الجمعة 2019/03/22

آخر تحديث: 00:58 (بيروت)

مستشفى تنورين: مسلسل فضائح.. ودسائس سياسية ومالية

الجمعة 2019/03/22
مستشفى تنورين: مسلسل فضائح.. ودسائس سياسية ومالية
توفي كل أعضاء مجلس الإدارة ولم يبق إلا المدير! (Getty)
increase حجم الخط decrease
عاد ملف الفساد في مستشفى تنورين الحكومي إلى الواجهة من جديد، إثر كتاب مفتوح وجّهه مواطن لبناني "مجهول الهوية" إلى وزير الصحة، الدكتور جميل جبق، يعرض فيه ما اعتبره "قصة اشتباه بهدر مال عام في عهدة العدالة منذ العام 2006، وملفات لم تبلغ خواتيمها القانونية، فتكدّست في الأدراج القضائية والوزارية، وما زال الفساد مستشريا في مستشفى تنورين".

مدير المستشفى ورئيس مصلحة الصحة
يأمل اللبنانيّون اليوم، مع انطلاق عجلة الحكومة، أن يشهدوا إنجازات اقتصادية واجتماعية وقانونية، خصوصاً بعدما أعاد رئيس الجمهورية ميشال عون قبل يومين، التشديد على أنّ "معركة الفساد بدأت ولا حصانة فيها لأحد"، وأنه هو "النموذج لأكبر متّهم في لبنان لم يدافع عن نفسه، بل برّأه القضاء. وعلى كلّ متّهم المثول أمامه". ويبدو أنّ المواطن المذكور، حسب مصادر مطّلعة على الملف، "يعوّل على جدية وكفاءة الوزير جبق، وبأن شيئا جديدا سيحدث"، عارضا في الكتاب "ملفين موثّقين فقط، علّهما يلقيان آذانا صاغية عند المعنيين، فيضعون حداً لاستمرار الهدر، من خيرات خزينة الدولة وجيوب الفقراء، من دون حسيب أو رقيب". مع العلم أنّ هذا الصرح الاستشفائي الحكومي الضخم، الذي يضاهي المستشفيات الخاصة في لبنان، من ناحية احتوائه على أحدث التجهيزات في أقسامه الاستشفائية، ما كان ليُبصر النور لولا المساهمة الكبيرة، وتضافر جهود أبناء تنورين، المقيمين منهم والمغتربين.

يتضمّن كلٌّ من الملفين المذكورين في الكتاب، مخالفات ارتكبت في المستشفى الحكومي، بناءً على إحالة من النيابة العامة التمييزية، وبالاستناد إلى قرار صادر عن هيئة التفتيش المركزي. الأول يتعلق بالشكوى رقم 2102/2006، التي تقدم بها "اتحاد الخدمات الصحية في البترون"، والقرار الصادر عن هيئة التفتيش المركزي رقم 18/2014، والذي قضى بتوقيف مدير المستشفى، الدكتور وليد جرجس حرب، عن العمل من دون راتب لمدة شهر واحد تأديبياً، وإحالته أمام الهيئة العليا للتأديب. وتأخير تدرج رئيس مصلحة الصحة في الشمال لمدة ستة أشهر تأديبياً، وإحالته أمام الهيئة العليا للتأديب. وتوقيف الطبيب المراقب في المستشفى، عن العمل بدون راتب لمدة شهر واحد تأديبياً، وإحالته أمام الهيئة العليا للتأديب. كما تقرر تأخير تدرج بعض المستخدمين لمدة شهرين تأديبياً.

النوم في الأدراج
ثماني سنوات مضت قبل أن يصدر قرار التفتيش، "على إثر الشكوى التي تقدّم بها عام 2013، كل من الطبيبين عادل حبيب وأسد عيسى، اللذين عملا لفترة طويلة في المستشفى، أمام التفتيش المركزي حول مخالفات مالية وإدارية في مستشفى تنورين الحكومي، وذلك استنادا إلى أكثر من 43 مخالفة قانونية، موثّقة جميعها بالمستندات".

وعملا بهذا القرار، أحيل الملف إلى مدّعي عام التمييز الذي أحاله في شهر آذار من العام 2014 إلى الهيئة العليا للتأديب والى النيابة العامة المالية، حين طلب النائب العام المالي من وزير الصحة آنذاك، وائل أبو فاعور، إذن الملاحقة القانونية بحق المدير والموظفين الثلاثة، وهو ما لم يبتّ فيه الوزير، لتنام الشكوى مجددا في أدراج وزارة الصحة وفي أدراج النيابة العامة المالية. هذا الواقع لم يتغيّر بعد تولّي الوزير غسان حاصباني المنصب نفسه في العام 2017، فبقي هذا الملف نائما عنده أيضا لأسباب مجهولة. 

أما بالنسبة إلى الملف الثاني المتعلق بالشكوى رقم 1316/و 2013، التي تقدم بها الطبيبان نفسهما إلى التفتيش المركزي، اعتراضا على استمرار مسلسل المخالفات المالية والإدارية في المستشفى المذكور، فتضمنّت أكثر من أربعين مخالفة مالية وإدارية ومسلكية جديدة. غير أن مصيرها لم يكن أفضل من سابقاتها، بل إنها لا تزال نائمة في أدراج التفتيش حتى تاريخه.

مدير المستشفى السياسي جداً
في هذا الاطار، يرى رئيس بلدية تنورين السابق، الدكتور منير طربيه، الذي أشرف على عملية بناء وتجهيز المستشفى، أنّ "كل الاتهامات التي سيقت ضد المستشفى ومديره، تافهة ولا أهمية لها، وأنّ التدخّلات السياسية هي التي أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، في حين أن الدكتور وليد جدير بمنصبه، وهوالشخص المناسب في المكان المناسب، فلا يمكن لمن يدخل المستشفى ألا ينشرح صدره لكونها من أفضل المستشفيات الحكومية في لبنان، وهو الذي يعتمد على إمكاناته الذاتية بشكل أساسي، للاستمرار في رسالته، وطبعا الفضل بذلك يعود للدكتور وليد"، موضحا أنّ "هناك تنافساً شرساً على منصبه، في ظل قرار الحكومة بمقاربة التعيينات الإدارية قريباً، وبالتالي تعمل جهة معينة على توفير كل السبل المتاحة لإزاحته وتعيين بديل عنه".

وتكشف مصادر مطّلعة لـ"المدن"، أنّ "علاقة الدكتور حرب سيئة حاليا بكافة الأطراف السياسية في القضاء، بدءاً بالنائب السابق بطرس حرب، الذي كانت تجمعه به في السابق علاقة جيدة جدا، قبل أن ينضم إلى التيار الوطني الحر، الذي ما لبث أن اختلف مع رئيسه، وصولا إلى حزب القوات اللبنانية الذي انتسب إليه مؤخرا، قبل أن تبرد العلاقة وتسوء مع القيّمين عليه، نتيجة ترشيح الدكتور فادي سعد للنيابة عوضا عنه".

عمليات جراحية وهمية
في المقابل، تلفت مصادر التفتيش المركزي لـ "المدن"، إلى أنّ مجلس الإدارة  الذي يرأسه الدكتور حرب لم يتغيّر منذ أكثر من 23 عاما، وهذه مخالفة فاضحة للقانون، فضلا عن أن أبرز المخالفات التي ارتكبها المدير الدكتور وليد حرب تتعلق بـ "مخالفة مبدأ التفرغ المنصوص عليه في مرسوم تحديد ملاك المؤسسة العامة، التي تتولى إدارة  مستشفى عام. ليتبيّن أن الأخير قد أجرى عمليات جراحية تحت اسم الدكتور عبدو خوري، وأن إدارة  المستشفى عمدت إلى تضمين معظم فواتير العمليات الجراحية، معاينات طب عيون غير واجبة وغير مبررة من الناحية الطبية، فضلاً عن تنظيم فواتير استشفاء وهمية باسم بعض المرضى، عن عمليات لم تجر أصلاً. إلى ذلك، اتّضح أنّ الطبيب المراقب كان يحضر إلى المستشفى مرة واحدة في الأسبوع، وأن العديد من بطاقات تغطية المرضى قد خلت من توقيعه وموافقته. وأن مدير العناية الطبية بالإنابة في وزارة الصحة ورئيس لجنة تدقيق الفواتير لم يقم بواجباته لناحية التدقيق في بطاقات التغطية، ذات السعر المقطوع من الناحية الطبية، الأمر الذي يرتب أيضاً مسؤولية مسلكية ومالية".

مجلس إدارة من شخص واحد!
وفي هذا السياق، تستغرب مصادر مطّلعة كيف أنّ "مجلس إدارة مستشفى حكومي يتمثّل بشخص واحد فقط هو وليد حرب، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب مدير المستشفى أيضا، في ظاهرة غريبة من نوعها، وذلك بعد أن توفي كل أعضاء المجلس، ولم يتم تعيين مجلس إدارة  جديد منذ عشرات السنين، بسبب الخلافات السياسية في قضاء البترون بين الأطراف المعنية. فيما يبقى حرب صامدا في مركزه، يتصرّف بكل أموال المستشفى من دون حسيب أو رقيب، لما لذلك من انعكاس سلبي على أداء هذا المرفق الصحي في القضاء".

وهنا تسأل المصادر عن الأسباب التي حالت دون وضع كل من الوزيرين أبو فاعور وحاصباني، يدهما على الملف؟ لماذا هذا الإهمال الفاضح في ملف بهذه الحساسية؟ ولماذا لم تتم حتى الآن محاسبة المسؤولين؟ هل هناك غطاء سياسي لم يرفع عن مستشفى تنورين، وقرار بتمييع الملف مهما بلغت درجة الفساد ومهما بلغت التجاوزات الموثّقة؟

واليوم، تحاول المستشفى أن تستبق زيارة وزير الصحة إليها، فيما الاستعدادت على قدم وساق لتلميع صورة المستشفى قدر الامكان: "فورش العمل تعمل ليل نهار لطرش الحوائط وترميم ما تصدع وتنظيف ما يمكن تنظيفه". ويختم صاحب الكتاب كتابه متوجّه إلى الوزير جبق بالقول: "قد تجد يا سيدي الوزير هذا المستشفى نموذجيا في الموقع والشكل، ولكن ما يهم المواطن هو ما يجري في أدراج هذا المستشفى وفي حساباته وفواتير مرضاه وفي غرفه المغلقة"، مشددا على أن "الهدف وقف الهدر في هذا المرفق الحيوي والحساس، بعد 13 سنة من الملاحقات العبثية".

من جهتها، تؤكد مصادر وزارة الصحة لـ"المدن"، أنّ "الوزير سيطّلع على الملف ويتابعه عن كثب، لكشف الملابسات وتسطير التجاوزات التي أقرّت بها هيئة التفتيش، فالقضاء، لاتخاذ الاجراءات اللازمة. فيبنى على الشيء مقتضاه"، مشدّدة على أن "الوزارة في خدمة جميع المواطنين من دون استثناء، والوزير جبق حازم على القيام بكل ما هو واجب لحماية صحة اللبنانيين، حرصا على المحافظة على المستوى الطبي في لبنان، فيكون على قدر تطلّعات الشعب اللبناني".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها