الخميس 2019/11/21

آخر تحديث: 00:00 (بيروت)

بعد إحباط "انتفاضة" نزلائه: زيارة إلى سجن زحلة

الخميس 2019/11/21
بعد إحباط "انتفاضة" نزلائه: زيارة إلى سجن زحلة
اكتظاظ السجن يضع عبئاً كبيراً على حراسه (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease

مرّ خبر أعمال الشغب التي وقعت في سجن زحلة للرجال، في اليوم الثاني لاندلاع ثورة اللبنانيين، من دون إيلائه الأهمي المناسبة. فالحدث كان حينها، بـ"سجن" اللبنانيين الخارجي، إثر محاولة تحطيم أولى أغلال السلطة التي أوصلت الناس "خارج السجون" إلى ما وصلوا إليه. ورغم الأجواء المحمومة التي لفت موقع السجن في زحلة حينها، بقي ما جرى داخل أروقته، في داخله حصراً، إلى أن قصده النائب العام الاستئنافي في البقاع، منيف بركات، ظهر يوم الأربعاء. فكشفت الزيارة الميدانية، التي رافقه خلالها بعض الصحافيين، ما لم ينجح أي كلام بوصفه.

النائب العام منيف بركات يتفقد السجن (لوسي بارسخيان)


اكتظاظ وفوضى
تكشف طبقة الباطون المكشوفة التي أعيد ترميمها لتثبيت قضبان السجن مجدداً، حجم الضرر الذي خلفه السجناء في الباحة الداخلية التي تتوسط زنزاناتهم. وقدرت قيمة إعادة الترميم بنحو 70 ألف دولار.

ووفقاً للروايات، فإن شرارة "الشغب" الأولى انطلقت من أولى الزنزانات المطلة على الرواق، حيث قام السجناء باقتلاع بابه الحديدي، واستخدموه سلاحاً، خلعوا بواسطته حواجز الحديد وأبواب الزنزانات، وأحدثوا فجوة في الأروقة التي تفصل بين الزنزانات، ليتجمهروا بأعداد كبيرة في باحة السجن الداخلية التي تتوسطها، محاولين أيضاً إحداث فجوة ثانية كبيرة في الجدار الخارجي للسجن، تؤمن لهم الفرار.

لا يمكن تصور حجم الفوضى التي تسبب بها السجناء، إلا بالإشارة إلى الأعداد التي يكتظون بها في سجن زحلة للرجال، بعد أن بلغ عددهم ضعف قدرة استيعابه، أي نحو 789 سجيناً في مكان لا يستوعب أكثر من 400 سجين كحد أقصى. وإذا أشرنا إلى عدد عناصر قوى الأمن القليل، المولج بحماية أمن هذا السجن، يمكن تصور حال الهلع التي سادت وسط هؤلاء، والتي دفعتهم إلى مغادرة أروقة السجن، حتى لا يقع أي منهم رهينة يسهل استخدامها للمقايضة مع السلطات المعنية. علماً أن السجناء استولوا على بزات العسكريين وأحرقوها مع فرشاتهم في الرواق الخارجي، واعتدوا على كابيلا كنيسة مجهزة في المكان تحطيماً وسلباً لمقتنياتها.. إلى أن جرى تطويق الحادث بعد ساعات، بواسطة عناصر مكافحة الشغب والقوى العسكرية الاستثنائية التي استعين بها، فأخمدت "غضبة السجناء" بمفاوضات طويلة، إنكفؤوا على أثرها إلى داخل زنزاناتهم مجدداً، وطوقت حالة التمرد "بالعقل وليس بالقوة" كما أشار بركات.

احتواء الغضب
وسط حالة الهستيريا التي كان يمكن سماع صداها في محيط السجن، كان اللافت أن بعض السجناء حاول التواصل "هاتفياً" مع أشخاص من الخارج، لمعرفة ما إذا كانت عائلاتهم قد حضرت إلى المكان، فربما وجدوا في حضورهم ما يسهل مهمتهم، من خلال زيادة الضغط على القوى الأمنية والعسكرية في الخارج. إلا أن تقطيع شرايين الطرقات يومها بالإطارات المشتعلة في كل مكان، لا يبدو أنه جاء لمصلحتهم، فلم ينجحوا إلا في إلحاق الخراب الكبير داخل جدران السجن.

إحباط "تمرد" السجناء بعد ساعات من وقوعه، لا يبدو أنه أطفأ النار التي لا تزال مشتعلة في قلوبهم. والسجناء الذين عولوا في بداية إندلاع الثورة على الاستفادة من حالة الفوضى للفرار من معتقلهم، راحوا يعولون على مدى أسبوعين متتاليين على طرح قانون العفو لإستعادة حريتهم. ولما كان مجلس النواب قد فشل بتحقيق النصاب اللازم لطرح اقتراح القانون على التصويت في جلسة الثلثاء في 19 تشرين، استشعرت الأجهزة الأمنية والقضائية حالة غضب في صفوفهم بدأت تحتدم مجدداً. ومن هنا أتت زيارة القاضي بركات بمحاولة لاستيعابها، خصوصاً أن بركات كان قد قصد سجن زحلة كما باقي سجون البقاع أكثر من مرة منذ توليه مهمته، واستمع إلى كثير من شكاوى نزلائها وقضاياهم، وأبدى تعاطفاً مع بعضها، وعمل على معالجة الملفات وتسريعها.

عديد القوى الأمنية قليل في السجن (لوسي بارسخيان)


عزيمة قوى الأمن
ولكن الزيارة هذه المرة جاءت مختلفة تماماً. فإذا كانت الزيارات السابقة لسجون البقاع وضعت بإطار الزيارات الواجبة عملاً بنصوص قانونية وبأصول المحاكمات الجزائية، فإن المدعي العام هذه المرة لم يكن مستمعاً، وإنما حضر لإسماع السجناء ما يريدون سماعه، وهو أن قانون العفو، وإن لم يطرح على جلسة مجلس النواب حتى الآن، فهو لا يزال مطروحاً للبحث في أول جلسة تشريعية تعقد. وهو ما لم يقنع السجناء، الذين بدوا على إطلاع واسع على ما يجري في خارج السجن، سواء بواسطة أجهزة التلفزيون أو بواسطة الهواتف المجهزة بوسائل التواصل الاجتماعي في زنزاناتهم.

ومع ذلك حاول بركات كما قال، تهدئة مزاج السجناء حتى لا يبقوا في حالة انتفاضة، موضحاً في المقابل أن التعاطي مع الأشخاص الذين تسببوا بالشغب هو من اختصاص المحكمة العسكرية ومفوض الحكومة الذي ينظر بأمور الشغب.

وبدا المدعي العام في المقابل متفهما للضغط الذي يمكن أن تقع تحته القوى الأمنية نتيجة إدراج قانون العفو على جدول مجلس النواب ومن ثم تأجيل إقراره مجدداً. ومن هنا، قال بأن الزيارة جاءت للشد من عزيمة القوى الأمنية المكملة للضابطة العدلية.

"انتفاضة" ثانية؟
لم ينف بركات أن اكتظاظ السجن يضع عبئاً كبيراً على المعنيين بحماية أمن السجن، في ظل عديد القوى المحدود بإدارته، والذي طلبت القوى الأمنية بتعزيزه بعناصر إضافية. وأشار بركات أيضاً إلى أن ضغط الموقوفين في البقاع يتخطى زنزانات السجون إلى النظارات والمخافر والمفارز، التي لم تعد تستوعب التوقيفات الاحتياطية، ما دفع بالنيابة العامة في الفترة الأخيرة إلى عدم التشدد بعمليات التوقيفات. لافتاً إلى أن عمل النيابة العامة في البقاع كبير جداً، وهو يطال نحو مليون و900 ألف لبناني إلى جانب مليون نازح سوري مقيم في البقاع، فيما عدد القضاة وملاكه المحدد في الثمانينيات لم يعد كاف لتلبية الحاجات.

ليبقى السؤال المطروح في ظل هذه الظروف، إلى أي مدى يمكن الحفاظ على هذا الهدوء الحذر بعد "غضبة" نزلاء سجن زحلة، خصوصاً بعد أن اختبر هؤلاء نتائج أول انتفاضة لهم، والتي لم يفصلهم عن تحقيق أهدافها، سوى آخر جدار بقي يفصل بينهم وبين الحرية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها