الخميس 2019/11/14

آخر تحديث: 01:05 (بيروت)

الثورة تجمع جبل محسن وباب التبانة ليقبرا الفقر سوياً

الخميس 2019/11/14
الثورة تجمع جبل محسن وباب التبانة ليقبرا الفقر سوياً
"تبانة يا أمّ الفقير.. قومي كبّي هالوزير" (نذير حلواني)
increase حجم الخط decrease

في طرابلس الثائرة، وتحت شعار "بدنا نقبر الفقر وأسبابه"، انطلقت لأول مرّة في طرابلس تظاهرة شعبية وشبابية حاشدة، إلى منطقتي جبل محسن وباب التبانة معاً. كانت مسيرة مفعمة بالمعاني لمن يعرف تاريخ "العلاقة" بين الجبل والباب. بل وكانت معبّرةً في مضمونها وفي صورتها، كأنّها نوع من المصالحة والمصافحة وإعادة اللحمة، وربما ترميمها، من أجل كسر المحظور والدخول إلى مناطق لم تعد تابوهات، كما كان حالها في أزمنةٍ مشؤومة سابقة.

يسقط النظام الطائفي
جرت الدعوات عفويةٍ وتلقائية، نظّمها عدد من الشباب والشابات، قرروا بعد نقاشاتٍ طويلة أن قيمة طرابلس الثورية تستمدها من مناطقها الفقيرة، وتلك التي عانت من الحرب والقتال أثناء جولات العنف الدامية. ليست "طرابلس الثورة" هي ساحة النور وحسب، إنّما هي ساحات أخرى كثيرة متمددة، وبدأت تنفتح على بعضها منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية التي عمّت لبنان في 17 تشرين الأول. كانت نقطة التّجمع عند ساحة النور لعشرات من الشبّان، توجهوا نزولًا سيرًا على الأقدام، نحو ساحة الأسمر في باب التبانة، للوصول إلى شارع سوريا الذي يفصلها عن جبل محسن، مرورًا بمفرق شارع الشيخ عمران حارة المهاجرين إلى نزلة العمري، وقد عبروا جسر نهر أبو علي.

ومع تقدّم كلّ خطوةٍ، بدأت أعداد المتظاهرين تتزايد، لدى دخولهم منطقة باب التبانة، وهم يحملون عددًا كبيرًا من الشعارات أقحموها إلى هذه المناطق، مع كلّ ما تحمله من رمزيات سياسية ومحافظة: "يسقط النظام الطائفي"، "سفارتنا لبنانية وسفارتكم أجنبية"، "حقوقنا حقوق الإنسانية بدنا دولة مدنية"، "السلم الأهلي مدني" و"الحرب الأهلية طائفية" وغيرها الكثير..

خرج أبناء ساحة الأسمر وحارة المهجرين وشارع سوريا ونزلة العمري إلى شرفات منازلهم الضيقة، وهي مرصوفة فوق بعضها البعض في أبنيتهم المتهالكة من شظايا الحرب والرصاص. جميعهم، نساءً ورجالًا وأطفالًا، كانوا يتابعون خطوات الشباب المنتفضين في زواريب حاراتهم، على وقْع الصرخات والشعارات من مكبرات الصوت والقرع بالطناجر.

مهمة ما عادت مستحيلة
وفي وسط هذا المشهد الكاسر للتناقضات، تتوسط المتظاهرين شابة اسمها هبة درويش، تحمل مكبرًا للصوت، تصدح بشعارات الثورة، والكلّ يردد خلفها، والرجال قبل النساء: "تبانة يا أمّ الفقير.. قومي كبّي هل وزير/ما في رجوع.. ما في رجوع.. انتفاضة على الجوع/يلي قاعد بالبيوت.. نزال شعبك عم بيموت.. يلي واقف ع البلكون.. نزال نحنا شعبك هون/شارعنا شارعكم.. ساحتنا ساحتكم.. مسيرتنا قوية وما فيها طائفية/محسوبية /بلطاجية. وينك يا شعبي الجوعان.. تقوم وتصرخ ع الحرمان.."

كثير من شباب المنطقتين انضموا إلى التظاهرة، ردًّا على كلّ التهويلات التي كانت تشيع أنّ الدخول إليهما صعب، لا بل مهمة مستحيلة في ظلّ حكم "القادة" و"الطوائف". كثيرٌ من النسوة أيضًا، بادرن إلى رشّ الأرز على السائرين والسائرات في التظاهرات، والبعض الآخر صدح وصفق معهم. رجل عجوز يقف أمام عربة الخضرة، نسأله عن ابتسامته الصامتة، يجيب: "ما عم صدّق شو عم اسمع وشوف، الله يحميهم". رجالٌ آخرون، يمسكون هواتفهم بيدٍ لتصوير الفيديوهات، وبيدٍ أخرى يهتفون بقبضتهم أو يرفعون شارات النصر.

لا سلاح.. ومعاً
وبين المتظاهرين، تسير الشابة إيمان ابراهيم (25 عامًا)، وهي ناشطة مدنية واجتماعية فاعلة من جبل محسن، شاركت في تجميع الحشود للتظاهرة. تقول لـ"المدن": "رسالتنا من هذه التظاهرة، هي أنّ الثورة لا تقوم من دون أبناء المناطق الفقيرة في طرابلس، وتحديدًا من دون جبل محسن وباب التبانة والبداوي أيضًا، ولا معنى للثورة من دون أبنائها الفقراء". فـ"طرابلس لا تملك ساحة، وإنّما ساحات متعددة، والأهم أن يشارك أبناء المناطق الفقيرة في إيصال صوتهم وصناعة ثورتهم، وأن يساهموا في ردم الهوة بين المناطق، لا سيما أننا نريد إعادة دمج أبناء الجبل والتبانة سويًا مع قلب المدينة وصلبها".

تدرك إيمان أنّ مشوار الدمج بين المناطق طويلًا وليس سهلًا، لكنّ الانطلاقة بدأت بزخمٍ وحماسةٍ عالية. وتشير أنّ أهالي جبل محسن، كانوا قديماً يشعرون بنوع من الحرمان من أبسط حقوقهم، "كأنهم معزولون عن طرابلس". أما اليوم، فـ"يتوحدون مع جميع أبناء طرابلس في مطلبٍ ثوري واحد وتحت راية العلم اللبناني".

ولكلّ من يحاول اللعب على وتر الخلاف بين جبل محسن وباب التبانة، تردّ إيمان: "الخلاف بين المنطقتين بدعة، اخترعتها الطبقة السياسية، وما حصل سابقًا لا يمكن أن يتكرر، لأنّ أبناءهما ضحايا الطبقة الحاكمة وضحايا فقرهم، وعدوهم ليس طائفة أو منطقة، وإنما هؤلاء السياسيين الذين استغلوهم من أجل مصالحهم. واليوم في التظاهرة، وجدنا ابن الجبل في التبانة وابن التبانة في الجبل، يجتمعون حول قضيتهم المحقة على قلب واحد ومن دون سلاح، وهذه أهم نتائج ثورتنا في طرابلس".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها