الإثنين 2019/02/18

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

تظاهرة الأحزاب وشعاراتها الطاردة للمدنيين

الإثنين 2019/02/18
increase حجم الخط decrease
جدل صباحي بين أفراد عائلة يسري الدم الشيوعي في شرايين جميع أفرادها، وحتى في عروق أولئك الذين تربطهم بهم صلات القربى من الدرجة الثالثة والرابعة، باستثناء كاتب هذه السطور. عائلة تسير في جميع التظاهرات الشيوعية، ويحمل أفرادها أطفالهم الرضّع ملفوفين بالعلم الأحمر. وهذا وصف للواقع لا نقداً ولا انتقاصاً. قالت له: "لماذا لا تنزل معنا إلى الشارع طالما أنك تعمل ليلاً ونهاراً، من دون تلقي الأجر المطلوب، والذي لا يكفي أصلاً عائلتك، كما تتذمّر دائماً؟" هو ببساطة ساخرة: "وإذا نزلنا على الشارع، شو رح يتغيّر؟".

أسير في تظاهرة الشيوعي والقوى اليسارية والمدنية والنقابية (أتت الدعوة تحت اسم الحراك الشعبي للإنقاذ) مسكوناً بإجابة أخي تعليقاً على إلحاح أختي، في ذلك الجدل الصباحي، وبأسئلة يصعب الإجابة عليها: لماذا لا تنزل الناس إلى الشارع رغم الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة؟ ولماذا يتخلّف أخي عن تلبية دعوة حزبه، وهو الغارق بالديون كمعظم اللبنانيين؟ وإذا كان خطاب الشيوعي عاجزاً عن الوصول إلى فرد وُلِد في ظلال "السنديانة الحمراء"، فكيف له أن يصل إلى من لا تربطه بهم أي صلة رحم؟

مشاركة ضعيفة
في هذه التظاهرة  للشيوعي والتنظيم الشعبي الناصري ومنظمة العمل الشيوعي وحزب الطليعة، والقومي السوري المعارض، والقوى المدنية والنقابية، التي استكملت التظاهرات الأخيرة، بدا الحضور الشعبي قليلاً جدّاً قياساً بالمرّات السابقة. هذا، رغم كون التظاهرة أتت لاستكمال التصعيد في الشارع، إن على المستوى الرمزي كتتويج للتحركات السابقة، أو على المستوى المكاني. ففي يوم الأحد 17 شباط، انطلق المتظاهرون من شارع بشارة الخوري، أي من حيث انتهت التظاهرة السابقة في 20 كانون الثاني، وصولاً إلى ساحة رياض الصلح، حيث مُنعت التظاهرة السابقة من الوصول إليها، بسبب الإجراءات الأمنية المتخذة بمناسبة انعقاد القمة العربية الاقتصادية. ولا نبالغ في القول أن عدد المتظاهرين لم يتجاوز ثلاثة آلاف شخص، وهو قليل باعتراف المشاركين، الذين كانوا يتوقعون حضوراً أكبر من السابق. وهذا يدلّ على أنّ القيّمين على التظاهرة عاجزون عن استقطاب الناقمين، والمتضرّرين من السياسيات العامة لقوى وأحزاب السلطة، وبأنّ "الشعب" لا يبالي لمأساته الاقتصادية والمعيشية!

مزاج المشاركين
من بشارة الخوري، حيث يقبع أحد فروع وزارة المالية، مروراً من أمام جمعية المصارف، ثم بشارع المصارف وصولاً إلى ساحة رياض الصلح، طالت الهتافات الكثيرة "النظام الطائفي الفاسد" و"دولة الحرامية، وحيتان المال". هتافات وشعارات مدّوية تختصر بواحدة: "لا ثقة بالحكومة الجديدة".

"لا ثقة والمغارة مفتوحة، والعدل نايم، والقضاء مسيس، وانتوا برّات الحبس"، كتبها أحد المسنّين بخط اليد، وموقّعة باسم "اتحاد العاطلين عن العمل والصرف التعسفي"، وأخرى كتب عليها "من جرّب مجرّب، عقلو مخرّب". لافتات تختصر وجع الناس وأحوالهم الصعبة وعدم ثقتهم بالمسؤولين، وتعبّر عن مزاج وأهواء المشاركين، أكثر بكثير من اللافتات المطبوعة سلفاً والمتعددة الشعارات. 

عناصر غير منضبطة 
منظمو التظاهرة بدوا غير قادرين على ضبط مناصريهم. فرغم التعميم بعدم رفع الشعارات الحزبية، كست الأعلام الحزبية التظاهرة. كما لو أنّ هؤلاء المتظاهرين يقولون في سرّهم أنّ مسألة إثبات الوجود برفرفة العلم أهم من قضيّة التظاهرة، ضاربين بعرض الحائط انسحاب بعض القوى المدنية وفضّ يدها من التظاهرة، بسبب وجود تلك الشعارات. فوفق أحد الناشطين المدنيين، الذي شارك بصفته الشخصية: "هناك إصرار من هذه الأحزاب على الظهور بشعاراتها الحزبية، في محاولة منها للسيطرة على الشارع، وسدّ النقص الحاصل بين القوى المدنية، وهذا لن يؤدي إلى أي مكان، بل سيجعل الناس تبتعد شيئاً فشيئا".

"عمّمنا على الجميع عدم رفع الشعارات الخاصّة، لكن من الصعب أن تجعل جميع مناصريك يلتزمون"، همس في أذني أحد قياديي الحزب الشيوعي. وماذا عن وجود ثلاثة صفوف قيادية تتقدّم المتظاهرين، لا صفّاً واحداً؟ في الصف الأول تكاتف بعض رموز حزب الله (المشارك في الحكومة ومنح الثقة لها) مع شخصيات حزبية تنتمي لمحور الممانعة، وفي الصفي الثاني قيادات حزبية شيوعية معارضة، وفي الصف الخلفي أمين عام الحزب الشيوعي حنا غريب والنائب أسامة سعد... "تركنا المتظاهرين يسيرون بحرّيتهم ولم نقرّر تنظيم أي صفّ لترأس التظاهرة"، أردف قائلاً.

خلال المسار الطويل للتظاهرة تبيّن، من خلال الدردشات مع المتظاهرين، أنّ القوى المشاركة متّفقة على الهدف، أي التظاهر ضد قوى السلطة وسياسات الحكومة الاقتصادية المفقرة للشعب اللبناني. لكنها لم تتوصّل إلى اتفاق على "التنظيم"، وهذا ما أدّى إلى خروج الجميع بأعلامهم الحزبية الخاصّة. فتبرير القيادي الشيوعي لم ينطلِ على أحد الناشطين في حزب الطليعة: "جميع الشعارات مطبوعة سلفاً، فلو لم يكن الأمر متعمداً لكانت كُتبت بخط اليد"، قال.

لا ثقة بالحكومة
ما أن وصلت التظاهرة إلى ساحة رياض الصلح، سارع بعض الشبّان إلى اعتلاء التمثال الذي أخذت الساحة اسمه، وزرعوا عليه علم الحزب الشيوعي. وليس بعيداً منه وقف النقابي محمود حيدر وألقى كلمة في المتظاهرين منتقداً فيها الحكومة، ومعلناً عن لا ثقة كبيرة بها وبإجراءات "سيدر"، لكونها ستؤدي إلى زيادة الضرائب غير المباشرة على اللبنانيين، وإلى المزيد من إفقارهم. وإذ رفض حيدر أي إجراء يطال رفع ضريبة القيمة المضافة، وأسعار المحروقات، وفواتير الكهرباء والمياه، وضرب نظام التقاعد وحقوق المتقاعدين..، طالب بتعديل النظام الضريبي باعتباره المصدر الرئيسي لتأمين الأموال المطلوبة.

انتهت التظاهرة وغادرت الحشود الساحة. بقي العلم الشيوعي مزروعاً بين أصابع يد تمثال رياض الصلح، شاهداً على أهميّة هذا العلم في إثبات الوجود. صاح أحدهم وهو يلتقط صورة لذاك التمثال الضخم: "صار بشارة الخوري شيوعي". لم أستطع أن أمنع نفسي من التدخّل مصححاً، "بل هو رياض الصلح.. يا رفيق".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها