البريطانية تحديدا له أهمية خاصة، كونه قد يؤثر على دول "الكومنولث"، ككندا وأستراليا، التي قد تحذو حذوها، علما أن المحافظة - كما يقول- قد تلجأ إلى خطوات تحفيزية أكثر، ومن بينها دعوة ممثلي السفارات إلى لقاء مباشر مع السلطة الأمنية الموجودة في بعلبك، حتى تستمع لتطمينات إضافية عن الإجراءات المتخذة، والتي تجعل من بعلبك منطقة آمنة.

تشير بعلبكي في المقابل إلى أن مؤشرات حجز الزيارات في الصيف الحالي تبشر بموسم منتعش، وبعلبك هي الوجهة الأولى بالنسبة لمعظم هذه الرحلات، ذلك لأن "الأجانب" مطلعون على تاريخ الحضارات ويعلمون أن بعلبك تضم واحدة من أكبر المعابد الرومانية. ولا يمكن أن يفوتوا على أنفسهم هذه الزيارة. ولا سيما الأوروبيون المتعمقون بدراساتهم وثقافتهم بالحضارات القديمة ويبحثون عنها في أرجاء العالم.

زيارة الآثار.. لا المدينة!
من خلال خبرتها مع السائحين الأجانب تؤكد بعلبكي، أنه "ولا مرة خيبت بعلبك آمال زوارها، وهي وجهة دائمة في كل المواسم، وحتى تحت الثلج"، إنما المجتمع المحلي لا يشعر في معظم الأحيان بهذا الإقبال الأوروبي على مدينته، ذلك لأن السياح عادة يزورون القلعة ويغادرون، حتى في ظل محاولاتنا كأدلاء سياحيين ووكالات سفر على تشجيع المكوث في المدينة لفترة أطول، في سعي لتحفيز تنمية الاقتصاد الداخلي.

وفي هذا الإطار يتحدث كل من بعلبكي والمحافظ خضر، عن مواكبة مطلوبة من القطاع الخاص. فبعلبك في ظل الحظر المفروض عليها خارجياً، لم تكن حاضنة مناسبة للمستثمرين كي ينفقوا أموالهم في تشييد الفنادق، التي تؤمن راحة أكبر للسائح. وعليه فإن البعض قد يختار بيوت الضيافة التي سدت بعض النقص حاليا، أو فندق بالميرا الأعرق في المدينة، ولكن من يبحث عن "رفاهية أكبر" فإنه لن يجد حاجته في المدينة، ومن هنا تعتبر بعلبكي أن رفع الحظر قد يشكل حافزاً لجذب مثل هذه الاستثمارات المهمة إلى المدينة.

وكذلك الأمر بالنسبة للمؤسسات المطعمية، التي يقول خضر أنها يجب أن تطور في قائمة طعامها، لافتاً إلى تمويل ألماني سعى لتأمينه شخصيا، كي تستفيد 40 مؤسسة مطعمية من دورات تدريبية تساعدها على التنوع في الطعام الذي تقدمه، ولكنه اصطدم بلامبالاة أصحاب هذه المطاعم، مع أنهم يسجلون عتبهم في كل مرة، لكون السائح يزور بعلبك ويذهب لينفق أمواله في مكان آخر.

وإلى المواكبة المطلوبة من المجتمع المدني، هناك رعاية مطلوبة من قبل الدولة، لتأمين طرقات آمنة، ليس فقط للسياح، ذلك أن طرقاتنا الحالية كما يقول خضر: "تشكل أحياناً تهديداً أكبر على قاصدي المنطقة من الخطر الأمني".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها