منذ أن أطلق قصر بعبدا الإعلان الرسمي في تكليف حسان دياب رئيسًا للحكومة، عصفت حالة من الغليان في عاصمة الشمال وعكار. وحتّى ساعات متأخرة من ليل الخميس، تحولت ساحات طرابلس إلى مساحاتٍ غاضبة للتعبير عن الاستياء الشعبي من هذا التكليف، فانطلقت الاحتجاجات العفوية، وأغلقت الطرقات الرئيسة في المدينة بالإطارات المشتعلة والمستوعبات، وجابت المسيرات على الدراجات النارية في أحياء المدينة، وعلى مدار ساعات توالى اطلاق الرصاص في سماء المناطق الشعبية مثل القبة وباب التبانة احتجاجًا على هذا التكليف.
نحو دارة فيصل كرامي
أول ردّ فعل شعبي أخذ بوضوحٍ طابع التحفز مقابل "حكومة مواجهة" مقبلة، تناقض الميثاقية، وتُغيّب إرادة الشارع السني الذي لم يسبق لمعظمه أن سمع باسم "حسان دياب" قبل لحظة اقتراحه مشروعًا لرئاسة الحكومة. تحول الرجل إلى "نكتة" في المدينة بادئ الأمر، وهم يسألون عن "كتاب انجازاته" الشهير. رفع المحتجون في طرابلس الشعارات ضدّ ما اسموها بـ"حكومة حزب الله"، وتوجهوا إلى دارة النائب فيصل كرامي الذي شارك في تسمية دياب، وأطلقوا الاتهامات ضدّه بأنه "مأجور" لدى حزب الله، فوقعت إشكالات بينهم وبين مناصريه، بينما يسود شعورٌ أن خيار دياب لم يحترم إرادة طرابلس وثورتها.
وحاليًا، يشهد الشارع الطرابلسي فوضى عارمة وتوترًا أمنيًا كبيرًا على وقع إطلاق الرصاص وإلقاء القنابل الصوتية في مجرى نهر أبو علي، وسمع دوي انفجارها في الشوارع المحيطة، ما دفع عددًا كبيرًا من المدارس والجامعات والمؤسسات إعلان إغلاق أبوابها صباح الجمعة. وبينما قام المحتجون بقطع أوتوستراد طرابلس عكار، توجه عدد كبير من الباصات التي تنقل المتظاهرين من عكار وطرابلس نحو بيروت من أجل الانضمام إلى المشاركة في الاحتجاجات الشعبية هناك، كما قطع المحتجون الطريق البحري بين طرابلس والقلمون.
التعاطف مع الحريري!
في هذا الوقت، يسود الخوف في طرابلس من جعلها مستباحة ومخروقة أمنيًا في الأيام المقبلة للمندسين والمخبرين وأصحاب الأجندات، ولصراعات أكثر تعقيدًا بين الأجهزة الأمنية. وبينما كان لافتًا تحرك عدد من المناطق الشعبية في طرابلس لأول مرّة بهذه الكثافة، برزت موجة تعاطفٍ مع الرئيس سعد الحريري، فانطلقت دعوات مضادة لتصحيح مسار الانتفاضة الشعبية، وعدم الانزلاق في مستنقع تسييسها طائفيًا ومناطقيًا تنفيذًا لرغبة الطبقة الحاكمة، وبدأت التحضيرات لآليات التصعيد في الثورة الشعبية داخل طرابلس، بعيدًا عن العنف وبما يحفظ أمنها.
في الواقع، الأولوية حاليًا لدى معظم أهالي المدينة هي في حماية "أمن طرابلس" من إثارة النعرات على اختلاف أوجهها، في ظلّ انعدام أيّ مجالٍ في قبول دياب رئيسًا للحكومة، ما قد يجعل المدينة في المرحلة المقبلة أمام تحدٍّ صعب وحساس، يحتاج إلى وعيٍ كبيرٍ يبدو مفقودًا لدى القابضين على السلطة.

التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها