الأحد 2019/12/15

آخر تحديث: 14:12 (بيروت)

بمواجهة شبيحة برّي: ليلة الشغب الثوري لتحرير ساحة النجمة

الأحد 2019/12/15
بمواجهة شبيحة برّي: ليلة الشغب الثوري لتحرير ساحة النجمة
إصرار غريب على التحدي تملك حتى المسنين (مصطفى جمال الدين9
increase حجم الخط decrease
وصاحت فتاة بأعلى صوتها: "ما منخاف وما منطاطي، شرطة المجلس ع صباطي"، فرددت خلفها مجموعة من الشبان والشابات الهتاف، وانطلقوا من جديد في اتجاه المجلس النيابي. فعل مثلها شاب آخر سارت خلفه مجموعة من المتظاهرين، مستجمعين قواهم، وعادوا من ناحية الصيفي والجميزة وجسر الرينغ، حيث كانت فرّقتهم فرق مكافحة الشغب بعد مواجهة دامية معهم.

لاستعادة ساحة النجمة
إصرار وعزيمة غريبتين على معاودة الكرة، لمواجهة شرطة المجلس النيابي، على الرغم من انهيال مئات القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي عليهم، في جولة القمع الأولى التي بدأت قرابة الساعة السابعة من مساء السبت 14 كانون الأول الجاري في شارع ويغان.

لم يكترثوا لعشرات الإصابات والاعتقالات في صفوفهم والملاحقات التي وصلت إلى الجميزة والصيفي وصعوداً حتى جسر الرينغ، فعادوا من جديد يهتفون "شبيحة شبيحة/ شرطة المجلس شبيحة".

بدأت ليلة المتظاهرين والمتظاهرات الدامية في شارع ويغان، حيث تجمعوا مئات أمام متجر "باتشي" قبالة الشارع المؤدي إلى ساحة النجمة. فالدعوات للتظاهر هناك توالت لاستعادة هذه الساحة العصيّة، والمصادَرة، مساحة عامة للناس، بعدما كرّسها رئيس المجلس النيابي محمية له، لا يدخلها إلا الوزراء والنواب، مستعينا بشرطته.

أتوا بالمئات من بيروت وطرابلس والمدن الساحلية ومن جبل لبنان. شبان وصبايا ومسنون، وحملت نساء أطفالهن، فيما بدا التفاوت الطبقي على هيئاتهم.

جموع ثائرة، دفعتهم حملات القمع التي شنتها شرطة المجلس على المتظاهرين في الأيام السابقة، إلى تحدي أنفسهم وأنفسهن، قبل تحدي عناصر مكافحة الشغب وشرطة المجلس المتجمعين خلفهم. فبينما ارتفعت هتافات بعضهم "سلمية، سلمية" أنبرى آخرون إلى رفع أصوتهم صارخين: "مش سلمية، مش سلمية"، في رغبة واضحة لتحدي شرطة المجلس، التي نكّلت بهم وبرفاقهم في شارع فردان قبل يومين.

رفض تكليف الحريري
أتوا غير خائفين لا من شرطة المجلس ولا من شبان الخندق الغميق، الذين اعتدوا على المتظاهرين بذريعة شتم "السيد والأستاذ"، فهتفوا ضد رئيس المجلس "بلطجي بلطجي/ نبيه بري بلطجي"، و"حرامي حرامي/ نبيه بري حرامي"، و"ما بدنا أستذة وتشبيح وبلطجة". ولم يسلم رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري من هتافهم: "سعد سعد/ ما تحلم فيها بعد"، معلنين رفضهم إعادة تكليفه لتشكيل الوزارة، على ما تبادر إليهم أن استشارات رئيس الجمهورية للنواب، بعد تأجيلها أسبوعاً، ستنجلي يوم الاثنين عن تكليف الحريري.
وطالت هتافات بعضهم الغاضب، سمير جعجع، فنعتوه: "صهيوني، صهيوني".


ذريعة العنف البلاستيكية
لم تكن شرطة المجلس تحتاج إلى ذريعة رمي أحد المتظاهرين عبوة مياه عليهم، كي تشن حملة القمع التي بدأت قرابة الساعة السابعة. تعرّف المتظاهرون على رامي العبوة البلاستيكية، فأجبروه على عدم تكرار فعلته، ليستمروا في هتافهم وتحركهم السلمي لربع ساعة بعد حادثة العبوة. لكن فرق مكافحة الشغب هجمت عليهم فجأة، وانهالت تطاردهم بالهروات لتفريقهم، بعدما تزايد عددهم عن ألف شخص. وبدأت قنابل الغاز المسيل للدموع تنهال على جموعهم.

سيدة تطلب من ابنتها التي لا تتجاوز السنتين المكوث في مدخل أحد المباني في أحد تفرعات شارع ويغان. سمعتُها تقول لها: "ما تتحركي من هون، لو شو ما صار"، بينما كنتُ أفر إلى مكان آمن، بعدما بدأ الدخان يتسلل إلى ذاك الشارع، فيما عناصر مكافحة الشغب تقترب منه. صرختُ على المرأة أرجوها حمل ابنتها والفرار بها، ولم أعلم ماذا فعلتْ، ولا ماذا حل بهما.

ساحة معركة حقيقية
مشيت في شارع جانبي، وتوجهت إلى ساحة الشهداء، ورحت أراقب المشهد المريب. إنها ساحة معركة حقيقية: شرطة مكافحة شغب تطلق مئات القنابل لتفريق المتظاهرين الذين تجرأ بعضهم على التحدي، فراحوا يلتقطون حجارة ويقذفونها على فرق مكافحة الشغب وسط هتاف "شبيحة، شبيحة"، فيردد خلفهم المتظاهرون هذا الهتاف، ويشجعونهم على الاستمرار والمتابعة. بعض المتظاهرين كانوا مجهزين بكمامات مضادة للغاز، فراحوا يلتقطون القنابل ويقذفونها نحو مطلقيها. فيصفق لهم المتظاهرون، وجلهم من النساء والرجال في مقتبل العمر. لم يرعبهم المشهد، بل بدوا مصرّين على البقاء، على أمل التجمع من جديد والانطلاق إلى ساحة النجمة.

في مساحة موقف ساحة الشهداء الواسع، صار يصعب على فرق مكافحة الشغب مكافحة المتظاهرين المنتشرين فرادى ومجموعات.

تتقدم المكافحة نحو الصيفي، فينبري شبان في موقف ساحة الشهداء إلى رشق الفرق الواقفة إلى جانب مبنى النهار بالحجار. وراحوا يصوبون عليهم شعاع ليز أخضر، فزاد حنقهم وتكاثر سقوط القنابل المسيلة للدموع عليهم. لكن كثرة القنابل بدت بلا جدوى، خصوصاً أن الهواء راح يعيد الدخان إلى جهة فرق المكافحة.

قررت فرق المكافحة احتلال الموقف، فنزل شطر منهم من ناحية جامع الأمين، فتفرق المتظاهرون. البعض فر في اتجاه الجميزة وآخرون التفوا من جديد إلى ساحة الشهداء من مفترق جمعية المصارف. لكن الإصرار على المواجهة بدا بعودة المتظاهرين إلى التجمع في موقف ساحة الشهداء العلوي، وراحوا يهتفون ضد "الشبيحة" وبري.

مرة جديدة عادت فرق مكافحة الشغب وانطلقت لتفريق المتظاهرين، الذين كانوا قد فروا إلى شوارع الصيفي فيلدج، وصعوداً إلى جسر الرينغ.



تجدد العنف بثياب سود
هدأت الأمور وعادت فرق مكافحة الشغب إلى خلف مبنى النهار بالقرب من بلدية بيروت. كانت الساعة حوالى التاسعة ليلاً. ظننتُ أن الأمور انتهت بعودة المتظاهرين إلى بيوتهم، فقفلت عائداً إلى سيارتي. لكنني لمحت متظاهرين يعودون فرادى ليتجمعوا من جديد أمام جمعية المصارف. سمعت بعضهم يقول إنهم سيعودون من جديد للتجمع أمام بلدية بيروت مقابل ساحة النجمة. وبعدما زاد عددهم عادوا ودخلوا إلى ساحة الشهداء، وما هي إلا دقائق حتى بدأ المتظاهرون يعودون من الصيفي والجميزة هاتفين: "ما من خاف وما من طاطي/ شرطة المجلس ع صباطي".

سلكت ذاك الطريق المؤدي إلى بلدية بيروت، فبدا أشبه بساحة حرب. آثار الحجار في كل مكان ورائحة الغاز تعبق في الأجواء. لكن وبعد أقل من نصف ساعة ارتفع عدد المتظاهرين وباتوا مئات. تجمعوا أمام فرق مكافحة الشغب وراحوا يهتفون ضد بري بكلام نابٍ وضد مجلس "الحرامية" وضد "شبيحة شرطة المجلس" ووزارة الداخلية.

الوجوه التي كنت رأيتها تعتصم منذ الساعة السادسة في شارع ويغان، عادت لتتحدى شرطة المجلس رغم العنف المفرط والاعتقالات والإصابات التي فاق عددها المئة والخمسين إصابة، بين كدمات جراء الضرب المبرح، والرصاص المطاطي، أو حالات الاختناق جراء الغاز المسيل للدموع.

إصرار غريب على التحدي تملك حتى المسنين أو من هم في مقتبل العمر. ففي العادة عندما يرشق بعض الشبان القوى الأمنية بالحجار، كنا نسمع أصواتاً تقول عنهم مندسين ويريدون التخريب. لكن في حالة المواجهة مع شرطة المجلس بدا الترحيب بالشغب محبباً للجميع.

لكن مرة جديدة انتهى هذا الاعتصام بحملة قمع دامية شبيهة بالحملة الأولى، واستمر العنف حتى قرابة الساعة الرابعة فجراً، بعدما أقدم عناصر برداء أسود على الاعتداء على المتظاهرين. قدم أصحاب الأردية السود من خلف عناصر مكافحة الشغب، حاملين عصياً سود تشبه ثيابهم وهيئتهم، واعتدوا على المتظاهرين، وسحلوا بعضهم.


ورداً على هذه الليلة الظلماء، توالت الدعوات كثيفة اليوم الأحد 15 كانون الأول للتظاهرات الجامعة في ساحة الشهداء، رداً على العنف والتشبيح الأمني الرسمي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها