الأربعاء 2019/02/20

آخر تحديث: 00:35 (بيروت)

"ألبان لبنان" تسرق مياه اللبنانيين وتستقوي على الدولة (2)

الأربعاء 2019/02/20
"ألبان لبنان" تسرق مياه اللبنانيين وتستقوي على الدولة (2)
اتفقت الشركة مع مختار بلدة الخضر لحفر بئر مياه في عقاره الخاص (المدن)
increase حجم الخط decrease
استكمالاً لملف شركة "ألبان لبنان"، الذي فتحته "المدن" يوم الإثنين، تطرح أسئلة عديدة نفسها، في قضية حصول هذه الشركة على المياه: هل ممارسات الشركة تسلك المسار القانوني؟ وهل حصلت على التصاريح والرخص اللازمة لأعمالها؟ هل دفعت الضرائب والرسوم المتوجبة عليها، لصالح خزينة الدولة اللبنانية؟

القوى الأمنية والمحافظ؟
مع ارتفاع كلفة تأمين المياه، وأمام النقص في هذا المورد من الآبار المجاورة، ذهبت شركة "ألبان لبنان" إلى "الحل - الفضيحة"، مبرمة اتفاقاً مع مختار بلدة الخضر محمد عودة، مفاده حفر بئر مياه في أعالي أراضي البلدة، المجاورة لبلدة حوش سنيد، في منطقة طبشار. وقد حصلت المدن على صورة لهذا البئر. حاولت "المدن" التواصل مع مختار البلدة والوقوف عند رأيه، في حقيقة وجود البئر وطبيعة عقد الضمان، الموقّع مع الشركة، على مدى يومين، إلا أنّ محاولاتها المتكرّرة باءت بالفشل، لكون هاتفه مقفل بشكل دائم. عندها تواصلت مع نائب رئيس بلدية الخضر عبدالله عودة، أحد أقرباء المختار، الذي أشار إلى أنّ أراضي قريبه المختار تقع ضمن النطاق الجغرافي لبلدية حوش سنيد.

تواصلت "المدن" مع نائب رئيس بلدية حوش سنيد، حسين القرصيفي، الذي أكّد على أنّ بئر المختار يقع في منطقة الطبشار، أي في النطاق الجغرافي للخضر، وبأنّ آبار المنطقة تستحصل على رخص استثنائية من المحافظ والقوى الأمنية. بمعنى آخر، لا يتم الاستحصال على رخص قانونية صادرة عن وزارة الطاقة والمياه، كما يفترض القانون. وأكّد الأخير على مرور أنابيب استجرار المياه للشركة من أعالي الخضر عبر بلدته حوش سنيد بجانب نهر سباط.

المياه الجوفية
عاودنا الاتصال بنائب رئيس بلدية الخضر من جديد. وتبيّن لنا أنّه لا يعرف طبيعة الأرض، ربما بسبب عدم وجود فرز لها، مؤكّداً على وجود البئر وأنّ شركة "ألبان لبنان" اتفقت مع المختار على عقد ضمان يجهل تفاصيله. كما أكّد على استجرار المياه للمعمل، من الجرود مروراً ببلدة الخضر فمنطقة حوش سنيد، وبأن الشركة لم تضع عدّادات للمياه. وهذا الأمر يخالف ما ينصّ عليه القانون اللبناني، لجهة وضع عدادات من أجل احتساب كميات المياه المستهلكة، لتحصيل الضرائب والرسوم لصالح خزينة الدولة، كون المياه الجوفية ملكاً للدولة.

وحسب مصادر "المدن"، تستهلك الشركة مئات الأمتار المكعّبة من المياه يومياً، من دون وجود عدّادات. ليس هذا وحسب، بل أنّ مدير عام ورئيس مجلس إدارة مؤسسة مياه البقاع، المهندس رزق جرجس رزق، الذي أكّد على أنّ القانون يفرض تركيب عدادات على جميع الآبار، حتى تلك الخاصّة، نفى علمه بوجود ذلك البئر. ما يعني أنه خارج الرقابة، ليس فقط لناحية تحصيل الرسوم، بل أيضاً لجهة معاينة مدى تطابقه مع المعايير القانونية، لناحية وصوله إلى المياه الجوفية.
وقد عزا رزق السبب إلى أن حفر الآبار في المنطقة، يتمّ بتغطية من المسؤولين الأمنيين، وليس عبر وزارة الطاقة والمياه. وقال أن هناك استقواء بسلطة الأمر الواقع، وهناك قرار أكبر من سلطة المصلحة، التي تقوم بواجبها عبر تسطير الكتب لقمع المخالفات، لكن من دون جدوى. ولفت إلى أنه في بلدات عدّة مثل جنتا، ويحفوفا، والخضر، ودار الواسعة، والهرمل، وقاع الريم هناك استقواء على الدولة.

مئات المخالفات
وقبل السؤال عن مالية الدولة وتحصيل الضرائب، يقع هذا البئر في أعالي البلدة، وبعمق يصل لغاية 450 متراً، كما أكّدت مصادر "المدن". وبعيداً من دقّة هذا الرقم سواء كان أقل من ذلك أو أكثر، لم يحصل البئر، لا على رخصة من وزارة الطاقة والمياه ولا على مرسوم جمهوري، ضارباً عرض الحائط كل الأصول القانونية والفنية والبيئية والمالية المرعية الإجراء، التي تفرضها القوانين اللبنانية.
وحسب مصلحة الاستملاك في وزارة الطاقة والمياه، لا يوجد أي مرسوم أو رخصة لهذا البئر مسجّلين لديها. ليس هذا وحسب، بل أكّدت المصلحة على أنّ لدى الشركة سبعة آبار مخالفة بجانب المعمل، التي هي أصلاً تعتبر منطقة يمنع الحفر فيها، لتواجدها القريب من نهر الليطاني. وأكّدت المصلحة على أنها سطّرت مئات الكتب بمخالفات الشركة، لكن من دون جدوى. ووصل الأمر إلى وضع إشارة تعدّي على العقار، وقرار بوجوب إقفاله، لكن أصحاب الشركة لم يكترثوا.

الحفر "شغّال" بجانب المعمل
أثناء إعداد هذا التقرير تعمل الشركة على حفر بئر بمحاذاة المعمل، أي في مكان يُمنع الحفر فيه كونه قريب من النهر. وقد تأكّدت "المدن" من صاحب الحفارة روكز حبيقة، الذي ردّ على استفسار، إذا كانت عملية الحفر تتم بموجب رخصة قانونية، بالإيجاب. وأحالنا إلى أصحاب الشركة. وعمّا إذا كان عمق البئر سيصل إلى 500 متر قال: لم نصل بعد إلى هذا العمق، وسنتوقف عن الحفر عند بلوغ المياه التي ربما تتفجر على عمق أقل". وعن الوقت المتبقي للانتهاء من حفر البئر اكتفى بالقول "مش كتير.. معش مطولين".

صورة للحفّارة داخل حرم المعمل


المياه تسير تحت أقدام الدولة

وفي هذا الإطار نفت مصلحة الاستملاك في وزارة الطاقة والمياه أيّ علم لها بهذا البئر، ما يعني أنه لم يتمّ الاستحصال على التراخيص القانونية والمرسوم الجمهوري ضمناً. وليست على دراية بعملية الحفر الجارية حالياً. لكن ماذا يقال للرأي العام حول هذه المخالفات؟ تتأسّف مصلحة الإستملاكات لهذا الأمر، ملقية اللوم على من يمنحهم الرخص الاستثنائية للحفر. وبعد التواصل مع مدير مصلحة مياه البقاع رزق، نفى علمه أيضاً بأي عملية حفر في المنطقة، وطلب منا تزويده بالإحداثيات لمكان الحفر لمعاينة المكان وتسطير محضر ضبط مخالفة وإرسال كتاب إلى المحافظ.

الليطاني تشتكي
من ناحيته أشار رئيس مدير عام مصلحة الليطاني، سامي علوية، إلى أنّ مسؤولية ملاحقة هذه المخالفات من اختصاص مصلحة مياه البقاع، لكن مصلحة الليطاني لم توفّر وسيلة إلا ولجأت إليها، لوقف هذه الإنتهاكات، بينها إرسال كتب لمحافظ البقاع، عن عدم قانونية حفر الآبار التي تقوم بها الشركة. فحفر الآبار بجانب النهر ممنوع بالقانون، لكونه يؤثر على الموارد المائية ويشكّل ضغطاً على المياه الجوفية، ويساهم في شح مياه الأنهر وجفافها. وكشف عن تقديم شكوى، مع اتخاذ صفة الإدعاء الشخصي بحق تسعة معامل صناعية، في منطقة بعلبك. وستحدّد لها جلسات محاكمة في 5 آذار. ووعد بالتأكيد على القاضي بضرورة إصدار محاضر إقفال بحقهم.

جرم بيئي 
لناحية مخالفة الشروط البيئية والضرر الذي تتسبب به فقد أكّد الاستاذ المحاضر في الجامعة الأميركية والخبير في إدارة المصادر الطبيعية، رولان رياشي، أنّه في حال كان البئر على سفح الجبل يؤثر مباشرة على الينابيع. وأوضح إنّ كمية المياه التي تتسرّب إلى باطن الأرض تشكّل المياه الجوفية التي تتفجّر ينابيع بعد الإشباع، وبالتالي حفر الآبار في مثل تلك المناطق وسحب المياه الجوفية يؤديان إلى جفاف الينابيع ومنع تفجّرها. ففي السنوات الخمسين الفائتة انخفض منسوب الينابيع بنحو الثلث وانخفض منسوب الأنهر بنحو 50 بالمئة. كما أنّ سحب المياه الجوفية يؤدي إلى التصحّر مع مرور الزمن. ففي مرحلة السبعينيات كان يكفي عمق 10 أمتار للحصول على المياه. أما اليوم فقد بات الأمر يتطلب أعماق أكثر بعشرات المرّات.

جرم جزائي ومالي
وحول الجرم القانوني، اعتبر المحامي والناشط في المرصد الشعبي لمكافحة الفساد واصف الحركة، أن ما يحصل حالياً في موضوع حفر الآبار عموماً مخالف للقوانين اللبنانية كون المسألة تتمّ عبر محاضر وأذونات وليس هناك من قرار في كيفية التعامل مع الموضوع من قبل مؤسّسات الدولة. لكن هذا لا يلغي أن ما تقوم به الشركة من خلال الحفر في أماكن وجود المياه الجوفية وعدم وضع العدّادات يخالف القوانين اللبنانية. فالشركة بهذه الحالة ترتكب جريمة جزائية بالتعدي على المياه العمومية وجريمة التهرب من دفع الرسوم والضرائب لكونها لم تركّب العدادات، ما يفرض ترك النيابة العامة المالية ضده.

انتقائية مكافحة الفساد
قد تكون قوة المختار المستمدة من سلطة الأمر الواقع أقوى من سلطة الدولة وأجهزتها خصوصاً أنّ مصادر المدن أكّدت على انتماء المختار لأحد الاحزاب النافذة التي تنادي بمكافحة الفساد ليلاً نهاراً. ووزير الطاقة والمياه السابق لم يتمكّن من تغيير هذا الواقع فهل ستتمكّن الوزيرة الحالية من قمع جرائم تلك الآبار بحق المالية العامة والبيئة لا سيّما أنها تنتمي لحزب يجاهر في مكافحة الفساد؟

تجدر الإشارة إلى أنّ "المدن" حاولت التواصل مع مدير شركة "ألبان لبنان"، السيّد مارك واكد، على مدى يومين، غير أنه لم يرد على الاتصالات المتكررة، والهادفة إلى الحصول على تعليقه على الموضوع، من أجل حفظ حق الرد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها